محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 04:48
المحور:
الادب والفن
لم يعد يعرف اسمه.
كان يمشي، وشيء ما فيه يمشي في الاتجاه المعاكس.
كأن روحه تنفصل عنه تدريجيًّا، لا طيرانًا، بل زحفًا، كدودة يابسة نسيت طينها.
في المرآة المهشّمة قرب النبع، لمح وجهًا لم يتعرّف عليه.
العينان تسبحان في بحيرة صمغ،
والشفتان مطبقتان على أسرار ثقيلة.
كان هو…
لكن كما يُرَى في الكوابيس.
جلس القرفصاء تحت صفصافة عتيقة،
ليست الصفصافة ذاتها التي كان يختبئ تحتها وهو طفل،
لكن ظلّها يشبه ظلّ تلك الوحيدة التي عرفته… ولم تخنه.
همس للريح:
– "أنا تعب، يا أخت الرماد."
فهمت الريح،
أو هكذا اعتقد.
مسحت على وجهه، كما كانت تفعل أمّه في الأيام التي لم يكن فيها الثلج سيد العالم.
صوت في رأسه يقول:
– "كل شيء انتهى، لماذا تأخرت؟"
يرد عليه صوته الآخر، الألطف:
– "لأني كنت أحاول أن أكون طبيعيًا… حتى في خراب العالم."
ضجيج المدينة البعيدة يتسلّل إليه كالحنين،
حنين لا يخصّ أحدًا،
حنين بلا هدف…
كطفل يركض دون أن يعرف إلى من سيعود.
اقترب منه كلب شارد،
نظر إليه، ثم استلقى قربه دون نباح.
كأنهما يعرفان بعضهما منذ قرون.
قال له:
– "سأبقى هنا حتى يبتلعني ظلّي."
نظر إليه الكلب، بعين نصف مطفأة،
ثم أدار رأسه ناحية الغروب، كأنّه يؤمّن عليه.
في الساعات التالية، لا أحد رآه.
لكن هناك من قال إن صفصافةً يابسة خضّها النسيم فجأة،
وسمعت الأرض صوتًا يشبه تنهيدة،
ثمّ عاد الصمت سيد المكان.
في صباح اليوم التالي،
وجدوه تحت الشجرة،
ووجهه يبتسم كما لم يفعل من قبل،
كأنه رأى ما لا يُقال.
كان اسمه قد كُتب أخيرًا… على شاهد بلا رخام،
وإلى جانبه وردة طين، نبتت من أثر خطوة،
قيل إنها… كانت الأخيرة.
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