أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم














المزيد.....

الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 11:04
المحور: قضايا ثقافية
    


في عمق النصوص الأدبية العربية القديمة، بين قصائد الغزل والملاحم والنثر الحكمي، تختبئ أصوات لم تُسمع إلا بصعوبة، أو سُجلت بطريقة تقيّد حقيقتها، فتصبح المرأة رمزًا أو فكرة أكثر من كونها كاتبًا وصوتًا مستقلًا. في الشعر الجاهلي، نجد أسماء نساء تتردد بين السطور، لكنهن غالبًا ما يُستخدمن لتزيين صورة الرجل أو إبراز مكانة قبيلته، أو لإضفاء حسّ من الرومانسية على نصوص تتحدث في معظمها عن الشجاعة والبطولة والنسب، بينما تبقى التجربة النسائية المباشرة مخفية، أو منقولة عبر مشاهد قصيرة تهمش إرادتها وتغطي على مشاعرها الحقيقية.عندما نفتح المخطوطات العباسية، أو نقرأ الرسائل والمراسلات، ندرك أن المرأة كانت تكتب، وكانت صانعة للكلمة، لكنها فقدت في تدفق التاريخ الأدبي. فكل رسالة مكتوبة من قبل امرأة، كل بيت شعري تُرجم إلى سرد ذكوري، كان يُعرض كحاشية على النص الكبير الذي كتبَه الرجال. ومع ذلك، تبقى في هذه السطور الضيقة إشارات دقيقة إلى حياتها، إلى مشاعرها، إلى تحرّكاتها في مجتمع يضعها دومًا في حدود معينة. إنها أصوات تحتاج إلى من يُعيد قراءتها بعين ناقدة، عين تبحث في المساحات الصغيرة عن حكاية أكبر، عن تجربة إنسانية كاملة لم تُعرض كما هي.إن قراءة الشعر الغزلي القديم تكشف لنا نماذج متعددة: نساء يُذكرن في صلب النصوص لتأكيد فضائل الرجل أو حُسن نسبه، نساء يُستخدمن كرموز للحنين والجمال، وهن في الواقع يحملن أرواحًا حقيقية، تجارب عاطفية مكتومة، مشاعر تتحدى القيود، رغبات لم يُسمح لها بأن تتحرر. وبالعودة إلى النثر الحكمي أو القصصي، نرى المرأة في القصص على شكل حكاية تعليمية أو عبرة، بينما يمكن للقراء اليوم أن يتلمسوا خلف هذه الرموز شخصية ذات صوت حقيقي، عقل مفكر، مشاعر متناقضة، وأحلام كانت تُقيد في صمت الكلمات.
النقد الأدبي التقليدي لم يمنح هذه الأصوات المساحة الكافية للتحليل، ولم يسعَ لاستكشاف التجربة النسوية الحقيقية في الأدب العربي القديم. الدراسات التي تناولت النساء كانت غالبًا تاريخية أو اجتماعية، ولم تركز على الأدوات النصية والبلاغية التي تكشف عن الشخصية النسائية الحقيقية، عن حضورها العقلي والفني، عن تحدياتها في التعبير عن نفسها في ظل هيمنة الرجل على المجال الأدبي. ومن هذا المنظور، تصبح إعادة قراءة النصوص القديمة عملًا نقديًا وفلسفيًا معًا، لأننا لا نعيد فقط اكتشاف امرأة ضائعة، بل نعيد صياغة فهمنا لتاريخ الأدب، لفكرة السلطة، ولتجربة الإنسان في مجتمعه.تتخلل النصوص إشارات دقيقة، أحيانًا مجرد كلمة أو تشبيه، تكشف عن شخصية نسائية فاعلة، عن مشاعرها في الحب والحياة اليومية، عن اعتراضها الصامت على القيود، وعن حضورها الفكري في المجتمعات التي حاولت تقييدها. إن استعادة هذه الأصوات يمنحنا فرصة لإعادة الاعتبار لمكانة المرأة في التاريخ الأدبي، ويعيد إليها أبعادها الإنسانية والثقافية، بحيث تصبح جزءًا من فهمنا للنصوص القديمة، وليس مجرد انعكاس لرؤية الرجال.
