أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي














المزيد.....

10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 00:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ظهرت مقولة "التوافق" في لحظة مأزق ثوري ليتم تقديمها كخيار واقعي يخرج البلاد من حالة الانسداد السياسي، غير أنّ هذا الخطاب لم يكن بريئاً، بل لعب وظيفة أساسية في إجهاض الثورة عبر تسويق أوهام التسوية والتقاسم السلمي للسلطة مع قتلة الجماهير. ظهرت دعوات "الواقعية" في سياق تصاعد الأزمة وانكشاف عجز قوى الثورة المضادة عن حكم البلاد بشكل مباشر، فجاءت فكرة التوافق كأداة لامتصاص الاحتقان الشعبي وإعادة إنتاج النظام بوسائل جديدة. هذا النمط ليس استثناءً في التاريخ السوداني، بل تكرر في 1964 و1985 حين تحوّل الانتفاض الثوري إلى "وفاق وطني" مع المؤسسة العسكرية، مما سمح للنظام القديم بالعودة بوجوه جديدة. إنّ ما يجري اليوم هو استمرار لهذه الدورة نفسها: إنتاج تسوية فوقية تقطع الطريق أمام التغيير الجذري، وتحول الثورة إلى إصلاحات شكلية داخل أجهزة الدولة المهترئة، بما يضمن بقاء البنية الطبقية القديمة في موقع السيطرة.

بدأ تحالف صمود (المنقسم عن تقدم، المتحور عن قوى الحرية والتغيير) مساره كجزء من قوى الثورة، لكنه سرعان ما كشف عن وجهه الإصلاحي المستعد للهبوط الناعم مع العسكر حيث لعب حمدوك الدور المركزي في هندسة هذا التحول عبر طرح خطاب "الشراكة الذكية" وتبرير التوافق مع الأجهزة القمعية تحت لافتة "إنقاذ الاقتصاد" و"ضمان الاستقرار". لكن التناقض بين الشعارات والممارسة كان فاضحاً، فبينما رفعت هذه القوى شعار الانتقال الديمقراطي، نجدها تشارك في اتفاقات فتحت الباب لشرعنة مليشيات الجنجويد وإدماجها في السلطة، مما حول الهبوط الناعم إلى هبوط في حضن العسكر، وصارت قوى الحرية والتغيير أداة لتمرير أجندة الثورة المضادة.

قدمت أحزاب تحالف تأسيس (الطرف الثاني المنشق عن تقدم، المتحورة عن قوى الحرية والتغيير) نفسها كمعارضة راديكالية في البداية، لكنها انزلقت سريعاً إلى موقع الشريك المعلن مع الجنجويد وحكومته المزعومة المعلنة مؤخراً، ما فضح زيف خطابها عن "استقلالية القرار الوطني". عملياً، لعبت هذه القوى دور الغطاء المدني لتثبيت أركان النظام القديم، وساهمت في تبرير بقاء الأجهزة القمعية تحت شعار "الحفاظ على وحدة البلاد". لقد كانت هذه الأحزاب الوجه الآخر للعملة نفسها: بينما صمود تبرر التوافق تحت لافتة الواقعية، تقدم أحزاب تحالف تأسيس التبريرات باسم "المسؤولية الوطنية"، وكلاهما يصبان في خانة حماية مصالح الرأسمالية الطفيلية.

لم تكن تجربة الشراكة الأولى سوى سلسلة من الكوارث على الثورة، فالاتفاق مع العسكر لم يجلب سوى تصفية القيادات الشعبية، وإجهاض الإضرابات، وتفكيك لجان المقاومة، بينما وُظِّفت المؤسسات الرسمية لإضفاء شرعية على القمع والنهب. لقد تحولت الشراكة إلى أداة لتشريع المجازر، وإلى وسيلة لدمج القوى المدنية في ماكينة السلطة القديمة. وهذا المسار نفسه هو ما يُراد تكراره اليوم عبر مقولة "التوافق"، مما يجعل استعادة التجربة السابقة شرطاً لفضح خطورتها ومنع إعادة إنتاجها.

التحليل الطبقي لهذه الأحزاب يكشف حقيقتها: هي تعبير عن مصالح البرجوازية الصغيرة والنخب البيروقراطية التي تسعى للتموضع داخل أجهزة الدولة، ولا تمثل الجماهير الكادحة. لذلك فإن خياراتها السياسية ليست نابعة من "خطأ تكتيكي" بل من موقعها الطبقي الذي يدفعها للانحياز إلى السلطة ضد الشارع. إنها قوى تبحث عن مقاعد ومناصب، لا عن تحرر شعبي. خطابها يتناقض جذرياً مع ممارساتها: ترفع شعارات الثورة بينما توقع اتفاقات مع العسكر، تتحدث عن التغيير بينما تحافظ على الامتيازات القديمة. ومن ثم فإن الثقة بها ليست وهماً سياسياً فحسب، بل انتحار طبقي.

لكن الأزمة لا تكمن في هذه القوى وحدها، بل في عجز اليسار نفسه عن تحويل لجان المقاومة إلى مجالس طبقية ثورية. فحين هيمنت البرجوازية الصغيرة على قيادة اللجان، انحرفت بوصلتها من أداة سلطة بديلة للجماهير إلى أدوات لإدارة الخدمات أو الضغط الإصلاحي المحدود داخل النظام. هذا الانحراف جعلها عاجزة عن أن تصبح قاعدة للسلطة الشعبية، وفتح المجال أمام قوى الحرية والتغيير لتسويق خطاب "الواقعية" وربط مصير الثورة بمشاريع التوافق. عجز اليسار عن بلورة خط طبقي واضح داخل اللجان ساهم عملياً في إضعاف إمكانية بناء بديل ثوري، وأتاح للنخب الإصلاحية أن تستثمر التنظيمات الشعبية في اتجاه معاكس لأهداف الثورة.

المسألة الأساسية إذن تتعلق ببناء بديل ثوري مناقض تماماً، فتسقط بذلك مقولة "تجميع القوى" التي ترفعها أحزاب تحالف صمود والبرجوازية الصغيرة، فهي ليست إلا تجميعاً للنخب ضد الجماهير، ويشمخ عالياً البديل الأوحد في بناء قوة شعبية مستقلة تقوم على تنظيم العمال والفلاحين وسكان الأحياء في مجالس طبقية قادرة على انتزاع السلطة. ويتطلب هذا البديل الانتقال من منطق المساومة إلى منطق التصعيد، ومن الدفاع إلى الهجوم، إذ أن الصراع هنا ليس على شكل الحكم، بل على جوهره: سلطة الجماهير في مواجهة سلطة الدولة القديمة، فالتناقض بين المشروعين مطلق والتوفيق بينهما مستحيل.

تجارب السودان السابقة تكشف أن كل تسوية مع العسكر تنتهي بإعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، ولذا فإن الشراكة مع قتلة الجماهير ليست طريقاً للتحرر، بل استمراراً للعبودية. ومن هنا، يتضح أن طريق الثورة لا يمر عبر المساومة ولا عبر "واقعية" زائفة، بل عبر إسقاط النظام بكامله وبناء سلطة جديدة على أنقاضه. لذلك، تكتسب المهمة الملحة اليوم أهمية قصوى، وهي توحيد القوى الثورية الحقيقية، ورفض مسرحيات التفاوض، والتقدم بثقة نحو استكمال الثورة حتى النصر.

"الثورة ليست وليدة النقاشات النظرية وحدها، بل هي نتاج الصراع الطبقي العنيف بين الشعب والطغاة."
فلاديمير إليتش لينين.

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 9. تفكيك إخفاق النماذج الجنينية في الثورة السودانية
- 8. المجالس الطبقية من البناء التنظيمي إلى المعركة الشاملة
- 7. المجالس الطبقية كسلطة بديلة: الطريق الوحيد أمام الثورة ال ...
- 6. السودان بين الثورة والثورة المضادة: السوفييتات أو الهزيمة
- الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الث ...
- 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال ال ...
- 4. السوفييتات - النموذج التاريخي والضرورة الراهنة
- 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب
- 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسر ...
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري
- 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجو ...
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.


المزيد.....




- الغارة الإسرائيلية على حماس تُحرج قطر.. هل ستكون تركيا الهدف ...
- كابوس شهري يدفع نساء غزة لاستخدام قصاصات الملابس والخيام للت ...
- هل تقوّض الضربة الإسرائيلية في قطر جهود مفاوضات وقف إطلاق ال ...
- بعدما كانت تعج بالحياة والنشاط.. شوارع بلدة حوارة الفلسطينية ...
- رئيس وزراء إثيوبيا يوجه رسالة طمأنة لمصر والسودان في حفل تدش ...
- انتهاك مجال بولندا الجوي: دفاعات حلف الناتو -ساهمت- في التصد ...
- قصف الدوحة.. من يحاسب نتنياهو على كسر حصانة الوسيط؟
- شبكة إعلام أميركية تغير معايير التحرير بعد انتقادات من إدارة ...
- شكوك إسرائيلية في نتائج الهجوم على وفد حماس في قطر
- كيف سيكون الرد القطري على الاعتداء الإسرائيلي؟.. محللون يجيب ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 10. الوهم الإصلاحي والواقع الطبقي