أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - محمد بسام العمري - الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن














المزيد.....

الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 10:39
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


جلس الحاج مراد على شرفته العتيقة، تلك الشرفة التي تشهد على عقودٍ من الصمت والانتظار. كان الغروب يتسلل بخيوطه الذهبية عبر الأفق، يُضيء السماء بلونٍ برتقالي ناعم، وكأنه يُنهي يومًا آخر من أيام الحاج مراد الثقيلة، التي تراكمت كالأيام التي سبقته. تأمل الحاج مراد المشهد أمامه بعيونٍ لم تعد تلمع كما كانت في شبابه، وكأن روحه قد ذابت مع السنوات، تاركة خلفها جسدًا بات يحمل أثقالًا لا تُرى، لكن تُحس. لطالما كان الحاج مراد رجلاً نبيلاً، هادئًا مثل البحر في ليلة ساكنة. عاش حياته وكأنها لوحة رسمها الآخرون بألوانهم، دون أن يمنح نفسه فرصة الإمساك بفرشاة أحلامه الخاصة. كان همه الوحيد أن يرضي الجميع، بدءًا من عائلته، وانتهاءً برؤسائه في العمل. عاش يلبس قناع المثالية، خائفًا من نظرات الناس وأحكامهم، وكأنه تائه في غابة توقعاتهم، يضيع بين أشجارها الكثيفة. لكنه لم يدرك أن تلك الغابة تسرق منه عمره ورغباته التي دفنها تحت طبقات من الصمت. في كل مرة كان يقف عند مفترق طريق، كان يُلقي نظرة سريعة إلى نفسه في مرآة روحه، لكنه سرعان ما يُدير وجهه ويختار الطريق الذي يرضي الآخرين. حلم يومًا بأن يكون كاتبًا، أن يجول في عوالم الخيال والحقيقة، أن يُسكب روحه على الورق ويتركها تنمو كزهرة برية. لكن توقعات المجتمع كانت كالسياط التي تُجلد بها أحلامه، تُجبره على السير في طريقٍ لم يختره قلبه. كانت تلك اللحظات التي سبقت الغروب تُحاكي غروب روحه. شعر الحاج مراد وكأن الزمن كان يسرق منه كل شيء، وكأن الرياح قد حملت سنواته بعيدًا، تذروها بعيدًا في الأفق البعيد. تمنى لو كان يمتلك الشجاعة ليقف مرة واحدة في وجه الحياة، ليصرخ "لا" في وجه العالم، لكنه كان دومًا ذلك الشخص الذي يُفضل الصمت، حتى لا يكسر موجة الاستقرار الزائف. في أحد الأيام، وبينما كان في مكتبه العتيق، اقترب منه زميل قديم وسأله سؤالاً كان كافياً ليوقظ داخله كل تلك الأحاسيس المكبوتة. قال له بصوتٍ هادئ: "كنت دائمًا مثالاً يُحتذى به، لكن هل كنت سعيدًا؟" كانت تلك الكلمات كصفعة هادئة أيقظت فيه جروحًا قديمة، جروحًا لم يكن يعلم حتى بوجودها. في تلك اللحظة، شعر مراد بأن عمره كان كزهرة لم تتفتح قط، زهرة عاشت حياتها كلها تنتظر الربيع الذي لم يأتِ. عاد إلى منزله تلك الليلة، وجلس على شرفته المعتادة، لكن هذه المرة كانت هناك دمعة صامتة تلمع في عينيه، دمعة تختصر سنواتٍ من القمع الذاتي. نظر إلى السماء، وكأن النجوم تعاتبه على الأحلام التي تركها خلفه، على السنوات التي انقضت دون أن يكتب فصلًا واحدًا من حياته بيده. ولكن، رغم الغروب الذي خيم على أيامه، كان هناك شعاع أمل صغير، يُضيء داخله برفق. أدرك الحاج مراد أن الأوان لم يفت بعد. بدأ يكتب، ليس لأحد، بل لنفسه. كانت كلماته كالعصافير التي تطير بحرية لأول مرة بعد أن كانت حبيسة قفصٍ ذهبي. ووجد في الكتابة ملاذًا لروحه التي تمردت أخيرًا على القوالب التي وضعت فيها. كانت الأوراق أمامه أشبه بحقلٍ أبيض، يزرع فيه كلماته كأزهار الربيع. شعر وكأن الوقت قد توقف، وكأن السنين التي مرت دون أن يشعر بها عادت إليه مع كل كلمة يكتبها. لم يكن يكتب ليمجد نفسه، بل ليفهم ذاته، ليمسح غبار السنوات التي غطت روحه. قد لا يعود الزمن إلى الوراء، لكن الحاج مراد أدرك أن اللحظة التي يعيشها الآن هي فرصة جديدة، أن الحياة ليست ما مر وانقضى، بل ما يقرر أن يكتبه الآن.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -فضول الإنسان: بين الحاجة المعرفية وانتهاك الحريات-
- من خدش بسيط إلى عدوى خطيرة: أمراض قد تنقلها القطط للبشر
- الخطوة الأخيرة: حين ابتلعني ظلّي
- الشعر الحر: ثورة إبداعية في مواجهة التفعيلة التقليدية-
- الإنسان بين غموض الذات وأسرار الكون
- الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإ ...
- النجمة التي لا يراها سوانا
- - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-
- حكاية الفصول
- صراع الفكر الحر مع سلطة الدين عبر التاريخ-
- -التحرش سببه ملابس المرأة أم أخلاق الرجل؟-
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي
- الوطن بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد والنفس: رؤية شاملة
- فلسفة الحب والتفرد في كلمات نزار قباني
- جمال التوافق الأدبي والفكري بين الزوجين
- إلى أجمل امرأة في الدنيا
- كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على مفهوم الزواج؟-
- -الوطن وحقوق المواطن: نحو مجتمع يقوم على الكرامة والحرية-
- -ظلّ رجل على الهامش-
- أهمية تدريس الرياضيات في رياض الأطفال


المزيد.....




- -افترضتُ أنها أرادت الجنس-.. الحكم غيابيًا بالسجن 10 سنوات ع ...
- محكمة فرنسية تقضي بسجن ضابط سعودي لعشر سنوات بتهمة الاغتصاب ...
- أسطول الصمود العالمي.. قوارب الأمل ضد الحصار والإبادة الجماع ...
- داء السكري المزمن لدى الأطفال يُلحق ضرراً کبيراً باقتصاد الأ ...
- استبعاد البطلة الأوليمبية إيمان خليف من بطولة العالم
- السجن 30 شهرا لناشطة نسوية مغربية بتهمة الإساءة للدين
- اختبارات الجنس الجيني تحرم الملاكمات الفرنسيات من المشاركة ف ...
- ملائمة للبيئة وصحة المرأة، ما هي خيارات النساء لمنتجات الحيض ...
- كيف ولماذا تعيش النساء أطول من الرجال؟ طبيبة تكشف سر بنات حو ...
- القبض على ممثل هندي في قضية -اغتصاب جماعي-


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - محمد بسام العمري - الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن