أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-














المزيد.....

-ملهمة الفجر وإشراقة الروح-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


في كل مرة كان "جاد" يخطو إلى أروقة الفجر، كانت الرائحة الأولى التي تملأ صدره هي عبق لا يعرف مصدره. كأن الطبيعة نفسها تعطر لحظات الفجر بشيء خاص، شيء يجعل الروح تهدأ وتتفتح، مثل زهرة تنمو بين ثنايا الزمن.
في هذا العبق، كان يشعر بوجودها. لم تكن الرائحة مجرد ندى أو هواء منعش؛ كانت كأنها أثرها، حضورها الخفي الذي يملأ المكان. تذكر ذلك اليوم حين خطت في خياله لأول مرة. كانت تقف هناك في أفق الفجر، كما لو أنها خُلقت من خيوط النور الأولى. ابتسامتها كانت خافتة كضوء النجوم، ونظرتها حملت أسرار الكون بأكمله.
"جاد" كان يتساءل مع كل فجر:
"هل هذه اللحظات حقيقية؟ أم أنني أعيش حلمًا يهرب مني مع شروق الشمس؟"
لكن العبق الذي يحيط بها كان يجيب دائمًا:
"حتى لو كان حلمًا، فهو أجمل ما يمكنك أن تعيشه."
كلما اقترب الفجر، كان "جاد" يشعر أنه يدخل عالمًا جديدًا، عالمًا تسكنه تلك الفتاة. أروقة الفجر بالنسبة له لم تكن مجرد لحظات زمنية؛ بل كانت مكانًا حقيقيًا، أشبه بمعبد روحي لا يُفتح إلا في هذه الدقائق الساحرة.
في هذه الأروقة، كان يجدها. كانت تتنقل بين أعمدة النور والظل، كأنها كاهنة الفجر، تحرس سكينته وتمنحه الإلهام. لم يكن يرى تفاصيل وجهها بوضوح، لكنها كانت تحمل كل شيء أراده يومًا في امرأة: الجمال الذي يفتن الروح قبل العين، الحنان الذي يهدئ عواصف القلب، والغموض الذي يجعلها أشبه بسر لا يُفك.
سألها ذات مرة في خياله:
"لماذا تأتين فقط في الفجر؟"
أجابت بصوت لم يكن سوى صدى الريح:
"لأنني الفجر نفسه، أنت تراني لأنك تبحث عني."
في تلك اللحظة، أدرك "جاد" أن أروقة الفجر ليست فقط مكانًا يلتقي فيه بها، بل هي مكان يلتقي فيه بنفسه. هي قصيدته التي لم تكتمل، الحلم الذي يراوده منذ زمن بعيد.

مع كل شروق شمس، كانت تختفي. وتترك خلفها فراغًا يشبه صمتًا هائلًا يبتلع كل شيء. لكن ذلك الفراغ لم يكن فارغًا فعلاً. كان ممتلئًا بالأسئلة، بالحنين، وبالقصائد التي كتبها عنها.
كان "جاد" يشعر أن نهاره لا يبدأ حقًا إلا مع عودتها في الفجر التالي. كان يمضي يومه في محاولة الإمساك بما يهرب منه، في البحث عن ملامحها في وجوه الآخرين، أو في رسمها على الورق. لكنه لم ينجح أبدًا.
ومع ذلك، لم يكن غيابها ألمًا خالصًا. كان فيه نوع من الجمال، نوع من السكينة الغامضة. كأن حضورها في الفجر كان كافيًا ليبقى أثرها معه طوال اليوم. كان يقول لنفسه:
"ربما هذا هو ما يجعلها مميزة. لو بقيت طوال الوقت، لفقدت سحرها."
مع مرور الأيام، بدأ "جاد" يتصالح مع فكرة أنها قد لا تكون حقيقية. أدرك أنها ليست شخصًا يمكن أن يلتقي به في السوق أو في شارع مزدحم. هي شيء أعمق، شيء يسكن روحه ويمنحه سببًا للكتابة، للبحث، وللحلم.
كتب في دفتره ذات صباح:
"قد تكون الحلم هو ما يجعلنا نتحمل الواقع. في أروقة الفجر، ألتقي بها، وألتقي بنفسي. هي ليست شخصًا؛ هي جزء مني، جزء من روحي التي تبحث عن الجمال في عالم مليء بالفوضى."
نهض من مكانه، وألقى نظرة أخيرة على الفجر. هذه المرة، لم يعد يسأل عن حقيقتها. لأنه أدرك أن الجمال الحقيقي لا يحتاج إلى تفسير. يكفي أنه موجود، يكفي أنه يضيء روحه ويمنحه سببًا جديدًا للكتابة، وللحياة.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكذب القهري: مقاربة نفسية لاضطراب الميثومانيا-
- الدكتور الذي يعرف كل شيء
- -السكر: المتهم الأول في قائمة أمراض العصر-
- ظلال الخرسانة: حين يُبنى الشك
- الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض
- الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن
- -فضول الإنسان: بين الحاجة المعرفية وانتهاك الحريات-
- من خدش بسيط إلى عدوى خطيرة: أمراض قد تنقلها القطط للبشر
- الخطوة الأخيرة: حين ابتلعني ظلّي
- الشعر الحر: ثورة إبداعية في مواجهة التفعيلة التقليدية-
- الإنسان بين غموض الذات وأسرار الكون
- الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإ ...
- النجمة التي لا يراها سوانا
- - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-
- حكاية الفصول
- صراع الفكر الحر مع سلطة الدين عبر التاريخ-
- -التحرش سببه ملابس المرأة أم أخلاق الرجل؟-
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي
- الوطن بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد والنفس: رؤية شاملة
- فلسفة الحب والتفرد في كلمات نزار قباني


المزيد.....




- فيلم “صوت هند رجب” يفوز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقي ...
- -فوات الأوان- لمحمد أبو زيد: في مواجهة الوقت الذي أفلت
- صوت هند رجب: فيلم عن غزة يفوز بالأسد الفضي لمهرجان البندقية ...
- فيلم -هند رجب- يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائ ...
- جائزة الأسد الفضي لـ -صوت هند رجب- في مهرجان البندقية السينم ...
- -صوت هند رجب-... أبرز الأفلام المرشحة لنيل -الأسد الذهبي- بم ...
- أبكى الجمهور... فيلم التونسية كوثر بن هنية حول غزة مرشح لنيل ...
- فيلم -هجرة- للسعودية شهد أمين يفوز بجائزة -NETPAC- في مهرجان ...
- مهرجان البندقية السينمائي: اختتام دورة تميزت بحضور قوي للسيا ...
- -التربية-: إعادة جلسة امتحان اللغة العربية لطلبة قطاع غزة في ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-