أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - «العقيدة الترامبية الجديدة» - بين الإنعزال والضربات السريعة الحاسمة















المزيد.....

«العقيدة الترامبية الجديدة» - بين الإنعزال والضربات السريعة الحاسمة


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 14:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

17 أغسطس 2025

مقدمة

من بين النتائج اللافتة لتدخل الولايات المتحدة في الصراع الإيراني – الإسرائيلي مؤخراً، كانت محاولة نائب الرئيس جي دي فانس تقديم ما سماه «العقيدة الترامبية الجديدة»، بوصفها إطاراً موجهاً للسياسة الخارجية الأمريكية خلال هذه المرحلة. ورغم أن هذه الصياغة لم تحظَ بإهتمام مؤسسي واسع لا في واشنطن ولا في مراكز الأبحاث الروسية، إلا أنها تعبير عن توجّه آخذ بالتبلور ضمن جناح MAGA داخل الحزب الجمهوري، يقوم على خلط مثير بين الإنعزال القومي وإستعراض القوة السريعة الحاسمة. هذا ما جاء في مقال مهم على موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية بتاريخ 13 آب/اغسطس الجاري، كتبه مدير مركز أبحاث الجغرافيا السياسية والجيوسياسة المعاصرة في مدرسة الإقتصاد العليا، الأستاد في العلوم السياسية، دميتري نوفيكوف.

هل نحن أمام تحوّل فكري حقيقي في الترامبية؟ أم مجرد محاولة لإضفاء بعد نظري على تحركات ظرفية تقوم بها الإدارة وفق ما يناسب اللحظة السياسية الراهنة؟

أولاً: المبادئ الثلاثة للعقيدة كما طرحها فانس

في عرضه المقتضب، حدّد فانس ثلاثة مرتكزات رئيسية ينبغي أن تقوم عليها السياسة الخارجية:

1. وضوح المصالح الأمريكية في كل أزمة، بشكل ضيق ومحدد ومفهوم للداخل الأمريكي.

2. دبلوماسية صارمة وعدوانية تعتمد على التهديد والعقوبات والضغط الأحادي.

3. إستخدام للقوة العسكرية بشكل سريع وحاسم إذا فشلت الدبلوماسية، مع خروج سريع وتجنب أي إلتزام طويل الأمد.
وقد لخّص أحد أنصار هذا التوجه الأمر بالقول: «نحن لا نريد أن نحكم العالم، نريد فقط أن نضرب من يعتقد أنه يستطيع تحدينا ثم نغادر».

ثانياً: نقد الترامبية للمقاربات الليبرالية السابقة

تتمثل الفكرة المحورية هنا في نقد الإدارة الديمقراطية السابقة لإتساع مفهوم "المصلحة القومية" إلى درجة يُصبح فيها بلا معنى. فكما قال فانس: «تُضَخُّ مليارات في أوكرانيا دون أن يعرف أحد ما هو النصر الأمريكي هناك».
وهذا يعكس ميل الإدارة الحالية إلى تفكيك الملفات الدولية إلى أهداف صغيرة واضحة قابلة للقياس: أوكرانيا = المعادن النادرة، إيران = مشروع نووي، الناتو = رفع الإنفاق الدفاعي للحلفاء، إلخ.
وهذه "الذرّة السياسية" قد تبدو تبسيطية، لكن أصحابها يرون أنها تحقق نجاحاً تكتيكياً ملموساً يُترجم سياسياً داخل الولايات المتحدة.

ثالثاً: الإنعزال الإنتقائي والضربة السريعة الحاسمة

بعكس الإنعزالية الصافية التي ينادي بها بعض أقطاب MAGA، مثل تاكر كارلسون وستيف بانون، فإن ترامب – حسب المقال الروسي – يمارس ما يمكن إعتباره إنعزالاً إنتقائياً: لا مانع من إستخدام القوة، ما دام ذلك لا يتحول إلى مستنقع سياسي أو مالي. فالمعيار ليس أيديولوجياً بل براغماتي محض.