الأصوات الضائعة ليست فقط ما فُقد من كتب أو قصائد، بل هي تجربة تاريخية وثقافية وفلسفية، إذ تحمل معها دروسًا عن العلاقة بين الجنسين، عن السلطة، عن السلطة على الكلام وعن كيفية تحويل التجربة الحقيقية إلى تمثيل يخدم أهدافًا اجتماعية وسياسية محددة. وهذا يجعل القارئ اليوم يختبر تجربة مزدوجة: تجربة قراءة الماضي، وتجربة مواجهة الواقع المعاصر الذي ما زالت فيه النساء يسعين لإيجاد أصواتهن الحرة والمستقلة.ومن هنا، يظهر دور الصحافة الأدبية والنقد الأدبي في كشف هذا التاريخ الضائع. فالكتابة عن أصوات المرأة القديمة ليست مجرد تحليل أكاديمي، بل رحلة في أعماق التجربة الإنسانية، بحث عن الحنين والتمثيل والحرية، محاولة لإعادة تركيب صورة المجتمع من الداخل، وفهم كيف تأثرت النصوص والموروث الثقافي بالهيمنة الذكورية، وكيف يمكن اليوم أن تعيد القراءة هذه التجربة إلى نصابها الصحيح، حتى تصبح المرأة صاحبة صوت مستقل لا يُقهر.في كل نص، في كل مخطوط، وفي كل سطر يُقرأ بعين ناقدة، نجد فرصة لفهم ما لم يُكتب بعد، ما لم يُسمع بعد، ما لم يُعطَ مساحته الكاملة من التعبير. وفي هذا الكشف، يتحول النقد الأدبي من مجرد تحليل إلى رحلة إنسانية وفكرية، رحلة تتجاوز حدود الكلمات لتصل إلى صميم التجربة البشرية، حيث تلتقي الأصوات المفقودة مع الحاضر، وتعيد لنا الوعي بأهمية تمثيل كل الأصوات في الأدب، لأن الحضارة الأدبية الحقيقية لا تكتمل إلا عندما تُعطى كل تجربة حقها في الكلام.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغزو بالصناديق أم بالصوارم؟ حينما يتحول الإعلامي إلى -طبّال ...
- بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..
- عبثُ الكراسي وضياعُ الوطن
- على حافة القيامة: الحرب المؤجلة بين أمريكا وإيران
- المقاهي الشعبية المصرية… أرشيف الأرواح وذاكرة الحكايات
- العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع
- لهيب العِشْق
- لعنة الذيول-
- حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة
- أنفاسكِ سَكني
- في قلب الجرح والحب
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي
- من المعلقات إلى المكتبات: رحلة خالد اليوسف في سطور الوطن
- غزال الروح
- ماريا تيريزا ليوزو… سيدة الحرف المترف بين زيتون كالابريا وعب ...
- يا غيمةً
- -العراق.. وطنٌ يضيء بالوعود وينطفئ بالابتسامات-


المزيد.....




- وسط مجال رؤية شبه منعدم.. جدار شاهق من الغبار يبتلع مناطق بأ ...
- الإمارات: إحالة مجموعة من مستخدمي وسائل التواصل للنيابة بسبب ...
- من هم أبرز الصحفيين الذين قُتلوا في حرب غزة منذ عام 2024؟
- سوريا وإسرائيل: بين التسريبات والنفي، تكهنات تُطرح حول مستقب ...
- -قتل إسرائيل للصحفيين هو إسكات مخزٍ للتغطية الإعلامية لأحداث ...
- ميرتس: ألمانيا لن تعترف بدولة فلسطينية مستقلة في الوقت الحال ...
- التصحر يهدد واحات المغرب.. والمزارعون يبحثون عن حلول صديقة ل ...
- طارق وهبي: طلب بايرو من البرلمان الفرنسي التصويت على الثقة ب ...
- النووي الإيراني: محادثات جديدة بين إيران والترويكا الأوروبية ...
- واشنطن تؤكد دعم تمديد مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان لعام إضاف ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم