أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عناد - المثقف في مراة السؤال السقراطي














المزيد.....

المثقف في مراة السؤال السقراطي


احمد عناد

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين جلد الذات وواجب النقد: المثقف في مرآة السؤال السقراطي
الجزء الثاني

في النقاشات العامة، ما إن يرتفع صوت المثقف ناقدًا السلطة أو مفككًا البنية الاجتماعية، حتى يتهمه البعض بممارسة “جلد الذات”. تتكرر العبارة حتى صارت تُستدعى كدرعٍ نفسيّ كلما بدا النقد صريحًا، أو كلما تجرّأ المثقف على القول بأن الخلل لا يكمُن في الحاكم وحده، بل في القابلية للاستبداد، في الوعي الجمعي، وفي تكرار العادات التي تُعيد إنتاج المأزق ذاته.

لكن: ما وظيفة المثقف أصلاً؟
هل عليه أن يُقدّم حلولًا عملية؟ أم أن مهمته هي التشخيص ووصف الواقع وتحليل جذوره؟ وهل يُعدّ نقد المجتمع جريمة، بينما نقد السلطة بطولة؟ أم أن الحقيقة لا تُجزَّأ، ولا تتحقق إلا بمساءلة الاثنين معًا؟
المثقف كضمير… لا كمهندس

منذ البدايات الأولى للفكر الإنساني، كان المثقف هو “صاحب السؤال”. سقراط، الذي اعتُبر أب الفلسفة الغربية، لم يكتب كتابًا واحدًا، ولم يقدّم “حلولًا” بالمعنى التقليدي. كان يثير الأسئلة ويقلب البداهات، ويجعل محاوريه يكتشفون جهلهم، فيغضبون. لم يكن يقترح “خطة إصلاح” لأثينا، لكنه حرّك جذور العقل الأثيني ففتح أفقًا جديدًا للوعي.

هنا تكمن المفارقة: المثقف ليس سياسيًا تنفيذيًا ولا مهندسَ برامج. إنّه كاشف العطب، واضع الأصبع على الجرح، محرّك القلق النبيل الذي يولّد البحث عن بدائل. وظيفته أن يشخّص، أن يحذّر، أن يكشف البنى المستترة خلف الظواهر. وهو إذ يفعل ذلك، يقوم بما يمكن تسميته – بلا مبالغة – “دينًا وطنيًا” عليه: واجب الحقيقة.
“جلد الذات” أم فضيلة الاعتراف؟

ما يُسمّى “جلد الذات” غالبًا ما يُستخدم لتكميم الأفواه. يُراد به أن يبقى النقد موجَّهًا للسلطة فقط، لا للمجتمع، ولا للوعي السائد. لكن الحقيقة أن الاعتراف بالخلل الذاتي فضيلة كبرى، لأنه يفتح الباب لمحاسبة النفس قبل محاسبة الآخر.
في المقابل، هناك شكل مَرَضي من جلد الذات: حين يتحوّل النقد إلى إدانة مطلقة تُنكر أي إمكانية للنهوض، فتشيع اليأس وتُنتج قناعة عمياء بأننا “غير قابلين للإصلاح”. هنا يفقد النقد روحه الإصلاحية ويتحوّل إلى عبء.
التحدي إذن: أن نُمارس نقدًا صادقًا بلا تبرير، لكن دون أن نسقط في الإحباط الشامل أو نخسر الأمل بالتحوّل.
مسؤولية المثقف أمام السلطة وأمام المجتمع
• أمام السلطة: المثقف هو شاهد الحقائق، الذي يرفض أن يتحول إلى بوق أو مروّج للأكاذيب. صمته خيانة للمعرفة التي يحملها.
• أمام المجتمع: المثقف ليس وصيًا على الناس، لكنه مسؤول عن إيقاظ الوعي الكامن فيهم. أن يفتح أسئلة تُقلقهم بدل أن يوزع شعارات تُخدّرهم.
لهذا، فإن مطالبة المثقف دائمًا بـ”الحلول الجاهزة” تُفرغه من جوهره؛ فالحلول تُصاغ عبر وعي جمعي وحوار مجتمعي واسع، بينما دور المثقف هو إشعال الشرارة التي تُحرّك هذا الحوار.
المثقف بين سيفين: السلطة والجمهور

تاريخيًا، المثقف ملاحَق من جهتين:
• السلطة تخشاه لأنه يفضح بنيتها العارية.
• والجمهور يهاجمه حين يعكس لهم عيوبهم في المرآة.

