أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -في عمق الأرض يكمن السر-














المزيد.....

-في عمق الأرض يكمن السر-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 15:41
المحور: الادب والفن
    


كانت الأرض ممتدة ككائن منهك، جافة، متشققة، ترفع وجهها نحو السماء بعيون مليئة بالأمل والانتظار. لم تمطر منذ سنوات، وتحولت الحقول إلى مساحات خاوية، تبحث جذورها عن ماء لا يأتي.
وذات صباح، ظهرت في الأفق غيمة بيضاء، مشعة، تنساب بحنان في السماء كأنها تحمل معها الوعد بالخلاص. اهتزت الأرض فرحًا، وأرسلت أنفاسها المتعبة تحية للسماء.
اقتربت الغيمة، وكان ظلها يطوف فوق الأرض، يعيد لها ذكرى الأيام الخضراء. قالت الغيمة بصوت خافت يشبه الوعد:
"لا تخافي، أنا هنا لأعيد الحياة إليكِ، لأروي جذورك العطشى وأجعل زهورك تتفتح من جديد."
لكن الغيمة مرت... دون أن تسقط قطرة واحدة.
شعرت الأرض بالحزن. كان وعد الغيمة خادعًا، وتركتها في عطش أشد وخيبة أعمق.
مرت الأيام، وظهرت غيمة أخرى، ثم أخرى. كل واحدة منهن وعدت الأرض بالمطر، لكنها مضت دون أن تفي بوعدها. شعرت الأرض وكأنها ضحية لعبة لا تفهم قواعدها.
وفي لحظة ألم، نظرت الأرض إلى السماء وصاحت:
"لماذا؟ لماذا تخدعونني دائمًا؟ أليست معاناتي واضحة؟ أليس عطشي كافيًا لإيقاظ قلوبكن؟"
وفي ليلة هادئة، اجتمعت الغيوم في السماء. خاطبت الأرض إحداهن، كانت غيمة ضخمة، رمادية، مهيبة:
"لماذا تعدونني بالمطر ثم تتركونني هكذا؟ ألست أنا التي تنتظركم بفارغ الصبر؟ ألست أنا التي تمنحكم مظهركم البهي في الأفق؟"
ابتسمت الغيمة، وقالت بصوت يشبه الرياح:
"أيتها الأرض، نحن لسنا مخادعات. نحن مجرد مسافرات. الرياح تدفعنا، والسماء تتحكم بمسارنا. ليس لنا خيار في إسقاط المطر أو منعك منه. نحن مجرد جزء صغير من نظام أكبر لا نفهمه تمامًا."
حين سمعت الأرض هذا الكلام، شعرت بشيء جديد ينمو داخلها. لم يكن المطر الذي تحتاجه مجرد ماء يسقط من السماء، بل حكمة تسقي وعيها. أدركت أن الغيوم ليست عدواً، وإنما رسائل تحمل دروسًا.
قالت الأرض لنفسها:
"إن أملي لم يكن خطأ، ولكن طريقتي في انتظاره كانت خاطئة. لا يمكنني بناء حياتي على الوعود، عليّ أن أبحث عن قوتي بنفسي."
وبدأت الأرض تعتمد على جذورها، تلك التي تمتد في أعماقها بحثًا عن الماء المختبئ. وجدت في داخلها ما لم تكن تراه، مياهًا مخزونة من أيام قديمة، طاقة كامنة تنتظر أن تُستخرج.
بعد فترة طويلة، ظهرت غيمة جديدة في الأفق. لم تقل شيئًا، ولم تقدم وعودًا. كانت تمضي بهدوء، لكنها توقفت فوق الأرض فجأة.
وبدأ المطر يتساقط.
لم تشعر الأرض بسعادة عارمة كما كانت تفعل من قبل، لكنها ابتسمت بهدوء وقالت:
"الآن أعرف. المطر ليس خلاصًا، بل هدية إضافية لمن تعلم كيف يصمد. شكراً لكِ أيتها الغيمة، فقد علمتني كيف أكون أقوى."
وهكذا، لم تعد الأرض جافة تنتظر المطر، بل أصبحت رمزًا للصبر والحكمة، قادرة على استقبال الغيوم بسلام، سواء حملت المطر أم لا.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وصيّة الجرح وردُّ النور
- -إلى فراشتي... حيث يزهر اللقاء في الأبدية-
- عناصر تقييم النص: بين الكاتب والمصحح اللغوي
- ذاكرةٌ قلقة
- مذكّرات كاتب فقد صوته
- -الصراع بين القلب والعقل: تحليل أدبي وفلسفي لنص الأخطل الصغي ...
- الألعاب التربوية وأهميتها في رياض الأطفال: شواهد دراسية
- غيمة مرهقة
- أدب الطفل ومكانته في الأدب العربي
- سحر الإيقاع في الشعر العربي: بين التوتر النفسي ومرونة البنية ...
- حكاية فراشة بين النار وأزهار الصبار
- أوركسترا الخلاص: سيمفونية النجاة
- -بين رغيف السلطان وجوع الروح-
- الصفصاف الهرم


المزيد.....




- مصر.. وفاة الفنان بهاء الخطيب خلال مباراة والعثور على -تيك ت ...
- فيلم -درويش-.. سينما مصرية تغازل الماضي بصريا وتتعثّر دراميا ...
- شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز ...
- ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
- جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
- مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه ...
- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -في عمق الأرض يكمن السر-