أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عناد - العقل التجميعي والعقل الخلاق














المزيد.....

العقل التجميعي والعقل الخلاق


احمد عناد

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 14:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين يكتفي العقل
بأن يكون مرآة لما قيل، يبهرك بالانعكاس؛ لكن حين يجرؤ على الخلق، فإنه يصنع الأفق.

بين العقل التجميعي والعقل الخلّاق:
من صدى الماضي إلى صوت المستقبل

كثيرًا ما نصادف في محاضرة أو مقال أو حتى منشور عابر على وسائل التواصل، خطيبًا أو كاتبًا يبدأ حديثه وينهيه بعبارات منقولة: قال فلان، كتب فلان، روى فلان… حتى تتحول المادة إلى ركام من الاستشهادات والاقتباسات، كأن صاحبها يحمل مكتبة متنقلة لا عقلًا متسائلًا.
فنجد ثلثي ما يُطرح مأخوذًا من عصور غابرة ومفكرين سبقوا، بينما لا يترك المتحدث لنفسه سوى فسحة صغيرة يتنفس بها بين السطور.

هذا النمط من الطرح يعكس ما يمكن أن نطلق عليه العقل التجميعي:
عقل يكدّس المعارف ويعيد تدويرها بمهارة عرض، لكنه يفتقر إلى ذلك الوميض الذي يحوّل الفكرة إلى إضافة جديدة أو إلى قراءة مغايرة.
وكأن الغاية من الخطاب ليست إبداع معنى، بل استعراض ما قرأه أو ما حفظه من كتب ومقولات. فيغدو القارئ أو المستمع في جولة داخل مكتبة الآخرين، لكنه يخرج منها بلا جوهرة جديدة،
بلا سؤال ملحّ، وبلا أثر حقيقي.

على النقيض من ذلك، يبرز العقل الخلّاق، الذي وإن استشهد بقول أو استحضر قصة من التراث، فإنه لا يفعل ذلك إلا كجسر يقوده إلى رؤيته الخاصة او باباً فكريا يفتحه لك هنا يصبح الاقتباس مدخلًا لحوار مع الماضي، لا قيدًا يُكبّل الحاضر. فالعقل الخلّاق لا يخشى أن يضع بصمته، ولا أن يختلف مع من سبقوه. إنه يغامر ويغور في أعماق الفكرة،
بل يحفر في طبقاتها، ليقدّم خلاصة تشبهه هو،
لا أن يكون مجرد صدى لأصوات قديمة.
وهل قدم الصدى شياً يوما ً إلا طنين الآذان ولذه سريعا ما تنتهي .

ولعلّ أقرب ما يشبه هذا العقل الخلّاق هو المنهج الذي سلكه ديكارت في مشروعه الفلسفي. فديكارت أراد أن يحرر الفكر من أثقال الموروث، فوضع كل شيء موضع الشك،
حتى بدت الفلسفة أمامه صفحة بيضاء لا يُكتب فيها إلا ما يثبت بالعقل ذاته. لم يكن هدفه الهدم لمجرد الهدم، بل البحث عن يقين يُبنى عليه. وهنا يلتقي العقل الخلّاق مع الروح الديكارتية: كلاهما يرفض أن يكون مجرد ناقل أو حافظ، وكلاهما يجرؤ على تفكيك المألوف والبدء من جديد.

غير أن العقل الخلّاق لا يقف عند عتبة الديكارتية وحدها، فهو قد يتجاوزها نحو آفاق أوسع؛ إذ يقبل أحيانًا بالبقاء في فضاء الأسئلة بدل الركون إلى يقين نهائي. فالإبداع لا ينشد بالضرورة الحقيقة المطلقة، بقدر ما يسعى إلى توسيع أفق الفهم وإشعال جذوة التساؤل.

الفرق بين الاثنين جوهري:
الأول يكتفي بأن يكون ناقلًا أمينًا لما قيل،
أما الثاني فيغامر بأن يكون مبدعًا، مؤسسًا لفكرة تظل حيّة بعده.
فالتجميع قد يثير الإعجاب بكثرة الاطلاع، لكن الخلق هو ما يترك الأثر ويفتح الأفق.

ولهذا، فإن حاجتنا اليوم ليست إلى مزيد من “العقول المكتبية” التي تكدّس المراجع، وتردد ما قيل وقال فلان بل إلى عقول شجاعة تجرؤ على السؤال، وتغامر بالطرح، وتترك وراءها أثرًا يتجاوز حدود الاقتباس.
بل عقول تخلق الجديد وتقدم فلن ينفعنا من قال بل ما ينفعنا هو الفكرة الطرح الناضج والخلاق .

ويبقى السؤال: هل نرضى لأنفسنا أن نكون صدى لما قيل، أم نجرؤ أن نصبح صوتًا يضيف، ويحاور، ويخلق ما يستحق البقاء؟؟



#احمد_عناد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق في عين العاصفة الداخل المأزوم والضغط الاقليمي
- الدين بين العبادة والاخلاق وسؤال الاستغلال ج1
- استغلال الدين في الديانات الغنوصية ج2
- لا الحسين وصوت اليوم
- المثقف في مراة السؤال السقراطي
- على تخوم الانهيار هل يعيد العراق ماساة السودان
- الخرافة ..حين يستحمر العقل
- النعرات والانقسام والفرصة الاخيرة
- إيران بين نيران حرب الأيام ال 12
- الشخصية الإيرانية: عقلية البقاء وجدلية التمايز في التاريخ وا ...
- المقاومة بين المبادي والدنس
- جحيم السجون
- فليم قطار الاطفال
- حياة الماعز فليم
- العراق الاقلام ام البنادق
- كلمة الصدر وشروطها
- مؤتمر بغداد
- جبران خليل جبران، وعلي شريعتي والحمار والاستحمار
- اثر الكوبرا
- زيارة ضريف مالها وعليها


المزيد.....




- ألسنة اللهب تحوّل إحدى الكنائس إلى رماد مع اجتياح الحرائق شم ...
- تصريحات أحمد الشرع: هل قال حقاً إنه ليس امتداداً للجماعات ال ...
- أفيون الشعب في زمن الإبادة.. كيف يوظف إسلاميون الدين لإضعاف ...
- -العليا للكنائس- تحذر من خطورة مواصلة الاحتلال حفر الأنفاق - ...
- توماس فريدمان: -إسرائيل- تقود نفسها للانتحار بالهجوم على غزة ...
- المسيحيون في إسرائيل يصفون خطط السيطرة على مدينة غزة بـ«حكم ...
- الجيش الإيراني: الحكومة الـ14تسعى بعزيمة راسخة نحو تقدم إيرا ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى ويؤدون طقوسا تلمودية
- كنيسة سان جورج مركز الطائفة الأنجليكانية في القدس
- -مؤتمر غزة- يقدم إحاطة تاريخية وسياسية حول المسجد الأقصى


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عناد - العقل التجميعي والعقل الخلاق