هكذا انتهى سقراط إلى السم، ودفع الحلاج حياته على المشنقة، واضطهد غاليليو حتى تراجع عن قوله بدوران الأرض. المثقف، في كل زمان، محكوم بهذا المصير: أن يُدفع ثمن سؤاله الحر.

لماذا النقد ضرورة وجودية؟
المجتمعات التي تخشى النقد تظل أسيرة لأخطائها. النقد هو أولى درجات التحرر، لأنه يعرّي ما هو مستتر ويمنح اللغة لما هو مسكوت عنه. وكما قال نيتشه: “ما يُسمّى بالحقائق ليست سوى أوهام نسينا أنها أوهام”، والمثقف هو من يذكّرنا بذلك النسيان.

النقد إذن ليس ترفًا، ولا مجرد رأي؛ هو شهادة أخلاقية وشرط للنهضة. أن نرى القبح كي نبحث عن الجمال، أن نسمّي الأخطاء كي نستطيع تجاوزها.

الخاتمة: السؤال الذي لا يموت
المثقف الحقيقي لا يملك رفاهية الصمت، ولا يملك وهم الإجابة النهائية. إنّه يعيش بين السؤال والقلق، بين الحب والواجب، بين الانتماء والنقد. فإذا صمت خان الحقيقة، وإذا بالغ في جلد الذات خان الأمل.
ربما لهذا بقي سقراط خالدًا: لأنه طرح أسئلة جعلتنا نفكّر في أنفسنا قبل أن نفكّر في العالم. وهذا هو جوهر وظيفة المثقف: أن يُعيدنا إلى السؤال الأول… أن نعرف أنفسنا



#احمد_عناد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على تخوم الانهيار هل يعيد العراق ماساة السودان
- الخرافة ..حين يستحمر العقل
- النعرات والانقسام والفرصة الاخيرة
- إيران بين نيران حرب الأيام ال 12
- الشخصية الإيرانية: عقلية البقاء وجدلية التمايز في التاريخ وا ...
- المقاومة بين المبادي والدنس
- جحيم السجون
- فليم قطار الاطفال
- حياة الماعز فليم
- العراق الاقلام ام البنادق
- كلمة الصدر وشروطها
- مؤتمر بغداد
- جبران خليل جبران، وعلي شريعتي والحمار والاستحمار
- اثر الكوبرا
- زيارة ضريف مالها وعليها
- نطنز بين الكهرباء والاستهداف الاسرائيلي
- 20مليار دولار
- فتيان تشرين تكسر التابوه
- حوار متقاعد مع شاب
- الخمر وتفجير محلات بيعها


المزيد.....




- ترامب يعلن تبرعه براتبه لتمويل تجديدات البيت الأبيض: -ربما أ ...
- ترامب يقول إن لقاء ويتكوف مع بوتين كان -مثمرًا للغاية-
- مجددًا الدعوة لنزع السلاح من الخرطوم.. قائد الجيش السوداني ي ...
- هل يتجنّب الجيش الإسرائيلي قتل المدنيين؟ إحصاء يظهر أرقاماً ...
- في اتّصال مع القادة الأوروبيين.. ترامب يكشف عن خطة للقاء بوت ...
- سموتريتش لا يهمه سكان غزة ويريد خنقها وتدمير حماس لتحقيق الن ...
- تحذيرات من سباق تسلح نووي عالمي جديد
- ماكرون يدعو إلى مزيد من -الحزم- مع الجزائر
- تايمز: الجيش البريطاني كلف شركة بالتجسس في غزة
- اتهامات متبادلة وتحذير من -وضع خطير- بسبب سلاح -حزب الله-


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عناد - المثقف في مراة السؤال السقراطي