أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عناد - الدين بين العبادة والاخلاق وسؤال الاستغلال ج1














المزيد.....

الدين بين العبادة والاخلاق وسؤال الاستغلال ج1


احمد عناد

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 14:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين بين العبادة والأخلاق… وسؤال الاستغلال
الجزء الاول

الدين، في جوهره الأصيل، ليس طقوسًا فحسب ولا شعائر متكررة على سجادة الصلاة أو أمام مذبح العبادة، بل هو لغة أعمق تربط الإنسان بما وراء وجوده. إنه البوصلة التي توجه القلب نحو السكينة، وتفتح للإنسان بابًا للمعنى في عالم يزداد قلقًا واضطرابًا.

الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط رأى أن الأخلاق تترسخ حين يشعر الإنسان بالواجب تجاه ذاته والآخرين، وأن الدين يعمّق هذا الشعور فيجعله التزامًا داخليًا لا مجرد عرف اجتماعي. وفي ذات المعنى، يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع): “إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر”، ليدلنا أن العبادة ليست معزولة عن الأخلاق، بل هي تهذيب للنفس وانعكاسها في الواقع.

ولعل ما ذهب إليه غاندي يضيء هذا البعد الإنساني حين قال: “الأديان الحقة جميعها تعلمنا السيطرة على النفس، وتجعلنا نقترب من الحقيقة، وتزرع فينا روح الخدمة والتسامح”. فالدين، متى تحرر من التعصب والاستغلال، يصبح منبعًا للسلام والعدل والمحبة.

غير أن تاريخ البشرية لم يخلُ من تشويه هذا الجوهر. فقد استُخدم الدين في مختلف الحضارات والديانات كوسيلة للهيمنة السياسية أو الاقتصادية أو حتى العسكرية. ومن هنا يتجلى السؤال الفلسفي: هل الخلل في الدين ذاته، أم في تأويل الإنسان الذي يلبسه ثوب مصالحه؟

استغلال الدين في اليهودية

في التاريخ القديم، تحوّل الدين اليهودي من رسالة أنبياء تدعو للعدل والتوحيد إلى ذريعة للتمييز والانعزال. النصوص التوراتية وظّفها بعض الكهنة لإعلاء شأن “شعب الله المختار”، مما أفرز نزعة تفوّق ديني وقومي. وحتى اليوم، تُستغل بعض النصوص لتبرير الاستيطان والهيمنة في فلسطين. وهنا نجد مثالًا على كيفية تحوير النص المقدس ليخدم مشروعًا سياسيًا قوميًّا على حساب قيم العدل التي بشرت بها النبوات.

استغلال الدين في المسيحية

أما في المسيحية، فقد تحوّل الصليب، رمز التضحية والمحبة، إلى شعار للحروب الصليبية التي سُفكت باسمها دماء لا تحصى. في العصور الوسطى، استغل رجال الكنيسة سلطتهم الروحية لفرض سيطرة زمنية، فبيعت “صكوك الغفران” مقابل المال، مما حوّل الخلاص إلى سلعة تجارية. حتى الفيلسوف فولتير علّق ساخرًا: “لم يُسفك دم في التاريخ كما سُفك باسم الدين”. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن ذات المسيحية ألهمت القديسين مثل فرنسيس الأسيزي ومارتن لوثر كينغ لاحقًا، ليجعلوا منها دعوة للتحرر والمحبة.

استغلال الدين في الإسلام

وفي الإسلام، الدين الذي بدأ ثورة على الظلم الاجتماعي ونداءً للعدل والمساواة، لم يسلم هو الآخر من التوظيف السياسي. منذ الصراع على الخلافة بعد وفاة الرسول، وحتى عصور الدولة الأموية والعباسية، تم توظيف النصوص الدينية لتبرير الحكم المطلق وقمع المعارضة. في العصر الحديث، استُغل الإسلام لتعبئة الجماهير في صراعات طائفية، أو لتبرير الإرهاب، وهو ما أساء إلى جوهر رسالته القائمة على الرحمة: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.

مقارنة ختامية

إذا تأملنا المشهد، نرى أن استغلال الدين ليس حكرًا على ديانة بعينها، بل هو ظاهرة بشرية تتكرر حيثما يلتقي النص المقدس مع شهوة السلطة. في اليهودية جرى توظيف العقيدة لإنتاج نزعة تفوق قومي؛ وفي المسيحية تحوّل الخلاص إلى تجارة وحروب؛ وفي الإسلام أُقحم الدين في صراعات الحكم والسياسة.

المشترك بين هذه التجارب أن النصوص في جوهرها تحمل قيمًا سامية، لكن الإنسان، حين يقرأها بعين المصالح، يحوّلها إلى سلاح. وكما يقول الفيلسوف سورن كيركغارد: “المشكلة ليست في المسيحية ذاتها، بل في أولئك الذين لم يعيشوها حقًا”. ويمكن إسقاط هذا القول على كل الأديان: العيب ليس في الدين، بل في من يتعامل معه كأداة سلطة لا كرسالة خلاص.

نحو قراءة متحررة

يبقى التحدي الفلسفي والإنساني: كيف نحمي الدين من الاستغلال؟ ربما يكمن الحل في استعادة جوهره الأخلاقي والروحي، وفصل قدسيته عن صراعات السلطة. فحين نعيد الدين إلى مكانه الطبيعي — بوصلةً للمعنى، ومصدرًا للأخلاق، وجسرًا للمحبة — يتحرر من الأقنعة التي يلبسها المستغلون، ويعود كما أرادته السماء: طريقًا للإنسان نحو إنسانيته



#احمد_عناد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استغلال الدين في الديانات الغنوصية ج2
- لا الحسين وصوت اليوم
- المثقف في مراة السؤال السقراطي
- على تخوم الانهيار هل يعيد العراق ماساة السودان
- الخرافة ..حين يستحمر العقل
- النعرات والانقسام والفرصة الاخيرة
- إيران بين نيران حرب الأيام ال 12
- الشخصية الإيرانية: عقلية البقاء وجدلية التمايز في التاريخ وا ...
- المقاومة بين المبادي والدنس
- جحيم السجون
- فليم قطار الاطفال
- حياة الماعز فليم
- العراق الاقلام ام البنادق
- كلمة الصدر وشروطها
- مؤتمر بغداد
- جبران خليل جبران، وعلي شريعتي والحمار والاستحمار
- اثر الكوبرا
- زيارة ضريف مالها وعليها
- نطنز بين الكهرباء والاستهداف الاسرائيلي
- 20مليار دولار


المزيد.....




- فيديو.. إصابات في إطلاق نار في حي يهودي في نيويورك
- يسرائيل هيوم: أنباء عن 7 مصابين في حادث إطلاق نار بحي يهودي ...
- 3 قتلى في إطلاق نار بحي يهودي في نيويورك
- راهبة أمريكية: حماس حركة مقاومة تدافع عن شعبها.. والمسيحيون ...
- الاحتلال يغلق مدخل سلفيت الشمالي
- الحاخام الأكبر لليهود السفارديم في -إسرائيل- يهاجم نتنياهو و ...
- كنائس بروتستانتية تدعو الحكومة الهولندية للاعتراف بدولة فلسط ...
- الرئيس السوري يؤكد دور الكنيسة في ترسيخ أواصر المواطنة والوح ...
- إيهود باراك: نتنياهو يكذب كما يتنفس.. وترامب لا يفهم شيئا في ...
- راهبة أميركية: حماس حركة مقاومة والمسيحيون يعانون بسبب الاحت ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عناد - الدين بين العبادة والاخلاق وسؤال الاستغلال ج1