أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بسام العمري - من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات














المزيد.....

من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


«جميعهم رضعوا من ثدي واحد وما يحدث ويحدث وسيحدث هدفهم واحد، كل ما في الأمر أن يتبادلوا الأدوار في كل مسرحية»، عبارة تستحق أن تُقرأ لا كجملة عابرة، بل كنصّ كاشف عن طبيعة الإنسان والمجتمع. إنها استعارة كثيفة تفضح آلية التكرار في التاريخ، حيث يتبدل اللاعبون، لكن النص يظل ثابتًا. ما بين الفلسفة، الأدب، والتاريخ، تفتح هذه العبارة مجالًا للتأمل في وحدة الأصل، وتواطؤ الغايات، واستمرارية مسرح الحياة.

1. الاستعارة كعدسة على الطبيعة البشرية
يشير "الثدي الواحد" إلى منبع مشترك تتغذى منه جميع الأطراف، سواء كان:
• نظامًا اجتماعيًا يوزع الامتيازات،
• أو أيديولوجيا تُصاغ لتوجيه العقول،
• أو حتى غرائز البقاء والسيطرة.
أفلاطون في أسطورة الكهف أظهر أن البشر، رغم اختلافاتهم الظاهرة، يعيشون أسرى نفس الظلال. وهايدغر حين تحدث عن الوجود-في-العالم (Dasein) أبرز أن الإنسان محكوم بأفق مشترك لا يستطيع تجاوزه. وهكذا، فإن هذه الاستعارة تعرّي ما نعتقد أنه اختلاف فردي، وتكشف عن تشابه المآلات الإنسانية مهما تباينت الوجوه.

2. المسرح كمرآة للحياة
الحياة، مثل المسرح، تقوم على تبادل الأدوار. الممثلون يتغيرون: حكّام، رجال دين، مثقفون، معارضون… لكن النص واحد: البحث عن النفوذ.
• قال شكسبير: «العالم مسرح، والناس كلهم لاعبون».
• يمكن مقارنة ذلك بالدورات التاريخية: في الإمبراطوريات القديمة (روما، فارس)، كان يُغيَّر الحاكم لكن الضرائب والقمع يظلان ثابتين. في القرون الحديثة، تتبدل الأنظمة من ملكية إلى جمهورية إلى ديمقراطية هشة، لكن مصالح النخب الاقتصادية تبقى هي المحرّك الخفي.
المسرحية إذن لا تُعرض مرة واحدة، بل تُعاد بلا انقطاع، بأزياء وأسماء جديدة، وبذات النص القديم.

3. فلسفة الصراع والتوافق
الظاهر: صراع محتدم بين قوى متعارضة.
المستتر: توافق ضمني على إبقاء البنية كما هي.
• سارتر يرى أن وجودنا مرهون بـ"الغير": نصطدم به، لكن لا نستطيع تجاوزه.
• نيتشه يتحدث عن إرادة القوة التي تحكم جميع العلاقات، حيث الصراع ليس خيارًا بل قانونًا للحياة.
• هيغل ذهب أبعد في جدلية السيد والعبد: حتى الصراع بينهما يولّد علاقة اعتماد متبادل، لا تحرر مطلق.
التاريخ السياسي يبرهن على ذلك:
• الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بدت صراعًا أيديولوجيًا، لكنها كانت توافقًا على تقاسم النفوذ.
• في العالم العربي، تتبدل الأنظمة من عسكرية إلى مدنية إلى دينية، لكن الاقتصاد الريعي والفساد يظلان قاعدة مشتركة.
الصراع إذن واجهة مسرحية، بينما التواطؤ هو النص العميق غير المرئي.

4. البعد الأخلاقي: قناع الفردانية
إذا كانوا جميعًا يرضعون من نفس "الحليب"، فهل القيم التي يرفعونها إلا أقنعة؟
• لاوتزه يقول: «الكلمات الجميلة أقنعة لسلطة ما».
• كانط، في المقابل، دعا إلى التحرر العقلي (Sapere Aude)، وعدم الخضوع للوصاية الفكرية.
لكن الواقع يكشف أن الأخلاق كثيرًا ما تُستعمل كأزياء تُرتدى وتُخلع حسب الدور.
• في التاريخ الأوروبي، استُخدمت المسيحية لتبرير الحروب الصليبية، ثم استُخدم "العقل" لتبرير الاستعمار.
• في عالمنا المعاصر، تُرفع شعارات "الحرية والديمقراطية" بينما تُقصف المدن وتُنهب الثروات.
الفردانية هنا ليست سوى قناع هش، يغطي حقيقة أن الجميع يشتركون في منبع واحد يفرض غاياته.

