|
طوفان الأقصى 689 - لماذا تبدو الحرب الثانية بين إسرائيل وإيران حتمية؟
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 02:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
تمهيد
منذ إنتهاء حرب الأيام الاثني عشر بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025، تتزاحم القراءات التي ترى أن جولة ثانية ليست إحتمالاً بعيداً، بل نافذة تتّسع كلما تعمّقت الشروخ داخل إيران وتثبّتت القناعة في تل أبيب وواشنطن بأن الضربة المبكرة أقلّ كلفة من إنتظار تعافي طهران. الباحثة الروسية يلينا بوستوفويتوفا في مقالها على موقع مؤسسة الثقافة الإستراتيجية في 18 أغسطس/آب الحالي تجمل هذا المزاج بقولها إن الحرب التالية باتت «مسألة وقت لا خيار»، فيما يؤكد ستانيسلاف تاراسوف المؤرخ والباحث السياسي الروسي والخبير في شؤون الشرق الاوسط والقوقاز في مقالين 18و19 أغسطس/آب الحالي على موقع وكالة أنباء REX الروسية أنّ «إيران خرجت من الحرب الأولى في وضع أضعف، وإسرائيل لم تُنجز أهدافها، ما يجعل جولة جديدة أقرب من أي وقت»
أولاً: ما الذي كشفته حرب الـ12 يوماً؟
ترى بوستوفويتوفا أن عملية «الأسد الصاعد» لم تُحقق لإسرائيل إختراقًا حاسماً ضد البرنامج النووي الإيراني، «فالمنشآت المحصّنة تعرّضت لأضرارٍ يمكن إصلاحها خلال أشهر»، ولولا تدخلٌ أميركي مباشر عبر قاذفات B-2 وصواريخ توماهوك «لما أمكن قلبُ الموازين»؛ وهو تدخلٌ سمح للرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بإعلان وقف إطلاق النار. لكن الحرب كشفت أيضاً هشاشتين متقابلتين: لدى إيران: ثغرات في شبكة الدفاع الجوي وخسائر مؤلمة في صفوف قادة «الحرس» والعلماء. ولدى إسرائيل: كلفةٌ باهظة للدفاع الصاروخي تجعل «حرب الإستنزاف» خياراً شديد الإيلام مادياً وتكنولوجياً. بهذا المعنى، صار الهدف الإسرائيلي–الأميركي أقرب إلى «إدارة التعافي الإيراني ومنع تراكم قدراتها»، منه إلى حسمٍ نهائي.
ثانياً: نافذة الوقت… ولماذا الإسراع مجدٍ لتل أبيب؟
تؤكد بوستوفويتوفا أن تل أبيب تنظر إلى الأعوام 5–10 المقبلة كنافذة قد تغلق: «إذا أعادت طهران بناء دفاعها الجوي وقواتها الجوية، ستتراجع فاعلية الضربات الوقائية». لذلك، يصرّ صناع القرار الإسرائيليون — كما أشارت — على حروب قصيرة مركّزة لا تتجاوز أسبوعين، تستهدف بالأساس الدفاعات والقدرات الصاروخية ومنشآت الدعم اللوجستي للبرنامج النووي. ويضيف تاراسوف أن إسرائيل «لم تبلغ أهدافها في الحرب الأولى»، لكنها دفعت إيران إلى وضعٍ أسوأ: ضغط إقتصادي، إضطراب ثقة داخلي، وإنكشاف دفاعي نسبي — وكلها عوامل تُغري بضربة ثانية قبل أن تتبدّل المعطيات.
ثالثاً: طهران بين «الحرب التالية» و«العودة إلى التفاوض»
التحذير الأكثر صراحة جاء على لسان مستشار المرشد الأعلى والقائد السابق في الحرس الثوري يحيى رحيم صفوي: «نحن لسنا في حالة وقف إطلاق نار، نحن في حالة حرب. أعتقد أن حرباً أخرى ستندلع، وبعدها قد لا تكون هناك حروب». هذا التصعيد في الخطاب يتقاطع مع تسريبات تحدّثت عن قبولٍ من المرشد علي خامنئي بإستئناف المفاوضات النووية «كطريق وحيد لتجنّب حرب قد تُسقط النظام» — وهي رواية تنقلها تقارير صحفية أثارت بدورها جدلاً حول مصداقية التسريبات وحدود ما يُقال للرأي العام. في المقابل، يلفت تاراسوف إلى أن الرئيس الإيراني مسعود بَزِشكِيان حاول رسم توازن: «إستئناف المفاوضات لا يعني أننا سنستسلم»؛ غير أن المعسكر المتشدد — بقيادة شخصيات عسكرية نافذة — يرى أن العودة إلى طاولة التفاوض «تفريطٌ بردعٍ يجب ترميمه عبر جولة أشدّ».
