|
طوفان الأقصى 701 - فريدريك ميرتس، بين بوتين ونتنياهو: السياسة الألمانية بين «المسؤولية الخاصة» والمعايير المزدوجة
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 00:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
7 سبتمبر 2025
تصريح المستشار الالماني وزعيم الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) فريدريك ميرتس بأن فلاديمير بوتين «مجرم حرب» يعكس المسار العام للسياسة الخارجية الألمانية، المتمحورة حول القيم اليورو-أطلسية والمواجهة الحادة مع روسيا. لكن صمته عن أفعال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم الدمار وعشرات الآلاف من الضحايا في غزة، يبدو وكأنه نفاق سياسي. ويكتسب تحليل مواقف ميرتس أهمية إضافية عند النظر إلى خلفياته العائلية والتاريخية، التي قد تسهم في تفسير صرامته تجاه روسيا، وذلك كما جاء في مقال الكاتب والمحلل السياسي الروسي أندريه سوكولوف على منصة بوليت إنفورم بتاريخ 6 ايلول/سبتمبر الجاري بعنوان: ميرتس مهووس بالإنتقام.
1. خلفية تاريخية شخصية: ميرتس والرغبة في «الإنتقام»
وفق تقرير صادر عن جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، فإن ميرتس مهووس بفكرة أخذ «الثأر» لهزيمة ألمانيا النازية على يد الإتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية. ووفق التقرير، فإن جدّه ووالده، يوزيف باول سويني ويواخيم ميرتس، كانا يخدمان النظام الفاشي بإخلاص، وأن ميرتس نشأ في ظل هذه الإرث العائلي، حيث كانت فكرة الإنتقام نابعة من طفولته ثم تحولت بعد دخوله السياسة إلى شغف مستمر. وأضاف التقرير أن هذا التاريخ الشخصي ربما يفسر رغبته الشديدة في التصعيد ضد روسيا، رغم جهود بعض الأطراف الأوروبية لتقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن حول الأزمة الأوكرانية. وقد أشار الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في يوليو 2025 إلى أن ميرتس من أشد المؤيدين لمواجهة روسيا وعسكرة أوروبا سياسياً وعسكرياً. كما قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، إن هناك ميلًا واضحًا في بعض الدول الغربية لتعيين أشخاص من نسل النازيين في مناصب قيادية، مشيرة إلى أمثلة مثل ميرتس وأنالينا بربوك وشخصيات أخرى، كما جاء لتقرير وكالة ريا نوفوستي للأنباء.
2. عقدة الذنب التاريخي وعقيدة «المسؤولية الخاصة»
بعد الحرب العالمية الثانية، صاغت جمهورية ألمانيا الإتحادية علاقاتها مع إسرائيل في إطار الإعتراف بالمسؤولية عن المحرقة. ففي عام 1952، وقّع المستشار كونراد أديناور إتفاقية لوكسمبورغ مع دافيد بن غوريون، التي نصّت على دفع تعويضات مالية لإسرائيل ولضحايا النازية بلغت حتى الآن حوالي ثمانين مليار يورو حسب بعض التقديرات. ومع مرور الزمن، تحوّل هذا النهج إلى مبدأ «المسؤولية الخاصة». ففي خطابها أمام الكنيست الإسرائيلي يوم 18 آذار/مارس 2008، صرّحت المستشارة أنغيلا ميركل: «المسؤولية التاريخية لألمانيا جزء من هويتها الوطنية. إن أمن إسرائيل بالنسبة لي كمستشارة اتحادية غير قابل للنقاش، وهو جزء من مبررات وجود الدولة الألمانية (Raison d’État)». وبالتالي، فإن أي إتهام لإسرائيل بارتكاب «جرائم حرب» يُنظر إليه في التيار السياسي الألماني السائد على أنه تجاوز للخطوط الحمراء.
