أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 670 - الهولوكوست لا يبرر الإبادة - قراءة روسية جريئة















المزيد.....

طوفان الأقصى 670 - الهولوكوست لا يبرر الإبادة - قراءة روسية جريئة


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 04:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

7 أغسطس 2025

في سابقة لافتة على صعيد الخطاب الإعلامي الروسي، نشر الكاتب الروسي فيتالي تروفيموف-تروفيموف مقالاً صادماً في مضمونه في صحيفة فزغلياد الالكترونية بتاريخ 30 يوليو 2025، بعنوان: "الهولوكوست لا يبرر الإبادة الجماعية"، موجهًا نقدًا جذريًا لما أسماه بـ"السحر الخارجي للهولوكوست"، بإعتباره أداة سياسية تخدم التبرير الأخلاقي للجرائم الإسرائيلية، خصوصًا في قطاع غزة.

المقال ينهل من ترسانة الأرقام والتاريخ والمفارقات الأخلاقية، ويقلب سردية الضحية والجلاد، في مشهد يبدو فيه أن ما كان يُعد خطًا أحمر في الذاكرة الغربية بات الآن قابلًا للتشكيك الجريء في موسكو.

الهولوكوست كذريعة دائمة: هل آن وقت رفع الغطاء؟

ينطلق الكاتب من سؤال مركزي يضعه في صدر تحليله: "كم عدد الفلسطينيين، وخاصة المدنيين، الذين يجب أن يُقتلوا كي تفقد أسطورة الهولوكوست سحرها في السياسة الخارجية؟"

ويبدو أن الإجابة المريرة تأتي من سياق المقارنة التي يقيمها تروفيموف بين عدد ضحايا النازية وعدد ضحايا الصهيونية. ففي حين أن العالم لم يتسامح مع ألمانيا النازية بعد قتلها ستة ملايين يهودي، فإن إسرائيل – برأيه – ترتكب أعمالاً ميدانية لا تقل فتكًا من حيث الكثافة والتأثير، من دون أن يرف للغرب جفن، بل تحت مظلة الحماية الأخلاقية باسم "الذاكرة اليهودية".

حسابات الدم: المقارنة الرقمية التي تزلزل المعايير

في فقرة مثيرة للجدل، يقدم الكاتب مقارنة عددية محمّلة بالرمزية القاتمة، فيقول: "بلغ عدد سكان ألمانيا عام 1941 نحو 80 مليون نسمة، وقُتل خلال ’الحل النهائي‘ حوالي ستة ملايين يهودي. بمعنى أن مقتل يهودي واحد كان يعادل رخاءً لـ 13–15 ألمانيًا. وإذا طُبّق هذا المنطق العدمي على إسرائيل الحديثة ذات 9.5 مليون نسمة، فإن رفاهها سيتطلب مقتل ما لا يقل عن 680 ألف فلسطيني!"

هذه "المعادلة الرمزية"، كما يمكن تسميتها، لا تهدف إلى إعطاء شرعية للقتل، بل إلى تفكيك شرعية السردية الأخلاقية التي تسمح به. إن ما يحاول الكاتب قوله هو: إذا كان قتل الأبرياء مبررًا تحت غطاء "رد المظلومية"، فإن كل نظام دموي في التاريخ يمكن تبريره بمنطق مشابه.

أزمة الأخلاق الدولية: حين تصير الضحية جلادًا

يحذّر تروفيموف من عواقب إستخدام مأساة تاريخية لتبرير مأساة جارية، قائلاً: "المشكلة في مبررات مثل الهولوكوست أنها لعبة خاسرة للجميع. الضحايا يصيرون جلادين، والجلادون يُعاد تأهيلهم ضمنيًا..."

في هذا السياق، ينبه الكاتب إلى خطر داهم يتمثل في تآكل الحدود الأخلاقية في الوعي الجمعي العالمي، حيث لم يعد التمييز واضحًا بين من إرتكب الجريمة ومن يدّعي أنه ضحيتها، فيما ينتهج نفس الأساليب. وبذلك، تصبح عبارة: "هؤلاء اليهود ليسوا أفضل من النازيين" جملة مألوفة في أوساط الرأي العام، ويفتح ذلك الباب أمام إعادة تأهيل الأيديولوجيات التي قادت إلى الهولوكوست نفسه.

