احمد عناد
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 22:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
النعرات والانقسام… والفرصة الأخيرة
في أيامٍ يفترض أن تكون للموعظة والعبرة، تحاول بعض الأصوات – عبر الإعلام القديم والجديد، وعبر أدوات الذكاء الاصطناعي – أن تنفخ في الرماد لتُشعل نيران الطائفية من جديد.
أقول “الرماد” لأنني أؤمن أن جذور الفتنة في مجتمعاتنا ليست جذورًا حيّة بالمعنى الكامل، لكنها قابلة للاشتعال كلما أمدّها الجهل بالحطب، وحرّكها التعصب بالعصا.
نحن لا نستطيع قلع الطائفية من جذورها بسهولة، لكنها ليست قدَرًا أبديًا. نستطيع أن نخمد نيرانها – أو على الأقل نمنعها من التمدد – بسلاحٍ واحد: التنوير.
وليس التنوير حديثًا علينا. لقد بدأ في أوروبا منذ أن اخترع “يوهان غوتنبرغ” آلة الطباعة في العام 1440، ليبدأ معها عصر جديد: عصر الكلمة المطبوعة، وتداول المعرفة، وانكسار احتكار الكنيسة للمعرفة. آلة واحدة كانت كفيلة بتغيير مسار القارة، لأن عقولًا شجاعة أحسنت استخدامها، ومنهم الشاب الراهب “مارتن لوثر”، الذي ترجم الكتاب المقدّس من اللاتينية إلى لغة الناس، ففهم الشعب، فثار، فنهض.
بالمقابل، في بلادنا، لم تدخل أول مطبعة إلا بصعوبة، وحوربت، بل حُرّمت في بعض فتاوى ذلك الزمان، لأن “اسم الجلالة لا يُطبع بآلة من صنع البشر”، هكذا قيل. دخلت المطبعة ديرًا مسيحيًا في الشام أولًا، ثم تأخرت قرونًا لتنتشر، بينما كانت أوروبا قد تجاوزت عصر الإصلاح، وبدأت تبني العقل الحديث.
واليوم، يقف بين أيدينا الإنترنت، ومعه الذكاء الاصطناعي، كأداة لا تقل أهمية عن المطبعة، وربما تفوقها خطرًا وأثرًا. فهل نحسن استخدامها؟ هل نسمح لها أن تكون سلاح تنوير لا أداة تحريض؟
تتكرر عندي صورة المقارنة: كانت المطبعة في زمن الظلام أداة لتحرير العقل الأوروبي. واليوم، يمكن للإنترنت – لو استُخدم بعقل متنور – أن يكون أداتنا للتحرر من الجهل والطائفية والانقسام.
لكن هناك فرقًا كبيرًا: لم يكن في زمن غوتنبرغ و”لوثر” سوى أفراد قلائل قادوا التغيير. أما اليوم، فكلّ فرد يمكن أن يكون “لوثر” في محيطه، إن هو وعى الرسالة.
فلنتوقف عن انتظار “منقذ”، ولنفكر:
هل ننتظر مارتن لوثر جديد؟ أم نكون جميعًا مارتن؟
#احمد_عناد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