زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 10:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم د. زياد الزبيدي
13 أغسطس 2025
في إيران، أعلنت السلطات مؤخراً إعدام شخص قالت إنه كان عالماً نووياً بارزاً، أتُّهم بالتجسس لصالح جهاز "الموساد" الإسرائيلي، ونقل معلومات حساسة عن البرنامج النووي الإيراني. ورغم أن القضية – كما عرضتها طهران – تتعلق مباشرة بأمن الدولة في أحد أكثر ملفاتها حساسية، إلا أن ردود الفعل الغربية جاءت مشبعة بالإنتقاد، وركّزت على ما إعتبرته "قمعاً للنخب العلمية" و"تصفية سياسية". فالمقال الغربي النموذجي في هذه القضايا يبدأ بالتشكيك في المحاكمة، ويُلمّح إلى إنتزاع الإعترافات، ويضع التنفيذ في سياق سجل إيران الحقوقي، لا في سياق صراعها الإستخباري مع إسرائيل.
وعلى النقيض تماماً، تعود بنا الذاكرة إلى الولايات المتحدة عام 1953، حين نفذت السلطات حكم الإعدام في الزوجين جوليوس وإيثيل روزنبرغ، بعد إدانتهما بتسريب أسرار المشروع الأمريكي للقنبلة الذرية إلى الاتحاد السوفيتي. آنذاك، لم يُطرح السؤال في الإعلام الأمريكي عن "حرية التعبير" أو "حق المتهمين في الحياة"، بل جرى تقديم الإعدام كإجراء حتمي لحماية البلاد من خطر وجودي. كانت الحرب الباردة في أوجها، وكان السوفيات يُصوَّرون في الصحافة الأمريكية كتهديد شامل، ما جعل أي تعاطف مع المتهمين بمثابة خيانة.
ولعل قضية مردخاي فعنونو تضيف بعداً ثالثاً لهذه المقارنة. ففي عام 1986، سرّب الفني الإسرائيلي في مفاعل ديمونة تفاصيل وصوراً تؤكد إمتلاك إسرائيل برنامجاً سرياً لصنع السلاح النووي، رغم الإنكار الرسمي. تم إستدراجه من لندن إلى روما، وخُطف على يد "الموساد"، ثم حُكم عليه بالسجن 18 عاماً، قضى معظمها في الحبس الإنفرادي. ومع أن ما فعله فعنونو يكاد يتطابق في الجوهر مع ما نُسب إلى روزنبرغ في أمريكا أو العالم النووي في إيران – أي كشف أسرار نووية – فإن معظم الحكومات الغربية إلتزمت الصمت، ولم تُدن إسرائيل، بل إكتفت بعبارات دبلوماسية باهتة لا تحمل أي تبعات سياسية.
هذه الحالات الثلاث تكشف بوضوح أن المسألة لا تتعلق بالفعل نفسه أو بخطورته، بل بهوية الفاعل وموقعه على خارطة التحالفات الدولية.
حين يكون المنفذ دولة تُصنَّف كخصم، تُستحضر لغة "القمع" و"الإنتهاك". وحين يكون المنفذ حليفاً أو جزءاً من المعسكر الغربي، تُستبدل تلك اللغة بخطاب "حماية الأمن القومي" أو يخيّم الصمت التام. إنها ازدواجية المعايير في أوضح صورها، حيث يتحول الفعل الواحد من "جريمة" إلى "واجب وطني" بمجرد أن تتغير الراية التي ترفرف فوق منصة الإعدام أو باب الزنزانة.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