أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الالتفاف على قرار التأميم: من منجز تاريخي إلى ريع تابع














المزيد.....

الالتفاف على قرار التأميم: من منجز تاريخي إلى ريع تابع


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 02:49
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


شكّل قرار تأميم النفط عام 1972 محطة مفصلية في التاريخ الاقتصادي العراقي. لأول مرة جرى انتزاع السيطرة المباشرة على الثروة النفطية من أيدي الشركات الاحتكارية الأجنبية، وانتقلت الملكية والإدارة إلى الدولة الوطنية. هذا لم يكن منّة من نظام سياسي بعينه، بل كان تعبيرًا عن موازين قوى دولية ومحلية سمحت بتمرير مشروع سيادي – له طابع تقدمي نسبيًا – وإن ظل محكومًا بحدود الدولة الريعية التابعة.

لقد ساهم التأميم في تطوير البنى الإنتاجية الصناعية والزراعية، بالإضافة إلى رفده الكبير لمجال الخدمات، وبناء التعليم على كافة مستوياته. لكن على الرغم من هذه المنجزات، لم يخرج العراق من أسر البنية الريعية. لم يتحوّل النفط إلى رافعة لتأسيس اقتصاد صناعي متكامل، بل استُخدم في الغالب لتمويل جهاز الدولة ومشاريع عمرانية وخدمية بقيت رهينة الأسعار العالمية والتقلبات في السوق الرأسمالية. أي أن النظام السابق بدوره لم ينجح في تجاوز التناقض الأساسي: تحويل الريع النفطي إلى قاعدة لإنتاج مستقل ومتنوع.

كيف جرى الالتفاف على التأميم؟

بعد 2003، عادت الشركات الأجنبية لتفرض حضورها في العراق، لكن هذه المرة ليس عبر الامتيازات الاستعمارية القديمة، بل عبر عقود خدمة طويلة الأجل قُدّمت كبديل "حديث" لا يتناقض مع التأميم. في الواقع، كان هذا هو الالتفاف الحقيقي: الدولة تبقى مالكة للنفط على الورق، لكن التطوير والإدارة والتسويق تنتقل فعليًا إلى الشركات متعددة الجنسيات.

السلطة الحاكمة برّرت ذلك بجملة مبررات: نقص التكنولوجيا، الحاجة إلى التمويل، ضرورة رفع الإنتاج، والانفتاح على السوق العالمية. غير أن هذه الحجج سرعان ما تتهاوى أمام حقيقة واحدة: لم تُبذل أي محاولة جدية لبناء قدرة وطنية مستقلة، بل جرى تفريغ القطاع الوطني من كفاءاته وتحويله إلى مجرد شريك ثانوي للشركات الأجنبية.

ما الذي كان ممكنًا؟

من منظور اقتصادي بحت، كان بالإمكان صياغة بدائل واضحة:

إعادة إحياء شركة النفط الوطنية العراقية لتقود التطوير.

إدراج شروط ملزمة في العقود لنقل التكنولوجيا وتدريب آلاف المهندسين.

تأسيس صندوق سيادي يموّل البحث العلمي والصناعة النفطية.

شراء التكنولوجيا كخدمة لا كوسيلة لإعادة الشركات إلى موقع السيطرة.

غياب هذه البدائل لا يُفسَّر بالقصور الموضوعي وحده، بل يكشف طبيعة الخيارات الطبقية للنظام الجديد: تكريس التبعية بدل بناء الاستقلال.

الريع بين مرحلتين

من زاوية ماركسية، يمكن القول إن النفط في مرحلة التأميم كان ريعًا وطنيًا جزئيًا: يتركز بيد الدولة، ويُعاد توزيعه داخليًا، وإن بطرق مشوهة وغير عادلة. أما في مرحلة ما بعد 2003، فقد تحوّل الريع إلى ريع تابع: جزء معتبر من فائض القيمة يتسرّب مباشرة إلى الخارج عبر عقود الشركات، فيما يُستخدم ما يتبقى لإدامة سلطة المحاصصة والطبقة الطفيلية المحلية.

ملحق: الإيرادات النفطية بين الواقع والفرض

في عام 2024، أوضحت بيانات وزارة المالية أن الإيرادات العامة بلغت نحو 140.8 تريليون دينار (~99.6 مليار دولار)، منها 127.5 تريليون دينار (~90.2 مليار دولار) من النفط، أي نحو 91% من الإجمالي. كما كشف تقرير آخر أن الإيرادات خلال 11 شهرًا من 2024 تجاوزت 135.3 تريليون دينار (~103.3 مليار دولار)، منها 119.3 تريليون دينار (~91.1 مليار دولار) نفطيًّا (~88%). وهناك تعامل رسمي قدر أن إجمالي عائدات النفط لعام 2024 بلغ 95.5 مليار دولار، نتيجة تصدير نحو 3.35 مليون برميل يوميًا.