رابعاً: المعارضة والشرخ الداخلي
يعرض تاراسوف في مقاله الثاني (19 آب) موقفَ المعارض البارز مهدي كروبي الذي حمّل سياسة السلطة الحالية مسؤولية إدخال البلاد في «قاع الوادي»، داعياً إلى «العودة للشعب وإصلاحات بنيوية». وتزامنت دعوته مع تشكيكٍ عام في حجم ما وقع خلال الحرب، بعد تداول «تحليلات وتقارير» منسوبة إلى الإستخبارات الإيرانية في وسائل إعلام أميركية «لا تؤكّدها طهران ولا تنفيها»، ما «يقوِّض الثقة بالمعلومات الرسمية ويعزّز الشك بأن حجم العملية الإسرائيلية ونقاط ضعف الدفاع الإيراني أكبر مما يُصرَّح به». هنا يصبح الشرخ الداخلي جزءاً من معادلة الردع: كلما إتّسعت المعارضة وإزدادت حدّة السجال بين «التفاوض» و«المواجهة»، تراجعت قدرة الدولة على تحمّل حرب طويلة، وإزدادت جاذبية «الضربة الإسرائيلية السريعة».
خامساً: الجبهة الشمالية لإيران والقلق من «طريق ترامب»
لا تقتصر دوافع الحرب على النووي. يذكّر تاراسوف بأن طهران «شديدة القلق» من التحركات في القوقاز، وخاصة مشروع TRIPP المعروف إعلامياً بـ«طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي» في أرمينيا، وما يرتبط به من مسارات عبر زنغزور. بالنسبة لإيران، دخول رعايةٍ أميركية كثيفة إلى هذا الممر يعني — عملياً — إقتراب نفوذ الناتو من بحر قزوين، وهو ما تصفه طهران بخط أحمر إستراتيجي ستسعى إلى تعطيله «بكل الوسائل». هذه البيئة الإقليمية تضغط لتسريع التصعيد: كل إغلاقٍ لطريقٍ إيراني نحو المتوسط أو آسيا الوسطى يعظّم من قيمة البرنامج النووي كورقة ردع ومساومة — ومن ثمّ يعظّم دافعَ خصومها لإضعافه سريعاً.
سادساً: تواريخ رمزية وسيناريوهات مفتوحة
ينقل تاراسوف أن بعض الخبراء يلمّحون إلى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025 كتاريخ رمزي محتمل لإنفجار جولة جديدة (ذكرى دخول قورش الكبير إلى بابل)، مع التحذير من سيناريوهات «بالوكالة» داخلية لإرباك إيران وإستنزافها. سواء تحقّق التاريخ أم لا، المؤكّد أن ديناميات التصعيد تتحرّك في الإتجاه الخاطئ: •إسرائيل/الولايات المتحدة: تفضيل ضربة سريعة تُبقي إيران «تحت السقف». •إيران: إستعداد لردٍّ أعنف «لإغراق» الدفاعات الصاروخية في إسرائيل، مع هشاشة إقتصادية/إجتماعية تجعل حرب الإستنزاف خطراً داخلياً. •واشنطن: إن إمتدّ الإنخراط الأميركي «فلن تُشبه حربُ العراق» — كما يحذّر تاراسوف — بل قد تكون أوسع وأشدّ كلفة.
سابعاً: الإقتصاد السياسي للدفاع الجوي… عقدة تل أبيب
بحسب خلاصة بوستوفويتوفا، تبيّن لإسرائيل أن فاتورة الإعتراض مرعبة: «آرو-3» بملايين الدولارات للقطعة، وTHAAD أعلى بكثير، وقدرات الإنتاج محدودة. لذلك تُصرّ عقيدة الحرب الإسرائيلية المحدثة على تقليل زمن المعركة وتعطيل منصّات الإطلاق الإيرانية والبنية الداعمة منذ الساعات الأولى. في المقابل، «ما يزال لدى إيران نحو ألف صاروخ باليستي قادر على بلوغ إسرائيل» — ما يعني أن أيّ خطأ في التقدير قد يُطلق وابلًا يغمر شبكة الإعتراض ويحوّل الحرب القصيرة إلى إستنزاف قاسٍ.