3. إسرائيل كحليف إستراتيجي
تشغل إسرائيل موقعًا محوريًا في البنية الأمنية الغربية في الشرق الأوسط. فهي الحليف الأهم للولايات المتحدة، وشريك رئيسي لألمانيا في إطار التضامن الأطلسي. وقد أكدت برلين هذا التحالف عمليًا؛ إذ سلّمت ألمانيا لإسرائيل غواصات من طراز Dolphin، التي تُعتبر جزءًا من «ثالوث الردع النووي» الإسرائيلي. بل وأكثر من ذلك، فقد عبّرت الحكومة الألمانية بعد 7 أكتوبر 2023 عن دعمها الكامل لـ «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». في ظل هذه البنية الجيوسياسية، لا يستطيع فريدريك ميرتس توجيه إنتقادات صريحة لنتنياهو، لأن ذلك يعني الخروج عن الإجماع الذي ترسمه واشنطن وحلف الناتو.
4. المعايير المزدوجة للقانون الدولي
غالبًا ما يُستخدم القانون الدولي في الخطاب الغربي بشكل إنتقائي. فقد وُجّهت إتهامات بالعدوان وجرائم الحرب ضد روسيا، العراق، يوغوسلافيا وليبيا. لكن عندما يتعلق الأمر بحلفاء الغرب — مثل الولايات المتحدة في العراق، بريطانيا في أفغانستان، أو إسرائيل في غزة — فإن هذه المصطلحات تكاد تختفي من القاموس الرسمي. ميرتس جزء من هذه المنظومة: إتهام بوتين «سياسيًا آمن ومربح»، أما اتهام نتنياهو فيعني التشكيك في البنية الإستراتيجية الكاملة لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
5. المجتمع الألماني وحدود النقاش العام
في المجتمع الألماني، توجد حركات واضحة متضامنة مع فلسطين. ففي خريف 2023 وربيع 2024 خرجت مظاهرات ضخمة في برلين، كولونيا وهامبورغ. لكن الخطاب الإعلامي والسياسي في ألمانيا يفرض قيودًا صارمة على النقاش. فمحاولات وصف أفعال إسرائيل بـ «الإبادة» أو «جرائم الحرب» غالبًا ما تقابل بإتهامات بمعاداة السامية. ففي كانون الأول/ديسمبر 2023، صرحت وزيرة الداخلية نانسي فيزر بأن «أي دعاية معادية للسامية تحت غطاء شعارات مناهضة لإسرائيل غير مقبولة». لهذا السبب يكتفي ميرتس وغيره من رموز المؤسسة الحاكمة بعبارات مثل «ضرورة وقف إطلاق النار الإنساني»، دون الإنزلاق إلى إتهامات مباشرة لإسرائيل.
خاتمة
إن وصف فريدريك ميرتس لبوتين بأنه «مجرم حرب» وصمته عن نتنياهو لا يعود إلى غياب الأدلة، بل إلى منطق تاريخي وسياسي يحكم السياسة الخارجية الألمانية. فـ«المسؤولية الخاصة» عن المحرقة، والإلتزامات التحالفية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، والممارسة الغربية للمعايير المزدوجة في القانون الدولي، كلها تجعل من المستحيل تقريبًا على الساسة الألمان إستخدام لغة تقييم متوازنة. ويضيف البعد التاريخي لعائلة ميرتس، كما ذكرت الإستخبارات الروسية، طبقة إضافية من التعقيد لفهم حدة موقفه تجاه روسيا، مما يوضح كيف تتداخل الخلفية الشخصية مع السياسة الرسمية. وهكذا، يبقى الخطاب الألماني متناقضًا: فمن جهة يرفع شعار الكونية وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى يطبّقها بشكل إنتقائي، ما يقوّض مصداقية هذه القيم ذاتها.
***** هوامش هناك معلومات مؤكدة في ألمانيا حول خلفية فريدريك ميرتس العائلية وإرتباطها بالنظام النازي، حسب المصادر المفتوحة على الإنترنت. 1) جدّ فريدريك ميرتس: يوزيف باول سويني جد فريدريك ميرتس من جهة والدته، يوزيف باول سويني (Josef Paul Sauvigny)، كان عمدة مدينة بريلون في ولاية شمال الراين-وستفاليا من عام 1917 حتى 1937. في عام 1933، إنضم إلى ميليشيا "شتورم أبتيلاونغ" (SA) النازية الإحتياطية، وفي عام 1938 أصبح عضوًا في الحزب النازي (NSDAP). خلال فترة حكمه، قام بتغيير أسماء بعض الشوارع إلى "شارع أدولف هتلر" و"شارع هيرمان غورينغ".