مقارنةً بما كان ممكنًا:

تفادي خسارة 10–15% من العوائد الحالية لصالح عقود الخدمات الأجنبية (ما يعادل 9–15 مليار دولار سنويًا).

زيادة الإنتاج بمقدار 0.5–1 مليون برميل يوميًا إضافيًا (إضافة 15–25 مليار دولار إضافية سنويًا).

بالتالي، العوائد الفعلية التي قدّرت بـ 90–95 مليار دولار كانت ممكن أن ترتفع إلى 115–130 مليار دولار أو أكثر، وربما 150 مليار دولار في سنوات ذروة الأسعار.

الفارق ليس فقط رقميًا، بل خيار تاريخي: العودة إلى الريع الوطني الحقيقي وتعزيز السيادة عبر استثمار النفط كرافعة للتنمية، لا كدخل تابع.

نحو مشروع وطني جديد
إن الدرس الأساسي من هذه التجربة المزدوجة هو أن السيادة النفطية لا تُختزل في "ملكية الدولة" على الورق، بل تُقاس بمدى قدرة المجتمع على التحكم بفائض القيمة الناتج عن النفط وتوجيهه نحو بناء اقتصاد منتج ومتنوع. ولذلك، فإن أي مشروع وطني جديد يجب أن يقوم على:

1. إعادة الاعتبار للسيطرة الوطنية، عبر إعادة بناء مؤسسات النفط الوطنية.

2. اشتراط نقل التكنولوجيا والتدريب في أي تعاون مع الشركات الأجنبية.

3. إنشاء صندوق سيادي للتنمية يربط استثمار النفط بالصناعة والزراعة والبحث العلمي.
4. الشفافية والمحاسبة في إدارة الريع النفطي، لتفكيك سلطة الطفيليات الريعية.
بهذا وحده يمكن تحويل النفط من لعنة ريع وتبعية إلى رافعة سيادة وتنمية، وتجديد مضمون التأميم لا كذكرى تاريخية، بل كمشروع تحرري معاصر.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الفائض والريع: تحليل اقتصادي سياسي للمقارنة بين الاشتراكية ...
- -الفائض والريع: تحليل اقتصادي سياسي للمقارنة بين الاشتراكية ...
- التحول الأنتي-إمبريالي في الدولة الريعية
- قمة ألاسكا : من فراغ علني إلى صفقة كبرى
- أمميه النضال الطبقي في الاقتصاد الريعي
- أعطني شرطياً نزيهاً.. وأضمن لك حصار السلطة الفاسدة
- (المشاية) إلى كربلاء وحج سانتياغو: رحلة نحو المقدس عبر العصو ...
- الاقتصاد الرقمي: ذروة تطور الرأسمال وانكشاف عبودية القرن الح ...
- توسع ميدان الصراع الرأسمالي في عصر الاقتصاد الرقمي: من الموا ...
- -الاقتصاد الرقمي والإنتاج السلعي: إعادة تأكيد الدور المركزي ...
- الاقتصاد الرقمي كامتداد لرأس المال: نقد إسقاطات الصراع الطبق ...
- ممر زنغزور: المشهد، الأطراف، والمصالح
- اللعبه الكبرى....سيرورة العالم الدولي الجديد
- التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي : لعبة توازنات أم خرق ست ...
- التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي: لعبة توازنات أم خرق است ...
- التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي: لعبة توازنات أم خرق است ...
- سكونية الاقتصاد الريعي الخليجي وتجميد التناقضات الطبقية
- هل أفلت النظرية الثورية الماركسية في الاقتصاد الريعي
- قوة العمل بين الاقتصاد السلعي والاقتصاد الريعي: في تشوّه الد ...
- حزب الدعوة: المنظمة الغامضة


المزيد.....




- الحزب الشيوعي العراقي: نحو إجماع وطني للأنهاء الكامل لأي وجو ...
- الفصائل الفلسطينية في لبنان تنفي بدء تسليم سلاح المخيمات
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل 8 متظاهرين ضد الحرب على غزة في حيفا ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل 8 متظاهرين في حيفا احتجوا ضد الحرب ...
- كاتبة سودانية: المرتزقة الكولومبيون بدارفور خانوا إرث بوليفا ...
- جيش لبنان يبدأ تسلم سلاح الفصائل الفلسطينية في مخيم برج البر ...
- السلطات اللبنانية تبدأ عملية تسلم أسلحة من مخيمات فلسطينية ب ...
- حزب اليسار يستبعد نائبين برلمانيين
- بيان ثلاثة أحزاب شيوعية عمالية في المنطقة:
- نظام الجباية يخلي سبيل ماهينور بكفالة 50 ألف جنيه


المزيد.....

- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الالتفاف على قرار التأميم: من منجز تاريخي إلى ريع تابع