5. البحث عن "حليب آخر"
النص لا يكتفي بالوصف، بل يتركنا أمام سؤال مصيري: هل نستطيع تجاوز هذا المنبع المشترك، والبحث عن "حليب آخر" يغذي غايات جديدة؟
• كانط يراهن على قدرة الإنسان على التحرر بالتفكير النقدي.
• نيتشه حلم بـ"الإنسان الأعلى" الذي يتجاوز القطيع ويخلق قيمًا جديدة.
• كامو، أكثر تشاؤمًا، يذكرنا بـأسطورة سيزيف: حتى لو وعينا بالعبث، فإن التحرر لا يُمنح إلا عبر التمرد الدائم، لا الحل النهائي.
التاريخ يظهر محاولات جزئية لذلك:
• ثورات تحررية غيّرت موازين القوى (كالاستقلالات في العالم الثالث)، لكنها غالبًا ما أعادت إنتاج نفس البنية.
• تجارب فكرية (كالأناركية أو الطوباويات الاشتراكية) حاولت الهروب من المسرح، لكنها سُحقت أو تحولت إلى مسرحيات أخرى.
الأسئلة تبقى مفتوحة: هل يمكن للإنسان أن يكتب نصًا جديدًا؟ أم أن قدره أن يظل ممثلًا في نص قديم يُعاد بلا نهاية؟


تكشف العبارة عن رؤية فلسفية وجودية: وحدة الأصل، تواطؤ الغايات، واستمرارية النص المسرحي للحياة البشرية. يتبدل الممثلون، لكن النص يبقى. وبينما تتعدد الأقنعة والأزياء، تبقى الحقيقة أن الجميع رضعوا من نفس الثدي، وأن المسرحية واحدة مهما تغيرت المشاهد.
ويبقى السؤال: هل نملك القدرة، يومًا ما، لا على تغيير الممثلين، بل على إعادة كتابة النص ذاته؟



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الألم كجمالية وجودية: دراسة فلسفية وفكرية واجتماعية
- تأملات في فلسفة الحديث مع النفس
- اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة ...
- -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-
- الكذب القهري: مقاربة نفسية لاضطراب الميثومانيا-
- الدكتور الذي يعرف كل شيء
- -السكر: المتهم الأول في قائمة أمراض العصر-
- ظلال الخرسانة: حين يُبنى الشك
- الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض
- الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن
- -فضول الإنسان: بين الحاجة المعرفية وانتهاك الحريات-
- من خدش بسيط إلى عدوى خطيرة: أمراض قد تنقلها القطط للبشر
- الخطوة الأخيرة: حين ابتلعني ظلّي
- الشعر الحر: ثورة إبداعية في مواجهة التفعيلة التقليدية-
- الإنسان بين غموض الذات وأسرار الكون
- الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإ ...
- النجمة التي لا يراها سوانا
- - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-
- حكاية الفصول
- صراع الفكر الحر مع سلطة الدين عبر التاريخ-


المزيد.....




- تقديرات لحجم الإنفاق العسكري لدول الناتو.. إليكم كم بلغ
- مروان المعشّر لـCNN: لا يجب الاكتفاء بالاعتراف بالدولة الفلس ...
- أنباء عن تغير في موقف حماس، وتحذيرات من كارثة إنسانية بسبب إ ...
- إلى أي حد يعتبر إجلاء كامل مدينة غزة أمرًا واقعيًا؟
- مشاريع فرنسية معلقة ومهددة بسبب سقوط الحكومة
- غباغبو وثيام خارج قائمة مرشحي الرئاسة بكوت ديفوار
- برنامج التجسس الإسرائيلي -غرافيت- بين يدي وكالة الهجرة الأمي ...
- بريتوريا تلغي مناورات بحرية مع روسيا والصين بسبب قمة العشرين ...
- عشرات الشهداء والمفقودين بغزة ووزارة الصحة ترفض مغادرة منشآت ...
- مبادرات لتعليم الأطفال في ظل الدمار الواسع للمدارس بقطاع غزة ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بسام العمري - من ثدي واحد: مسرح الأدوار وتواطؤ الغايات