وقد وصف الكاتب هذا الإتجاه بأنه «سياسة آخر الحكام»، حيث تظل الولايات المتحدة هي الحكم الأخير الذي يتدخل بضربة قاسية ثم ينسحب، تاركةً الحلفاء ليُديروا الباقي. وهذا ما ظهر في التعامل مع إيران، ومع روسيا في أوكرانيا، وحتى مع دول الحلف الأطلسي.

رابعاً: مقارنة سردية بين إدارة ترامب الأولى والحالية

يمكن القول إن ملامح هذه "العقيدة" كانت موجودة بالفعل في ولاية ترامب الأولى، حين شن ضربة صاروخية في سوريا ثم توقف، أو حين إغتال سليماني في عملية سريعة دون أن يتورط في حرب شاملة. لكن الجديد في الولاية الحالية هو محاولة فانس لتجميع هذه الممارسات تحت إطار فكري مكتوب، ومنحها عنواناً يُسوَّق لجمهور MAGA على أنها "عقيدة".

خلال الولاية الأولى، لم يُفكّر ترامب كثيراً في إنتاج نظرية، بل تحرك وفق شعار: «افعل ما يعود عليك بالنفع الآن». أما اليوم، فإن وجود فانس – الذي يتمتع بطموح شخصي للفوز بالرئاسة مستقبلاً – جعله يسعى لصياغة فهم أكثر إستقراراً للتوجه الترامبي، ليقدمه للحزب الجمهوري وقاعدته بوصفه البديل عن الليبرالية التدخلية أو الإنعزالية المطلقة.

بمعنى آخر: الإدارة الحالية لا تختلف جذرياً من حيث السلوك عن إدارة ترامب الأولى، ولكنها تحاول أن تلبس هذا السلوك ثوب "العقيدة"، لا سيما تمهيداً لمرحلة ما بعد ترامب.

خامساً: هل يحتاج ترامب فعلاً إلى عقيدة؟

يشير بعض المحللين إلى أن آخر عقيدة خارجية واضحة للولايات المتحدة كانت عقيدة بوش الإبن بعد أحداث 11 سبتمبر. أما بعد ذلك، فقد أصبحت "العقائد" مجرد تسميات لاحقة يصوغها المحللون، لا الرؤساء أنفسهم. فترامب نفسه يُفضّل أن يظلّ بلا إلتزام فكري واضح كي يستطيع تغيير مواقفه متى شاء، وقد لخّص أحدهم ذلك بعبارة: «العقيدة الترامبية الحقيقية هي: كل شيء ممكن ما دام يخدم اللحظة».

لذلك، فإن ما يطلق عليه فانس «عقيدة ترامب» هو – في جزء منه – محاولة لفرض إطار على رئيس لا يحبّ الإطارات أصلاً. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أهمية هذه المحاولة لأنها تعبّر عن تيار متنامٍ داخل الحزب الجمهوري يسعى إلى تحويل الترامبية من مجرد ظاهرة سياسية إلى مدرسة فكرية قائمة بذاتها.

سادساً: المغزى العربي – ما الذي يعنيه هذا للعالم العربي؟

بالنسبة للشرق الأوسط، فإن العقيدة الترامبية الجديدة لا تعد بتقليص التدخل الأمريكي بالكامل، بل تعني إعادة تشكيله على قاعدة «ضربة سريعة + إنسحاب + تفويض الحلفاء». وهذا يشير إلى إعتماد متزايد على إسرائيل كقوة وكيلة، وإلى تحميل دول المنطقة – بما فيها السعودية ومصر – مسؤولية أكبر في ملفات الأمن الإقليمي دون إلتزام أمريكي ثقيل.

بالنسبة لإيران، فإن العقيدة تعني مزيداً من الضربات المحدودة إذا لزم الأمر، ولكن دون الدخول في حرب إقتلاع النظام. وبالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن الإدارة الأمريكية ستواصل دعم إسرائيل بلا تردد، طالما أن ذلك "لا يتحول إلى مستنقع أمريكي"، وفق التعبير الترامبي.

بكلمات أخرى: «الرسالة للعرب واضحة: أمريكا تدير المشهد من بعيد، لكنها لا تتخلى عن العصا الغليظة حين ترى ضرورة لذلك، بشرط ألا تُكلِّفها شيئاً ثميناً على المدى الطويل».

