أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين - -روسيا كدولة-حضارة: نقد الإنحدار الغربي ومسار الإستقلال الحضاري-














المزيد.....

ألكسندر دوغين - -روسيا كدولة-حضارة: نقد الإنحدار الغربي ومسار الإستقلال الحضاري-


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 17:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

2 أغسطس 2025

شهدت العقود الأخيرة تصاعدًا في الخطاب الروسي الساعي إلى بلورة هوية حضارية مستقلة عن الغرب. ومن أبرز ممثلي هذا التيار الفيلسوف الروسي المعاصر ألكسندر دوغين، الذي يدعو في مقالاته إلى إستعادة روسيا لهويتها كـ"دولة-حضارة"، في مقابل ما يسميه "الانحدار الغربي الشامل".
في مقال دوغين الأخير بتاريخ 28 تموز/يوليو، لا يكتفي الكاتب بوصف الإنهيار القيمي والمؤسسي الذي أصاب المجتمعات الغربية، بل يطرح رؤية حضارية بديلة تؤسس لروسيا بصفتها كيانًا منفصلًا عن الغرب، له تاريخه ومساره المستقل.

أولًا: الإنهيار الغربي من الداخل – صورة أوروبا اليوم

يركز دوغين على فقدان الغرب لهويته التقليدية نتيجة لما يسميه بـ"التجاوزات والإنحطاطات القيمية" التي إجتاحت مجتمعاته، ويرى أن أوروبا الغربية لم تعد تمثل الغرب التقليدي الذي تأسس على المسيحية والقيم المحافظة، يقول دوغين: "روما، باريس، ولندن تحولت إلى مكبات نفايات، لم يعد من السهل فيها رؤية إنسان أبيض، ولا توجد فيها قيم تقليدية."
ويشير الكاتب إلى أن زحف العولمة، المدعومة من النخب الليبرالية العالمية، يعمل على تدمير المجتمعات الأوروبية من الداخل، عبر فرض التعددية الثقافية قسرًا، وتسهيل الهجرة الجماعية غير المنضبطة، وفرض "ديكتاتورية الليبرالية" المتسامحة مع الإنحرافات الجنسية والتحولات الجندرية، ويحذر دوغين: "كل ذلك كان يهددنا نحن أيضًا، حتى حافة الإنهيار والإختفاء."
هنا ينحو دوغين منحىً نقديًا حادًا للنموذج النيوليبرالي، مشابهًا لما طرحه المفكر المحافظ الأمريكي باتريك بوكانن، الذي تحدث عن "موت الغرب" بفعل التخلي عن الأسرة والقيم.

ثانيًا: روسيا ليست بديلاً للغرب، بل كيان حضاري مستقل

يرفض دوغين أن تكون روسيا مجرد "غرب مؤجل"، أو نسخة محسّنة من أوروبا المحافظة، ويؤكد على تمايزها الحضاري العميق منذ إنفصالها عن الكنيسة الكاثوليكية الغربية في القرن الحادي عشر، حيث يذكر: "في الواقع، روسيا حضارة مستقلة. لقد إفترقنا عن الحضارة الغربية في القرن الحادي عشر، وأصبحنا حضارة مستقلة في القرن الخامس عشر."
هذا التصور يُعيدنا إلى أطروحات المدرسة الأوراسية، التي تأسست في عشرينيات القرن العشرين، والتي ترى في روسيا مركزًا لحضارة تختلف عن كلٍّ من الغرب الرأسمالي والشرق الآسيوي، وتؤمن بوحدة الأرض الأوراسية الممتدة من فلاديفوستوك إلى لشبونة.
هكذا، فروسيا ليست بديلاً عن الغرب، ولا محاولةً للحفاظ على ماضيه، بل هي، في نظر دوغين، "دولة-حضارة" تحمل مشروعًا مختلفًا بالكامل، ويؤكد دوغين: "علينا بناء روسيا العظمى. لا يمكن أن تكون أوروبا المتنعّمة التي تحتضر على أطرافها."

ثالثًا: التأخّر عن الغرب نعمة حضارية؟

يرى دوغين أن تباطؤ روسيا في اللحاق بالغرب كان، في المحصلة، منقذًا لها من الإنحدار القيمي. فهي "توقفت عند المنعطف"، ولم تواصل السير نحو التفسخ، وهنا يقول دوغين: "لقد سرنا خلف أوروبا، لكننا تأخرنا عنها. وهذا التخلّف تبين أنه أفضل من المواصلة."
لكن دوغين يُحذر في الآن ذاته من أن هذا التأخر لا يجب أن يكون هدفًا في حد ذاته، فـ"الجمود" ليس مشروعًا، والبقاء في حالة "أوروبا الأمس" لا يمثل رؤية مستقبلية.
"أن نبقى أوروبا الماضية ليس مشروعًا. هذا لا يمت بصلة إلى المستقبل. أما مستقبل روسيا فهو مختلف تمامًا."
وهذا التحذير يشبه إنتقاد أوزوالد شبنغلر للمحافظين الأوروبيين الذين كانوا يظنون أن الرجوع إلى "العصر الذهبي" كافٍ لإنقاذ الحضارة.