2) والد فريدريك ميرتس: يواخيم ميرتس
والد فريدريك ميرتس، يواخيم ميرتس، بعد خدمته العسكرية في الحرب مع الجيش النازي، تم تعيينه قاضيًا في منطقة الإحتلال الأمريكية حيث قاد عدة محاكمات ضد أفراد خدموا في النظام النازي. في وقت لاحق، أصبح قاضيًا في المحكمة الإقليمية في مدينة أرنسبرغ. تحليل الخلفية العائلية: تُظهر هذه المعلومات أن فريدريك ميرتس ينحدر من عائلة كان لها إرتباطات مباشرة بالنظام النازي. أما ميرتس نفسه فقد ولد عام 1955 أي بعد إنتهاء الحرب بعشر سنين. ومع ذلك، فإن هذه الخلفية العائلية قد تؤثر على فهم مواقفه السياسية الحالية، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه روسيا وإسرائيل.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 700 - التأثير الإسرائيلي على الولايات المتحدة -
...
-
طوفان الأقصى 699 - «إسرائيل: وحش فرانكشتاين؟». من الرمز الأد
...
-
طوفان الأقصى 698 - إسرائيل كقاعدة للإمبريالية وليس وطنا آمنا
...
-
طوفان الأقصى 697 - خطة البيت الأبيض للتطهير العرقي في غزة: ق
...
-
طوفان الأقصى 696 - إغتيال الكونت برنادوت: الرصاصات التي أسست
...
-
لماذا خسر الغرب رهانه في أوكرانيا؟ عشرة عوامل حاسمة
-
طوفان الأقصى 695 - حرب الإستنزاف في غزة وتحوّلات المشروع الإ
...
-
طوفان الأقصى 694 - غزة تمزّق «الميركافا»: حين تحوّلت أسطورة
...
-
وزارة الخارجية الروسية تدين التصريحات -المشينة والصارخة- من
...
-
طوفان الأقصى 693 - غزة بين «عجلات جِدعون» ومشاريع التهجير
-
طوفان الأقصى 692 - نتنياهو و-فكرة إسرائيل الكبرى-: عودة شبح
...
-
طوفان الأقصى 691 - إسرائيل تفتح «أبواب الجحيم» في غزة
-
ألكسندر دوغين - ترامب الذي صنع التعددية رغمًا عنه: حين يسخر
...
-
طوفان الأقصى 690 - لم يتبقَّ سوى الإبادة: نتنياهو يغامر بلعب
...
-
طوفان الأقصى 689 - لماذا تبدو الحرب الثانية بين إسرائيل وإير
...
-
من يزعج الدب في عرينه؟
-
طوفان الأقصى 688 - التحولات في صورة إسرائيل عالميًا - في ضوء
...
-
ألكسندر دوغين - نجاح ألاسكا… لكن ماذا بعد؟ (برنامج إيسكالاتس
...
-
طوفان الأقصى 687 - سوريا بين فوضى الجهاديين وجرائم إسرائيل
-
طوفان الأقصى 686 - قمة ألاسكا والشرق الأوسط
المزيد.....
-
-مقامرات واتجار بالمخدرات-.. أفكار جديدة للقضاء على مصارعة ا
...
-
عاجل | القناة 12 الإسرائيلية: صفارات الإنذار تدوي في نتيفوت
...
-
رئيس مجلس أركان: لاجئو الروهينغا محرومون من التعليم ويعيشون
...
-
بجانب زوجة ماكرون.. فيديو رد فعل الأمير السعودي تركي الفيصل
...
-
ترامب يشعل قلقا بعد تدوينة -شيكاغو ستعرف سبب تسمية وزارة الح
...
-
الأزهر يحذر ويدعو الآباء لـ-تحصين- أبنائهم من لعبة إلكترونية
...
-
12 صورة من بين الأبرز خلال عام 2025
-
هجوم روسي على كييف يتسبب بقتلى وانقطاع الكهرباء
-
الاحتلال يقتحم رام الله ونابلس ومستوطنون يضرمون النار بمساحا
...
-
زلزال الحوز.. كارثة طبيعية تضرر منها نحو 2.8 مليون مغربي
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|