رياض سعد
الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 22:14
المحور:
قضايا ثقافية
في الأسطورة اليونانية، كان "بروكرست" يفرض على ضحاياه قالبًا حديديًا واحدًا، فيقطع أطرافهم أو يمدد أجسادهم بالقوة حتى تتناسب مع مقاس سريره... ؛ لم يكن الهدف تحقيق العدل أو التوازن، بل إرضاء جنون فكرةٍ مسبقة، وإخضاع الجميع لمعيار واحد لا يعترف بالاختلاف ولا يقر بالتنوع .
العراق كان ولا زال يعيش نسخته الخاصة من "البروكرستية"، لكنها ليست حكاية عن رجل في غابة أثينا، بل عن قوى سياسية ودينية واجتماعية متزمتة، نصبت لنفسها أسِرّة حديدية من الأفكار والمقاييس الجامدة... ؛ و هذه القوى لا ترى في المجتمع تنوعًا حيًّا ولا فسيفساء إنسانية، بل ترى قوالب يجب أن تُملأ بالقوة؛ فمن لم يتناسب مع مقاس "السرير" الفكري أو المذهبي أو الحزبي، جرى "قطع" عقله أو إرادته أو لقمة عيشه، أو يتم "تمديده" قسرًا عبر التلقين والضغط والتهديد حتى يتمزق داخليًا...
البروكرستية في العراق تتجلى في محاولات صبّ كل الأفراد في قوالب طائفية، حزبية، أو قبلية محددة سلفًا ... ؛ بحيث يصبح الانتماء أهم من الكفاءة، والولاء أهم من النزاهة، والتشابه أهم من الإبداع... ؛ وهكذا، يُقصى المختلفون، وتُخنق الأصوات المستقلة، ويُختزل الإنسان إلى مجرّد "قياس" يناسب أجندة أصحاب السلطة.
*أسباب تفشي الظاهرة
*الإرث السلطوي: عقود بل قرون من الحكم الاستبدادي الذي اعتاد على توحيد الرأي بالقوة، جعلت المجتمع يربط الاستقرار بالانصياع.
*الطائفية السياسية: التي تُحوّل التنوع إلى تهديد، وتتعامل مع كل مكوّن على أنه كتلة متجانسة يجب أن تخضع لزعيم أو حزب واحد.
*الجمود الديني والاجتماعي: حيث تُفرض قراءات دينية أحادية، وتُعتبر أي محاولة للتأويل أو التجديد خروجًا على "السرير المقدس".
*غياب العدالة وضعف القانون: مما يجعل القوى المهيمنة تفرض قوالبها على الناس بلا رادع.
*طرق العلاج
*إصلاح النظام التعليمي ليعلّم التعددية وقبول الاختلاف بدلًا من صناعة نسخ مكررة من العقول.
*دسترة التنوع بشكل يضمن الحماية القانونية لكل رأي أو مذهب أو هوية.
*إصلاح المؤسسة الدينية عبر فتح باب الاجتهاد، وكسر احتكار التأويل من قبل جماعة أو مدرسة واحدة.
*تمكين المجتمع المدني لخلق فضاءات بديلة تحترم الفردية وتدافع عن حق الاختلاف.
البروكرستية ليست مجرد مرض فكري، بل هي سجن جماعي يخنق الإبداع ويستنزف طاقات المجتمع... ؛ وإذا أراد العراق الخروج من هذا القيد، فعليه أن يكسر السرير الحديدي، لا أن يبحث عن ضحايا جدد ليلائموا مقاسه.
#رياض_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