أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محمد بسام العمري - اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة أكاديمية في ضوء الأدب والدراسات المعاصرة















المزيد.....

اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة أكاديمية في ضوء الأدب والدراسات المعاصرة


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 04:47
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تتوزع اهتمامات المرأة بين مجالات متعددة تعكس طبيعة وجودها في العالم وموقعها ضمن البنية الاجتماعية والثقافية، فهي ليست مجرد كائن يعيش على هامش الأحداث، بل فاعل أساسي في تشكيل مسارات التاريخ الإنساني. ويمكن النظر إلى هذه الاهتمامات بوصفها ثنائية متداخلة بين ما هو إيجابي يعبّر عن طموحاتها في البناء والنهوض، وما هو سلبي يعكس التحديات والعقبات التي تواجهها. هذه الثنائية لم تغب عن الأدب العالمي أو الدراسات الأكاديمية الحديثة، بل شكّلت مجالًا خصبًا للتأمل والتحليل.
في الجانب الإيجابي، تظل الأسرة والعلاقات الشخصية محورًا رئيسًا في حياة المرأة، ليس فقط على المستوى العاطفي، وإنما أيضًا على المستوى الوجودي. إذ تبرز دراسات علم الاجتماع الحديثة أنّ دور المرأة في بناء الأسرة يمتد إلى حفظ التوازن النفسي والاجتماعي داخلها (Giddens, 2013). فهي الراعية لتربية الأطفال، والمؤثرة في تشكيل قيمهم وسلوكياتهم، والساعية إلى إقامة علاقة زوجية مستقرة تقوم على الاحترام والدعم المتبادل. هذا الدور كثيرًا ما تناوله الأدب بوصفه جوهرًا إنسانيًا، حيث صوّر ليو تولستوي في روايته آنا كارنينا الصراع الداخلي للمرأة بين متطلبات الأسرة وبين تطلعاتها الفردية، كاشفًا عن البعد المأساوي لهذا التناقض.
وإلى جانب الأسرة، نجد أنّ اهتمام المرأة بالتعليم والتطوير الشخصي قد أخذ أبعادًا واسعة في العقود الأخيرة، إذ لم يعد التعلم بالنسبة إليها مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل أصبح وسيلة لتأكيد الذات وكسر القيود التقليدية. تشير تقارير منظمة اليونسكو (2020) إلى أنّ ارتفاع معدلات تعليم الفتيات في كثير من الدول ارتبط مباشرة بتحسن مؤشرات التنمية البشرية، وتراجع نسب الفقر والمرض. وقد تجسّد هذا الوعي في الأدب من خلال شخصيات نسوية تحدّت الجهل مثل شخصية جين إير في رواية شارلوت برونتي، التي جعلت من التعليم والمعرفة أداة للتحرر وإثبات الذات في مجتمع ذكوري.
أما الاهتمام بالصحة واللياقة، فهو امتداد طبيعي لإدراك المرأة لأهمية التوازن بين الجسد والروح. في الدراسات الطبية الحديثة، يُنظر إلى صحة المرأة الجسدية والنفسية باعتبارها حجر أساس في قدرتها على الإنتاج والمشاركة المجتمعية (WHO, 2021). ممارسة الرياضة والاهتمام بالتغذية والصحة النفسية ليست مجرد تفاصيل يومية، بل هي فعل مقاومة للضغوط ومجابهة لانهيارات العصر. وقد أشار الشاعر الأمريكي والت ويتمان في أوراق العشب إلى أنّ الجسد الإنساني هو "معبد للروح"، وهو ما يعكس انسجام فكرة العناية الجسدية مع قيم أعمق تتجاوز البيولوجيا إلى الفلسفة.
ومن مظاهر الجانب الإيجابي أيضًا انخراط المرأة في المجال العام من خلال الأعمال التطوعية والمبادرات الاجتماعية والسياسية. وقد أبرزت الدراسات النسوية أنّ مشاركة المرأة في المجال العام تعزز قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية (Fraser, 1997). وفي الأدب، نجد أن فرجينيا وولف في مقالتها الشهيرة غرفة تخص المرء وحده دافعت عن حق المرأة في أن تكون شريكة في صياغة الثقافة والفكر، مؤكدة أن مشاركتها لا تقتصر على البيت بل تمتد إلى المجال العام بكل تعقيداته.
أما في الجانب السلبي، فثمة تحديات متجذّرة تعرقل اهتمامات المرأة وتحدّ من قدرتها على الإنجاز. أول هذه التحديات يتمثل في الضغوط النفسية والاجتماعية التي تنتج عن التوقعات الثقافية والمجتمعية. في المجتمعات التقليدية، ما تزال المرأة محاطة بترسانة من الأعراف التي تضعها في أطر ضيقة، وتجعلها عرضة للتمييز والتحيز. وقد تناولت سيمون دي بوفوار في كتابها الجنس الآخر (1949) هذه المعضلة حين رأت أن المرأة لم تُعط الفرصة لتكون "ذاتًا"، بل فُرض عليها أن تعيش كـ"آخر" للرجل، وهو ما يفسر كثيرًا من صور الاغتراب التي تعانيها.
وتتعمق هذه التحديات حين ترتبط بالمشكلات الصحية، لا سيما تلك المتصلة بالإنجاب أو الأمراض المزمنة. تشير دراسات طبية حديثة (Lancet, 2019) إلى أن المرأة تتحمل أعباء صحية مضاعفة مقارنة بالرجل نتيجة وظائفها البيولوجية والاجتماعية. وفي الأدب، تعكس رواية الحب في زمن الكوليرا لغابرييل غارسيا ماركيز هذا التوتر بين الجسد والروح، حيث نجد المرأة موزعة بين أدوارها الصحية والاجتماعية، ومعرّضة دائمًا لضغط الزمن والمرض.
ويُضاف إلى ذلك معضلة التوازن بين العمل والحياة الشخصية. كثير من النساء يجدن أنفسهن أمام معادلة مستحيلة: كيف يُمكن لامرأة عاملة أن تكون أمًّا مثالية في الوقت ذاته؟ إنّ الشعور بالذنب والإرهاق النفسي الناتج عن هذه الازدواجية تطرق إليه باحثون كثر في مجال علم النفس التنظيمي (Greenhaus & Beutell, 1985)، الذين وصفوا هذا الوضع بـ"صراع الأدوار". وهو صراع عبّر عنه الأدب الحديث في أصوات نسوية مثل سيلفيا بلاث، التي وصفت في شعرها معاناة المرأة بين الرغبة في الإبداع وقيود الأمومة.
وتظل أكثر صور التحدي مأساوية حين يتجلى العنف الأسري والاجتماعي. العنف ضد المرأة لا يزال قضية عالمية، تشير تقارير الأمم المتحدة (UN Women, 2022) إلى أنّ واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض لشكل من أشكال العنف خلال حياتها. هذا الواقع الأليم لم يغب عن الأدب، فقد صوّرت الكاتبة الأمريكية أليس ووكر في روايتها اللون أرجواني مأساة النساء المعنفات وكيف يتحول الألم إلى قوة حين يتحقق الوعي بالذات.
إنّ اهتمامات المرأة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، ليست مجرد تفاصيل فردية تخص حياتها الخاصة، بل هي انعكاس لبنية اجتماعية وثقافية واقتصادية أوسع. فهي في كثير من الأحيان مصدر قوة وإلهام، لكنها في أحيان أخرى تعكس هشاشة البنى الاجتماعية التي ما تزال تعيق المساواة الكاملة. ولعل ما يميز هذه الاهتمامات هو أنها تكشف عن عمق التجربة الإنسانية للمرأة بوصفها رحلة مزدوجة بين التمكين والانكسار، بين البناء والهدم، بين الحلم والواقع. وكما قالت فرجينيا وولف: "لا يمكن أن يكون للمرأة تاريخ مكتمل إلا إذا كتبت هي نفسها تاريخها".
وبذلك يتضح أنّ دراسة اهتمامات المرأة ليست ترفًا فكريًا أو انشغالًا جانبيًا، بل ضرورة أكاديمية واجتماعية لفهم مسارات التغيير في عالمنا. فكل اهتمام من اهتماماتها، سواء أكان ضوءًا أم ظلًا، يشكّل لبنة في بناء إنسانية أكثر عدلًا وتوازنًا.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ملهمة الفجر وإشراقة الروح-
- الكذب القهري: مقاربة نفسية لاضطراب الميثومانيا-
- الدكتور الذي يعرف كل شيء
- -السكر: المتهم الأول في قائمة أمراض العصر-
- ظلال الخرسانة: حين يُبنى الشك
- الأدب الأفريقي: ذاكرة تتكلّم بلسان الأسطورة وصوت الأرض
- الحاج مراد: أسير التوقعات بين أنين الروح وشهقات الزمن
- -فضول الإنسان: بين الحاجة المعرفية وانتهاك الحريات-
- من خدش بسيط إلى عدوى خطيرة: أمراض قد تنقلها القطط للبشر
- الخطوة الأخيرة: حين ابتلعني ظلّي
- الشعر الحر: ثورة إبداعية في مواجهة التفعيلة التقليدية-
- الإنسان بين غموض الذات وأسرار الكون
- الشعر والزمن في فكر العقاد: تعميق اللحظات وإغناء التجربة الإ ...
- النجمة التي لا يراها سوانا
- - فلسفة المناعة العاطفية في عالم لا يعرف الحنان-
- حكاية الفصول
- صراع الفكر الحر مع سلطة الدين عبر التاريخ-
- -التحرش سببه ملابس المرأة أم أخلاق الرجل؟-
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي
- الوطن بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد والنفس: رؤية شاملة