خاتمة

«العقيدة الترامبية الجديدة» ليست مدرسة فكرية مكتملة، بل محاولة لوضع إطار مفهومي لما كان يُمارَس سابقاً دون إسم واضح: تدخل قصير، أهداف محدودة، لغة خشنة، عزلة مدروسة، وسياسة الباب المفتوح أمام كل ما يناسب اللحظة. إنها عقيدة القوة السريعة الحاسمة والإنسحاب المدروس، وهي تقدم لأمريكا صورة "الإمبراطورية المتحفظة" التي تريد أن تبقى مهيبة دون أن تكون مسؤولة عن بقاع العالم.

وبغض النظر عن مدى نجاح فانس في صياغتها كـ«عقيدة»، فإن مراقبة هذا الإتجاه ضروري لفهم تحولات التفكير السياسي الأمريكي، وما قد ينعكس منه مباشرة على منطقتنا وقضايانا العربية في السنوات المقبلة.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 680 - مشروع «إسرائيل الكبرى»: مخاطره الجيوسياسي ...
- «تحدّي ألاسكا»: قراءة تحليلية في أطروحة ألكسندر ياكوفينكو حو ...
- طوفان الأقصى 679 - من النيل إلى الفرات - الحلم الذي لم يمت: ...
- ألكسندر دوغين - أنكوراج** - توازن دقيق على حافة الهاوية (برن ...
- طوفان الأقصى 678 - أكثر من 100 طبيب عملوا في غزة يطالبون الع ...
- طوفان الأقصى 677 - أذربيجان وإسرائيل في قلب لعبة القوقاز الك ...
- -أسرار نووية وأحكام متناقضة: ثلاث قضايا تكشف إزدواجية المعاي ...
- ألكسندر دوغين بين ألاسكا وغورباتشوف: أخطاء الماضي وصراعات ال ...
- طوفان الأقصى 676 - يهود ضد الصهيونية
- روسيا والغرب… معركة تتجاوز حدود أوكرانيا
- طوفان الأقصى 675 - الكمين الأميركي: من الإستراتيجية الإقليمي ...
- قمة ألاسكا: بين ذكريات التاريخ ومقايضات الحاضر
- طوفان الأقصى 674 - إسرائيل وحرب المستقبل – نقطة التوتر بين ا ...
- ثلاث -بجعات سوداء- في أفق الحرب: ما الذي قد تغيّره الأشهر ال ...
- طوفان الأقصى 673 - إيران 2025: عام الصمود والإنتصار… من شوار ...
- زيارة ويتكوف إلى موسكو: بين الأهداف الثابتة والسيناريوهات ال ...
- طوفان الأقصى 672 – إسرائيل تخوض حربًا لا يمكنها الإنتصار فيه ...
- ألكسندر دوغين - المحافظون الجدد يقودون ترامب إلى الهاوية (بر ...
- طوفان الأقصى 671 - بين ذاكرة المحرقة وتواطؤ الدولة الألمانية ...
- طوفان الأقصى 670 - الهولوكوست لا يبرر الإبادة - قراءة روسية ...


المزيد.....




- مصر.. فيديو ترويجي للمتحف الكبير يثير ضجة ووزير السياحة يحذر ...
- بيان مصري بعد تقارير عن مشاورات إسرائيلية لنقل سكان غزة خارج ...
- إندونيسيا تحتفل بعيد استقلالها الـ80.. هل تكون وجهة لسكان قط ...
- في لفتة إنسانية.. بوهايمين الأيرلندي يكرم -بيليه فلسطين- بقم ...
- ماكرون مقتنع بأن بوتين -لا يريد السلام- ويدعو إلى إشراك الأو ...
- خبير عسكري: المقاومة لا تزال قادرة على خوض معارك صعبة وزامير ...
- مهرجان الصيف يضيء بنغازي ويفتح نوافذها للعالم
- في ضيافة مورغان.. الشيال يفند مزاعم الاحتلال بشأن أنس الشريف ...
- -الساكتون عن دم غزة خونة- غضب بالمنصات على التجويع وبتر أطرا ...
- عاجل| روبيو: سنوقف مؤقتا برنامج منح التأشيرات للقادمين من غز ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - «العقيدة الترامبية الجديدة» - بين الإنعزال والضربات السريعة الحاسمة