خلاصة
عند تل أبيب: «الوقت عدوّنا»، لذا فالضربة الثانية أنجع وأقل كلفة الآن. أما عند طهران: «التراجعُ إنتحارٌ سياسي»، لكن الإنقسام الداخلي ومأزق الإقتصاد يجعلان التفاوض خياراً مطروحاً لتفادي حرب قد تهزّ أُسس النظام. وعند واشنطن: الميل إلى دعم إسرائيل في «جولة سريعة مضبوطة»، مع مخاطر إنزلاق الأمور إلى مواجهةٍ شاملة. تكتب بوستوفويتوفا: «الحرب الثانية تكاد تكون مسألة وقت»، ويختم تاراسوف: «إن إنخرطت الولايات المتحدة بعمق، فقد تواجه حرباً شاملة مع إيران، ستجعل العراق يبدو "صيداً سهلاً" مقارنةً بها». بين هذين القوسين يعيش الشرق الأوسط اليوم لحظة هشاشةٍ تاريخية: أيُّ خطأ تقدير — أو نجاح صاروخٍ واحد في تجاوز المظلّة — قد يشعل الجولة التالية.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يزعج الدب في عرينه؟
-
طوفان الأقصى 688 - التحولات في صورة إسرائيل عالميًا - في ضوء
...
-
ألكسندر دوغين - نجاح ألاسكا… لكن ماذا بعد؟ (برنامج إيسكالاتس
...
-
طوفان الأقصى 687 - سوريا بين فوضى الجهاديين وجرائم إسرائيل
-
طوفان الأقصى 686 - قمة ألاسكا والشرق الأوسط
-
ألكسندر دوغين مفكر الكرملين يحذر من الكارثة: التفاوض قبل الن
...
-
طوفان الأقصى 685 - الصهيونية هي ما تفعله
-
مقابلة لافروف مع التلفزيون الروسي - المقاربة الروسية لأزمة أ
...
-
طوفان الأقصى 684 - إنقاذ نتنياهو بين وهم -ما بعد الحداثة- وا
...
-
قمة ألاسكا وتحوّلات الخطاب الروسي: قراءة في ثلاثة مقالات لأل
...
-
طوفان الأقصى 683 - بين خيار الإبادة وخيار الإحتلال – قراءة ف
...
-
طوفان الأقصى 682 - لاهوت الإبادة في الفكر الصهيوني: قراءة تح
...
-
الإنهيار المعنوي للجيش الأوكراني: من الخنادق الفارغة إلى الإ
...
-
طوفان الأقصى 681 - تفكك الإجماع اليهودي العالمي حول إسرائيل
-
«العقيدة الترامبية الجديدة» - بين الإنعزال والضربات السريعة
...
-
طوفان الأقصى 680 - مشروع «إسرائيل الكبرى»: مخاطره الجيوسياسي
...
-
«تحدّي ألاسكا»: قراءة تحليلية في أطروحة ألكسندر ياكوفينكو حو
...
-
طوفان الأقصى 679 - من النيل إلى الفرات - الحلم الذي لم يمت:
...
-
ألكسندر دوغين - أنكوراج** - توازن دقيق على حافة الهاوية (برن
...
-
طوفان الأقصى 678 - أكثر من 100 طبيب عملوا في غزة يطالبون الع
...
المزيد.....
-
ترامب يلمح إلى أنه سيغير اسم -البنتاغون- إلى وزارة -الحرب-
-
دمار وحرائق.. حصيلة الغارات الإسرائيلية على العاصمة اليمنية
...
-
-سياساته تعرض إسرائيل للخطر-.. وزير خارجية هولندا المستقيل ي
...
-
وسط تشدد إسرائيلي.. مصادر تكشف: قطر قدمت مقترحات جديدة لـ -ص
...
-
مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يجتمع اليوم لمناقشة حرب غزة
-
إسرائيل تواصل قتل شهود جرائمها بغزة لطمس الحقيقة
-
الحرب على غزة مباشر.. تفاقم مأساة التجويع بالقطاع وأغلبية ال
...
-
سلطان سوكوتو: العدالة في نيجيريا غدت سلعة قابلة للشراء
-
الجفاف يدفع بنحو مليون شخص للنزوح في ملاوي
-
جنوب أفريقيا تتولى دعم برنامج الإيدز بعد وقف التمويل الأميرك
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|