أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - حقائب المال ومسرحية الحصار: كيف تُدار المعايير المزدوجة بين السلطة














المزيد.....

حقائب المال ومسرحية الحصار: كيف تُدار المعايير المزدوجة بين السلطة


سامي ابراهيم فودة

الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 18:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


في قلب المشهد الفلسطيني الممزق بين ضفّتين، تتبدى مفارقة لا تقلّ فظاعة عن الاحتلال ذاته: سلطة تُخنق مالياً رغم اعترافها بإسرائيل، ومقاومة تُتهم بالإرهاب لكنها كانت — حتى وقت قريب — تتلقى حقائب المال تحت عيون أجهزة الأمن الإسرائيلية، بل وبترتيبات مباشرة منها.

فكيف نفهم هذا التناقض الصارخ؟ وكيف تُفسَّر هذه الازدواجية في المعايير بين سلطة تتعامل بشفافية مالية خانقة، وحركة تُحاصر براً وبحراً وجواً، لكنها كانت تتغذى شهرياً عبر معبر بيت حانون، تحت رعاية أمنية إسرائيلية؟

سلطة تحت الحصار المالي... و"مقاومة" تحت إدارة محسوبة

منذ توقيع اتفاق أوسلو، اعتمدت السلطة الفلسطينية على مسارات التمويل الدولي، سواء من خلال أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل نيابة عنها، أو عبر الدعم الأوروبي والأمريكي المشروط. لكن هذه البنية المالية أصبحت بمثابة طوق خانق؛ كلما خرجت السلطة عن الخط السياسي المرسوم لها، طُوّقت اقتصادياً، وجُمّدت حساباتها، وتعرّضت لعقوبات غير معلنة.

في المقابل، تُتهم حركة حماس بأنها تدير تمويلها عبر قنوات غير تقليدية، وتُصنف ضمن قوائم الإرهاب الغربية. لكن على الأرض، وقبل اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023، كان المشهد مختلفًا تمامًا: فقد كانت الأموال تُنقل بشكل شهري من الدوحة إلى قطاع غزة عبر تنسيق رسمي، وبعلم كامل من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

كانت حقائب المال النقدي تصل إلى غزة عبر معبر بيت حانون (إيرز)، وأحيانًا بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بما في ذلك الموساد والشاباك، في مشهد لا يخلو من التناقض السياسي الفاضح. كان الهدف المُعلن هو "شراء الهدوء"، لكن الهدف غير المُعلن كان أوضح: إدارة الانقسام الفلسطيني، لا حله.

اليوم، بعد الحرب، اختلفت المعادلة، لكن ما يظل ثابتًا هو حجم التوظيف السياسي والأمني الذي كانت تمثله هذه الأموال، حين كانت تُستخدم كورقة ضغط وتحكُّم، أكثر مما كانت تمثّل استجابة حقيقية لحاجة إنسانية.

إسرائيل تُموّل خصمها... والسلطة تُعاقَب على اعتدالها!

من المثير للسخرية السياسية أن يُسمح بتمويل حماس — المصنّفة "تهديداً وجودياً" — عبر ترتيبات رسمية، بينما تُحتجز أموال السلطة الفلسطينية لأنّها تدفع لعائلات أسرى أو شهداء.

حين تدفع السلطة رواتب للأسرى، تُتهم بـ"التحريض" ويُجفف تمويلها. لكن حين تُسلَّم الحقائب لحماس، فإن الرواية تُقلب: "تهدئة"، "استقرار"، و"حفاظ على الهدوء الأمني". أي أن إسرائيل لا تمانع تمويل من تعتبرهم "إرهابيين"، إذا كان ذلك يُبقي الوضع قابلاً للإدارة… طالما أن البندقية موجهة في الاتجاه الصحيح، وطالما أن الصراع لا يتجاوز حدود غزة المحاصرة.

واشنطن تُصنّف ولا تُنفّذ: ازدواجية القرار الأمريكي

رغم أن الولايات المتحدة تصنّف حركة حماس كـ"تنظيم إرهابي" منذ عام 1997، إلا أنّها لم تُفعّل حتى اليوم أدواتها القانونية الكاملة ضد الحركة وقياداتها ورجال الأعمال المرتبطين بها، كما تفعل مثلاً مع تنظيمات أخرى في مناطق مختلفة من العالم.

لماذا لا تصدر واشنطن أوامر اعتقال بحق قادة حماس السياسيين المعروفين؟ لماذا لم تُطالب الإنتربول بملاحقتهم؟ لماذا لا تُصادر ممتلكاتهم، أو تُجمّد أصولهم البنكية في الخارج، أو تفرض عقوبات فعلية على شبكات داعميهم في القطاع الخاص العربي والدولي؟

هذه الأسئلة لا تجد إجابة واقعية، إلا في إطار الفهم السياسي الأعمق: واشنطن — مثل إسرائيل — لا تُريد تصفية حماس، بل تُريد "إدارتها"، كما تُدير بها معادلات الضغط والاحتواء، وحتى التفاوض غير المباشر. وجود حماس — ولو بحدود — يُقدّم ذريعة مستمرة لدعم "أمن إسرائيل"، وللضغط على السلطة، ولمنع أي مشروع وطني فلسطيني شامل.

بمعنى أدق: المشكلة ليست في قدرة أميركا على استهداف حماس ماليًا أو سياسيًا — بل في إرادتها لفعل ذلك.