إزدواجية المعايير: من تينيسمياجي إلى نصب الهولوكوست

يلفت المقال النظر إلى مفارقة صارخة في التعامل مع الرموز التذكارية. فبينما تُزال نصب الجنود السوفيات في إستونيا وغيرها بحجة "جرائم الشيوعية"، تبقى نصب ضحايا الهولوكوست بمنأى عن أي مراجعة أو نقاش، رغم أن إسرائيل – بحسب الكاتب – تقوم بـ"إعادة إنتاج الجريمة نفسها ضد الفلسطينيين". ويعلق ساخرًا: "يُزيلون النُصُب من تلال تينيسمياجي، ويخترعون أرقامًا خيالية لضحايا ’النظام السوفياتي‘، بينما هنا لا حاجة للإختراع، فكل شيء موثق من قبل منظمات غربية لحقوق الإنسان."

الوسيط القوي أم الزمن الدموي؟

في تحوّل نحو الطرح الإستراتيجي، يطرح الكاتب ما يشبه خارطة طريق للخروج من النفق المسدود، محذرًا الإسرائيليين من مغبة الإستمرار في الإعتماد على أدوات الحرب والردع، ومقترحًا الإستعانة بـ"وسيط خارجي قوي بصلاحيات إستثنائية"، قبل أن يفوت الأوان.

ويستشهد بقول المفكر الإستراتيجي الأميركي إدوارد لوتفاك: "عندما ينفد صبر صانعي السلام، لا يعودون يدعمون الضعفاء ضد الأقوياء، بل يساعدون الأقوياء على سحق خصومهم من أجل إستعادة السلام."

هنا يرسل الكاتب تحذيرًا مستترًا: أن إسرائيل، إذا إستمرت في طريق القوة المنفلتة، فقد تجد نفسها ضحية لتغير التوازنات الدولية، حيث لا حليف دائم ولا ضمان أخلاقي أبدي.

بيروبيجان... آخر ملاذ آمن لليهود؟

يختم تروفيموف مقاله بفكرة صادمة تمس العمق الوجودي للصهيونية، فيقول: "قد يكون المكان الوحيد على وجه الأرض الذي يمكن لليهود أن يعيشوا فيه بسلام خلال حياتنا هو المنطقة اليهودية الذاتية الحكم في روسيا."

يقصد بذلك بيروبيجان، المنطقة النائية التي أنشأها الإتحاد السوفياتي في ثلاثينيات القرن العشرين كحل بديل لـ"فلسطين".
هذه الخاتمة ليست دعوة حقيقية للرحيل، بقدر ما هي تلويح رمزي بإنتهاء "شرعية إسرائيل"، إذا ما إستمر مشروعها في تغذية الكراهية والدمار، لا في بناء تعايش وسلام.

خاتمة: من الهولوكوست إلى غزة... لا خلاص بالدم

تكمن جرأة مقال تروفيموف-تروفيموف في قدرته على قلب الخطاب السائد رأسًا على عقب، دون السقوط في فخ النفي أو الإنكار. لم يُنكر الكاتب الهولوكوست، بل نزع عنه سلطته السياسية المطلقة. ولم يدافع عن الضحايا فقط، بل حذر من تحولهم إلى نسخة معاصرة من جلاديهم.

وإذا كان الهولوكوست قد مثّل في الذاكرة الغربية "نهاية العالم الأخلاقية"، فإن ما يحدث في غزة اليوم يمثل، وفق هذا التحليل الروسي، نهاية مبرر وجود إسرائيل الأخلاقي. فدولة تقيم مشروعها على أنقاض مأساة، ثم تعيد إنتاجها ضد شعب آخر، تفقد بالتدريج كل رصيدها من "حصانة الضحية".

*****

هوامش

1) "الحل النهائي" (Die Endlösung) هو المصطلح الذي استخدمه النظام النازي للإشارة إلى الخطة المنظمة لإبادة يهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى مقتل نحو ستة ملايين يهودي. كانت هذه التسمية محاولة لإضفاء طابع إداري وبيروقراطي على جريمة الإبادة الجماعية.
------
2) العبارة "من تينيسمياجي إلى نصب الهولوكوست" ترمز إلى إزدواجية المعايير في التعامل مع الرموز التاريخية، حيث تُزال تماثيل الجنود السوفيات في أماكن مثل تينيسمياجي (في إستونيا) بحجة "الإحتلال"، بينما تبقى نصب الهولوكوست محصّنة من أي نقد أو مراجعة رغم جرائم إسرائيل المعاصرة.
------
3) إدوارد لوتفاك هو مفكر واستراتيجي أمريكي من أصل روماني، يُعد من أبرز منظّري الجيوبوليتيكا والحرب. اشتهر بكتاباته حول "منطق الاستراتيجية" وتقديمه نظريات غير تقليدية في السياسة الدولية والتدخلات العسكرية.
------



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية الحرب العالمية الثانية: بين سيف ستالين ونار ترومان – م ...
- طوفان الأقصى 669 --عقيدة السيسي-: مصر تعود إلى الفراعنة لتقو ...
- إرث بوتسدام: روسيا ما زالت تجني ثمار مؤتمر عمره 80 عاماً، كي ...
- ألكسندر دوغين - -فلسطين تُفجّر إنقسام الغرب... ولكن العدو ال ...
- ألكسندر دوغين - إذا لم ينقرض الروس بأنفسهم، فهناك من يساعدهم ...
- طوفان الأقصى 667 - ماذا لو تغيّر المشهد؟ السيناريو الذي يخشا ...
- ألكسندر دوغين - ترامب بين فشل الإصلاح وإمكانات الهدم - قراءة ...
- طوفان الأقصى 666 - إسرائيل بين نهاية فلسطين وبداية الهيكل ال ...
- ألكسندر دوغين - بوتين يميط اللثام عن حقائق الجيوبوليتيكا (بر ...
- طوفان الأقصى 665 - كيف تحكم الصهيونية المسيحية سياسة واشنطن؟
- ألكسندر دوغين - -روسيا كدولة-حضارة: نقد الإنحدار الغربي ومسا ...
- ألكسندر دوغين – -الجنرال هرمجدون- الجديد: روسيا تُخيف الغرب ...
- طوفان الأقصى 664 - فلسطين تفجّر الغرب: صراع العواصم الغربية ...
- طوفان الأقصى 663 - إنكشاف التحيّز المنهجي لصالح إسرائيل داخل ...
- طوفان الأقصى 662 - من إيلات إلى جيبوتي: كيف غيّر الحوثيون وا ...
- طوفان الأقصى 661 - -إسرائيل ليست شرًا فريدًا من نوعه.. إنها ...
- طوفان الأقصى 659 - إغتيال جيمس فورستال وجون كينيدي – هل سقطا ...
- طوفان الأقصى 659 - داخل مستشفى في غزة: جراح بريطاني يروي ما ...
- طوفان الأقصى 658 - إسرائيل وتحويل الإفتراءات المعادية لليهود ...
- طوفان الأقصى 657 – روسيا وفلسطين... ضحيتان لمسار واحد من الإ ...


المزيد.....




- هل عقوبات -النفط الروسي- ستطال الصين بعد الهند؟.. ترامب يرد ...
- ترامب يؤكد تحقيق -تقدم كبير- في المحادثات الأمريكية الروسية، ...
- العلاقات الفرنسية الجزائرية: تصعيد مرحلي ام قطيعة؟
- السودان يعلن تدمير طائرة إماراتية تقل مرتزقة كولومبيين في دا ...
- لبنان.. غارات إسرائيلية على الجنوب والحكومة تناقش الورقة الأ ...
- أزمة مياه خانقة تحاصر 60% من أحياء الخرطوم منذ عامين
- متخذًا قرارات جديدة.. ماكرون: على فرنسا أن تتحرك بمزيد من ال ...
- شبكات تجسس ومسيّرات.. كيف تستعد تركيا للحرب مع إسرائيل؟
- الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم وسط انقسام دولي حاد
- ترامب يعلن تبرعه براتبه لتمويل تجديدات البيت الأبيض: -ربما أ ...


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 670 - الهولوكوست لا يبرر الإبادة - قراءة روسية جريئة