أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - الدين السياسي عدو الإصلاح














المزيد.....

الدين السياسي عدو الإصلاح


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 08:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أ. الإصلاح كحاجة دينية لا كترف سياسي
الإصلاح في جوهره ليس ترفًا فكريًا ولا مؤامرة غربية، بل هو ضرورة دينية وحضارية. فكل دين يحمل في داخله بذور الإصلاح المستمر، لأن النصوص تُقرأ في سياقات متغيرة، والواقع يفرض أسئلة جديدة لم يعرفها الأسلاف. الأنبياء أنفسهم كانوا مصلحين ضد جمود مؤسسات دينية سبقتهم. وبالتالي، يصبح الإصلاح تعبيرًا عن حيوية الدين وقدرته على التجدد.
لكن في ظل الدولة الدينية، يُختزل الإصلاح في كونه تهديدًا سياسيًا؛ لأن السلطة لا ترى فيه مشروعًا لبعث الروح، بل خطرًا على شرعيتها القائمة على قداسة غير قابلة للنقاش. وهكذا يُحوَّل المصلح إلى "خائن" والمفكر إلى "زنديق"، وتُغلق أبواب التجديد باسم حماية الدين.

ب. لماذا يُخيف الإصلاح الدولة الدينية؟
1. الإصلاح يفتح باب النقاش: الدولة الدينية تريد خطابًا نهائيًا، مغلقًا، لا يقبل إعادة القراءة. أي محاولة للنقاش تزعزع سلطة "الحقيقة الرسمية".
2. الإصلاح يُضعف الشرعية الرمزية: إذا كان النص قابلًا للتجديد، فهذا يعني أن قداسة السلطة القائمة عليه قابلة للتقويض.
3. الإصلاح يعيد الكلمة للعقل: الدولة تريد أن يكون المنبر الرسمي المرجع الأعلى، بينما الإصلاح يعيد الاعتبار لاجتهاد الفرد وحرية التفكير.

ج. الإصلاح في الإسلام الحديث: الداخل والخارج
منذ القرن التاسع عشر، برز اتجاهان إصلاحيان متوازيان في العالم الإسلامي:
1. إصلاح من داخل المؤسسة الدينية:
جمال الدين الأفغاني دعا إلى إحياء روح الإسلام في مواجهة الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي.
محمد عبده سعى إلى تحديث الفكر الإسلامي، وإعادة قراءة النصوص بروح عقلانية، وإصلاح مناهج التعليم الديني.
محمود محمد طه قدّم مشروعًا تجديديًا للشريعة يقوم على التمييز بين آيات المرحلة المكية والمدنية، لكنه أُعدم في السودان بتهمة الردة.
هؤلاء جميعًا كانوا ينطلقون من موقع ديني، أي من داخل فضاء الفقه والتفسير، ومع ذلك وُوجهوا بالتخوين والتكفير، لأنهم كسروا احتكار المؤسسة الرسمية لسلطة "التأويل المشروع".

2. إصلاح من خارج المؤسسة الدينية:
طه حسين دعا إلى قراءة نقدية للتاريخ الإسلامي والتراث الأدبي، مستعينًا بمناهج حديثة.
محمد عابد الجابري قدّم مشروعًا لفحص "العقل العربي" ونقد آليات إنتاج المعرفة في التراث.
فرج فوده طالب بفصل الدين عن الدولة بشكل صريح، فواجه حملات تكفير وانتهى باغتياله.
هؤلاء لم يتكلموا كفقهاء بل كمفكرين، ومع ذلك تعرّضوا لاتهامات أشد قسوة: التغريب، الخيانة، الكفر. لأن نقدهم لم يقتصر على النصوص بل تعدى إلى بنية التحالف بين الدين والسلطة.

د. الإصلاح الديني في أوروبا: درس تاريخي
تجربة أوروبا تكشف بوضوح أن الدين حين يُحتكر من قبل السلطة السياسية والدينية معًا، يصبح الإصلاح مستحيلًا إلا عبر صدام كبير.
الإصلاح البروتستانتي (لوثر وكالفن): بدأ كمطلب لاهوتي ضد بيع صكوك الغفران وسطوة الكنيسة، لكنه تحوّل إلى ثورة اجتماعية وسياسية قلبت الخريطة الأوروبية.
الكنيسة الكاثوليكية رأت في الإصلاح تهديدًا لهيمنتها المطلقة، فلاحقت المصلحين بالحرمان والقتل.
لكن مع الزمن، أدى الإصلاح إلى فصل نسبي بين الدين والسياسة، وإلى ظهور قيم مثل حرية الضمير وحق الاختلاف.
الدروس الأوروبية مهمة للعالم الإسلامي: الإصلاح لا يضعف الدين، بل ينقذه من التكلس والارتهان للسلطة. أما الجمود فهو الذي يحول الدين إلى أداة قمع، ويُفقده بريقه في عيون الناس.

هـ. كيف يتحول الإصلاح إلى "خيانة"؟
الدولة الدينية تصنع معادلة مقلوبة:
نقد الفقه = هجوم على الدين.
نقد التراث = إضعاف الهوية.
نقد المؤسسة الدينية = تفكيك الأمة.
نقد الحاكم = خروج على الله.
وبهذا، يصبح الإصلاح – في نظر السلطة – جريمة مركبة: سياسية ودينية في آن واحد.

و. النتيجة: موت الدين الحي
حين يُمنع الإصلاح، يتحول الدين إلى قوالب جامدة. يُستعمل في الخطب والإعلام كأداة طاعة، بينما الناس يفقدون إيمانهم بجدواه. وهكذا، بدل أن يكون الإصلاح وسيلة لإحياء الدين، يصبح غيابه وسيلة لقتله. الدين يفقد روحه، ويظل قائمًا كشعار سلطوي لا كإيمان حي.



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين حين يتحول إلى أيديولوجيا قمع
- كيف تُنتج الدولة رجال دينها؟
- من الدين لله إلى الدين للسلطة
- الدين بين الرسالة والأداة
- بين التحالف والخيانة... فرقٌ كبير
- آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع
- الوجه النفسي لظاهرة وعّاظ السلاطين: الحاجة إلى الحماية بدل ا ...
- مثقفو التبرير: حين يتحول الفكر إلى أداة بيد السلطة
- تأثير الغباء الاجتماعي على الشعوب: قراءة في نظرية ديتريش بون ...
- فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية ال ...
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل
- فاجعة الكوت... حين يُستغل الألم لتصفية الحسابات
- من يصنع الجهل؟


المزيد.....




- شيخ الأزهر يرفض تجويع غزة ويدعو إلى تضامن عربي وإسلامي
- -الرئاسية لشؤون الكنائس- تدعو لنصرة أهل فلسطين وحماية أرضها ...
- من دعا من؟ خلاف يسبق لقاء البابا ورئيس إسرائيل في الفاتيكان ...
- مصر.. ساويرس ورده على -دليل إلغاء الإخوان للديمقراطية- يشعل ...
- قاليباف: على الحكومات الإسلامية اتخاذ خطوات عملية لوقف آلة ا ...
- من الحركيين إلى التقليديين: إعادة إنتاج الأفيون باسم الإسلام ...
- الكنيست يصوت على تعديل مصطلح -الضفة الغربية- إلى -يهودا والس ...
- حرب غزة وتداعياتها.. هل أثرت على الأقلية اليهودية في تونس؟
- الاضطرابات تجتاح أكبر دولة إسلامية في العالم.. فما الذي يجب ...
- الموصل تستعيد رموزها التاريخية: افتتاح الجامع النوري والحدبا ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - الدين السياسي عدو الإصلاح