ازدواجية مدروسة: سياسة التفكيك بدل الحل

المسألة إذن ليست في التناقض، بل في المنهج. إسرائيل لا تحارب حماس بجدّ، كما لا تدعم السلطة بصدق. هي تريد كياناً في غزة يُمسك بالشارع بقوة السلاح، دون طموح سياسي سيادي. وفي الضفة، كياناً ضعيفاً يُدير الناس ويُنسّق أمنياً، دون قدرة على فرض معادلة سياسية.

هذه الازدواجية ليست عرضية، بل جزء من استراتيجية إدارة الصراع لا حله. حين تُخنق السلطة اقتصادياً، وتُغذى حماس مالياً — ولو بحذر — فإنّ الهدف هو واحد: منع أي وحدة وطنية حقيقية تُعيد تعريف المشروع الفلسطيني ككل.

من يُراد خنقه فعلاً: المقاومة أم المشروع الوطني؟

الحقيقة التي تكشفها الحقائب المحمولة عبر بيت حانون، أن المستهدف ليس "سلاح حماس" بذاته، ولا "مواقف السلطة"، بل احتمال أن يتوحد الفلسطينيون ذات يوم في مشروع سياسي جامع — مقاوم كان أم تفاوضي — يتحدث بصوت واحد.

حينها فقط، ستُقطع الحقائب، وتُغلق الحسابات، وتُفتح ملفات "الإرهاب" و"التحريض" ضد الجميع. فالعدو الحقيقي — بالنسبة لإسرائيل وبعض دوائر الغرب — ليس الصاروخ، بل الإجماع الفلسطيني. ليس الانقسام، بل الوحدة.

في ختام سطور مقالي:

ما يحدث بين غزة ورام الله ليس مجرد خلاف سياسي داخلي، بل نتيجة مباشرة لهندسة خارجية دقيقة، تُستخدم فيها المعايير المزدوجة كسلاح لتفكيك ما تبقى من الحلم الفلسطيني. وما لم تُكسر هذه المعادلة الخبيثة، سيبقى الفلسطيني يدفع ثمن نضاله، سواء حمل بندقية أو جلس على طاولة المفاوضات.

وفي الوقت الذي تُدار فيه المعركة بالرصاص في الجنوب، وبالورقة المالية في الشمال، تبقى القضية الفلسطينية أسيرة مسرحية كبرى، أبطالها معروفون… والسيناريو يُكتب بيد الاحتلال، وتُنفذه أطراف داخلية بإرادة مشلولة، أو بعجز فرضته الوقائع.



#سامي_ابراهيم_فودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منع الرئيس محمود عباس: تصعيد أمريكي واستحضار تجربة عرفات
- الولايات المتحدة... القاتل الصامت في مجلس الأمن
- الولايات المتحدة... الراعي الرسمي للإرهاب والقاتل الصامت في ...
- رهائن العدو: بين فقه الضرورة وواقعية الميدان
- ليلى غنام... امرأة بألف راية من كرامة
- #هُنا #غَزّة…
- -حرية الأسرى... لا تُقايض بالدم، ولا تُحمل أوزار السياسة-
- بين الزبد والهلاك… من يخدع؟ ومن يقتل؟ تحليل قيادي لحركة حماس ...
- صوت الحرية في ليل السجون مروان البرغوثي
- مروان… صوت الحرية في ليل السجون
- حماس تأكل في القاهرة وتبيض في الدوحة
- -إلي الفصائل الصامتة : أنتم شركاء في قتل شعبنا-؟
- مروان البرغوثي في مرمى بن غفير: رسالة القوة الإسرائيلية واست ...
- رسالة مفتوحة وتحذير أخير إلى قيادة حركة حماس في الخارج
- فتح لا تُهان… وأبو ماهر سيبقى عنوان الوفاء والوفاء وحده!
- غفير يهدد مروان البرغوثي… والزنازين ترتجف أمام إرادة الحرية-
- مروان البرغوثي… السجين الذي هزم سجّانه وأربك دولة الاحتلال
- سراق المنازل... جُرذان في جحور الخيانة تنهش لحم شعبنا في غيا ...
- هؤلاء ليسوا فتح… وصمة عار على جبين من يبررهم
- -حين يقتل الاحتلال الصحفيين… وصمت العالم هو الرصاصة الثانية-


المزيد.....




- مشروب يكشف عن مصيرك..طقوس القهوة التركية تتحدى الزمن
- بعد استكماله فترة النقاهة.. ماجد المهندس يعود لاستئناف نشاطه ...
- هيفاء وهبي تتألق بفستان زفاف على ضفاف بحيرة كومو في إيطاليا ...
- موضة ورقص..ديمة قندلفت تخطف الأنظار بإطلالة فلامنكو اسبانيّة ...
- خوف يسود شوارع غزة.. شاهد ما حدث لحظة فرار أم مع طفليها وسط ...
- حصيلة زلزال أفغانستان ترتفع إلى 1200 قتيل وتحذيرات من تأثر م ...
- بتبني سرديتهم.. دعم ماسك لشعبويي ألمانيا في انتخابات كولونيا ...
- -لن يبقى أحد لنقل ما يحدث في غزة-.. جوناثان داغر يتحدث عن رس ...
- شركة -نستله- تقيل رئيسها التنفيذي لإقامته -علاقة عاطفية غير ...
- قرويون في أفغانستان ينتظرون المساعدات بعدل زلزال مدمر راح ضح ...


المزيد.....

- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - حقائب المال ومسرحية الحصار: كيف تُدار المعايير المزدوجة بين السلطة