رابعًا: ملامح الدولة-الحضارة الروسية

يطرح دوغين رؤيته المستقبلية لما يجب أن تكون عليه روسيا. هي ليست دولة تقليدية بحدود سياسية فحسب، بل مشروع حضاري شامل.
"يجب على روسيا أن تصبح ذاتها. نحن بحاجة إلى موارد من أجل المستقبل، إلى طاقة، إلى يقظة القوى، إلى صور حقيقية لمستقبل روسي."
ويؤكد أن هذا المشروع الحضاري لا يقتصر على القيم، بل يمتد إلى التكنولوجيا، والمظهر العام، والسيكولوجيا الجمعية.
وهنا يُبرز الكاتب دور الرئيس الروسي في تبنّي هذا المسار، في إشارة إلى أن مسار "الدولة-الحضارة" بات جزءًا من الخطاب السياسي الروسي الرسمي، لا مجرد حلم فلسفي. "من حسن الحظ أن رئيسنا يتحدث عن ذلك. لكن علينا أن نضع الخطط الدقيقة، وأن نرسم الطريق، ونسير فيه."


خاتمة: بين رفض الغرب وصناعة البديل

يمثل هذا المقال تتويجًا لمسار فكري طويل يسلكه دوغين، يقوم على القطيعة مع الغرب لا من منطلق العداء فقط، بل من منطلق إدراك الذات. روسيا، في خطابه، ليست جزءًا من أوروبا ولا إمتدادًا لها، بل هي "عالم آخر"، حامل لرسالة خاصة في التاريخ.
إن ما يطرحه دوغين ليس مجرد خطاب دعائي، بل رؤية فلسفية حضارية متكاملة، ترتبط بسؤال الوجود الروسي في القرن الحادي والعشرين، وتضعه أمام خيارين:
- إما الانخراط في الإنهيار الغربي، والإنجرار إلى مصير أوروبا؛
- أو بناء مشروع حضاري جديد، مستقل، يُنقذ الذات الروسية من التفكك.
وهو يدعو بوضوح إلى الخيار الثاني: "نحن بحاجة إلى تحوّل جذري في المسار، نحو دولة–حضارة."



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألكسندر دوغين – -الجنرال هرمجدون- الجديد: روسيا تُخيف الغرب ...
- طوفان الأقصى 664 - فلسطين تفجّر الغرب: صراع العواصم الغربية ...
- طوفان الأقصى 663 - إنكشاف التحيّز المنهجي لصالح إسرائيل داخل ...
- طوفان الأقصى 662 - من إيلات إلى جيبوتي: كيف غيّر الحوثيون وا ...
- طوفان الأقصى 661 - -إسرائيل ليست شرًا فريدًا من نوعه.. إنها ...
- طوفان الأقصى 659 - إغتيال جيمس فورستال وجون كينيدي – هل سقطا ...
- طوفان الأقصى 659 - داخل مستشفى في غزة: جراح بريطاني يروي ما ...
- طوفان الأقصى 658 - إسرائيل وتحويل الإفتراءات المعادية لليهود ...
- طوفان الأقصى 657 – روسيا وفلسطين... ضحيتان لمسار واحد من الإ ...
- الصين والإبادة في غزة: بين خطاب العدالة وحسابات المصالح
- طوفان الأقصى 656 - -مطالب شعبنا بالعدالة تتجاوز التدمير-
- ألكسندر دوغين – الديمقراطية الغربية الوحشية
- طوفان الأقصى 655 - الولايات المتحدة غير راضية عن تعامل إسرائ ...
- غزة لا تجوع، بل يتم تجويعها
- طوفان الأقصى 654 - إيران والإتفاق النووي: صفقة مع المجهول... ...
- فك شفرة ترامب: ما فهمته أوروبا أو ما فاتها
- طوفان الأقصى 653 - -سذاجة أم بطولة؟ ملحمة الحوثيين في البحر ...
- ألكسندر دوغين يتحدث عن المحور الرئيسي الذي لا يجب المساس به ...
- طوفان الأقصى 652 - العالم في أتون النار - الحرب العالمية الث ...
- ألكسندر دوغين – -القيادة الإسرائيلية المعاصرة تفتح أبواب الج ...


المزيد.....




- معلومة قد تذهلك.. كيف يمكن لاستخدام الليزر أن يصبح -جريمة جن ...
- عاصفة تغرق نيويورك: فيضانات في مترو الأنفاق وانقطاع كهرباء و ...
- هيركي عائلتي الكبيرة
- نحو ربع مليون ضحية في 2024 .. رقم قياسي للعنف المنزلي في ألم ...
- غضب واسع بعد صفع راكب مسلم على متن طائرة هندية
- دراسة: أكثر من 10 آلاف نوع مهدد بالانقراض بشدة
- بين الصمت والتواطؤ.. الموقف التشيكي من حرب غزة يثير الجدل
- تركا ابنهما خلفهما بالمطار لأجل ألا يخسرا تذاكر السفر
- في تقرير لافت.. الاستخبارات التركية توصي ببناء ملاجئ وأنظمة ...
- لماذا أُثيرت قضية “خور عبد الله” الآن؟ ومن يقف وراءها؟


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين - -روسيا كدولة-حضارة: نقد الإنحدار الغربي ومسار الإستقلال الحضاري-