المزيد.....




- هل تعاني القوانين العربية من قصور في حماية ضحايا الاغتصاب؟
- نوع الجنس يحدد مسار مرضي الفصام والاضطراب ثنائي القطب
- بلحم مسموم قدمته لحماها وحماتها وزوجها وشقيقتها.. امرأة أستر ...
- تأخر سن الزواج والعزوف عن الارتباط: أزمة تغير ملامح الأسرة ا ...
- زلزال أفغانستان ـ ما سبب غياب النساء من مشاهد إنقاذ الضحايا؟ ...
- دَمْعٌ عَلَى خَرَزِ العَذَارَى ... رَسَائِلٌ مُتَأخِّرَة . ل ...
- -افترضتُ أنها أرادت الجنس-.. الحكم غيابيًا بالسجن 10 سنوات ع ...
- محكمة فرنسية تقضي بسجن ضابط سعودي لعشر سنوات بتهمة الاغتصاب ...
- أسطول الصمود العالمي.. قوارب الأمل ضد الحصار والإبادة الجماع ...
- داء السكري المزمن لدى الأطفال يُلحق ضرراً کبيراً باقتصاد الأ ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محمد بسام العمري - اهتمامات المرأة بين البناء الذاتي والتحديات المجتمعية: قراءة أكاديمية في ضوء الأدب والدراسات المعاصرة