أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - رياض سعد - السياحة بين العراق وإيران: تبادل غير متكافئ أم استغلال اقتصادي؟















المزيد.....


السياحة بين العراق وإيران: تبادل غير متكافئ أم استغلال اقتصادي؟


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 10:20
المحور: الصحافة والاعلام
    


لو كانت الوحدة الطائفية و التماثل في المذهب يؤثر على السياسة ويشكل ضمانًا للانسجام والتعاون... ؛ لما اختلفت اذربيجان الشيعية بل وذات الجذور الإيرانية مع إيران الشيعية ... ؛ فقد وقفت ايران الشيعية مع ارمينيا المسيحية ضد اذربيجان الشيعية وكذلك فعلت اذربيجان الشيعية اذ وقفت مع تركيا السنية وإسرائيل اليهودية ضد ايران الشيعية ... ؛ ولو كان التشابه القومي درعاً واقياً يحمي المنتمين اليه لما حاك العرب المؤامرات بعضهم ضد بعض ولما تفرقوا وتنازعوا وتقاتلوا... ؛و لما احترق العرب بنار الحروب والنزاعات والمؤامرات التي تُطبخ بأيادٍ عربية ضد أنفسهم ... ؛ حتى أصبحت وحدتهم حلمًا مستحيلا ؛ فالتشابه بين الشعوب والامم في العرق او القومية او الدين او المذهب لا يعني التفريط بالمصالح الخاصة لهذه الأمة او ذلك المكون... ؛ فالمصلحة الوطنية ، لا القومية ... ؛ هي التي تقود السياسات... ؛ والوعي بالمصلحة، لا الانتماء المذهبي والديني ، هو الذي يصنع القرار السياسي ... ؛ نعم الدين لا يُغني عن المصلحة المحلية ، والمذهب لا يعلو على الحسابات الوطنية والاقتصادية... ؛ فالعالم كلّه يتحرك بمنطق "المصلحة والمنفعة أولًا"، أما العراق فله قاعدة عجيبة غريبة : "التضحية بالذات إكرامًا للغير".
هذا المثال يسلّط الضوء على حقيقة واضحة: المصالح الوطنية تعلو على المشتركات الدينية أو القومية... ؛ وهو ما فَهِمَته الدول والشعوب المتقدمة، بينما يغيب عن صناع القرار في العراق، لا سيما في ملف العلاقات العراقية الإيرانية – وغيرها - في الجانب السياحي والديني وغيرهما ... ؛ اذ يخبرنا هذا المثال : بأن المصلحة فوق الانتماء، والهوية السياسية تتقدم على الروابط المذهبية... ؛ تلك هي الحقيقة التي أدركتها طهران جيدًا، وطبّقتها ببراعة... ؛ فالإيراني، مهما كانت طائفته أو قوميته أو عرقه أو ديانته ، لا يفرّط بمصلحة وطنه قط ، بينما يبذل العراقيون - بكافة اطيافهم وتوجهاتهم وطوائفهم وقومياتهم - أغلى ما يملكون من أجل الآخرين، ويتنازلون عن حقوقهم بسهولة مدهشة، في مشهد يندر مثيله في العلاقات الدولية...!!
نعم العراق ... حالة شاذة في الجغرافيا السياسية ؛ فالأمور تجري بصورة مقلوبة ومنكوسة... ؛ ففي الوقت الذي ترى فيه كل الشعوب والامم تقدم مصالحها الوطنية والقومية على أي ولاء آخر، يسير العراقي ـ سنة وشيعة ومسيح وكرد وعرب ... الخ ـ في الاتجاه المعاكس تمامًا... ؛ اذ قدّم السنّي العراقي – وطوال 83 عام من الحكم الفاشل - مصالح الاستعمار وقوى الاستكبار والدول العربية والأجنبية وتركيا على مصلحة العراق و العراقيين ، بل فضلوا المصري والسوداني والصومالي والفلسطيني على العراقي الأصيل والمواطن النبيل ... ؛ وبالمثل، قدّم شيعة العراق مصالح الشيعة الإيرانيين واللبنانيين وغيرهم من "أتباع أهل البيت" على مصالحهم الوطنية، بل على مصالح المكون الشيعي العراقي ذاته ... ؛ فقد غرق الشيعي العراقي في وهم "نصرة المذهب ومقاومة الصهاينة وقوى الاستكبار"، فانتهى به الأمر إلى تضييع مصلحته الوطنية والحاق افدح الاضرار بالمكون الشيعي وعلى مختلف الاصعدة ... ؛ واما قضية الاكراد الانفصاليين - باستثناء العراقيين الوطنيين طبعا - فهي اشهر من نار على علم ؛ فهم على استعداد بالتضحية بالعراق ولو لأجل الشيطان ...؛ وكذلك التركمان الذين رحبوا بالغزو التركي لشمال العراق ووصفوا قتلى الجيش التركي الغازي بشهداء الامة ...!! ؛ وهذه الظاهرة الشاذة لا نظير لها عالمياً...؛ فما من دولة تُقدِّم مصالح الأجنبي والغريب على أبنائها ومصالحها الوطنية ... ؛ نعم هذه الحالة المنكوسة لا نظير لها في العالم سوى العراق ... ؛ و تزامنت هذه الظاهرة المنكوسة مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921... ؛ وهذه المفارقة هي ما جعلت العراق استثناءً عالميًا، بل نموذجًا فريدًا لدولة تمنح الامتيازات للغريب وتضيّق على القريب، وتفتح أبوابها للوافدين لتغلقها على أبنائها المواطنين... !
*الشيعة في إيران ولبنان نموذجا : مذهبهم في خدمة قومهم ومصالحهم
شيعة إيران ولبنان يديرون بوصلتهم في الاتجاه الذي يحمي قومهم و مصالحهم الطائفية والوطنية ويعزز اقتصادهم , ويرفع من شأن دولتهم ... ؛ لذلك نراهم يذودون عن مصالحهم ومنافعهم ومكاسبهم بضراوة ... ؛ ولا ضير عندهم أن يضعوا المذهب في خدمة الوطن ، لا أن يجعلوا الوطن والطائفة المحلية قربانًا للمذهب او القضايا الخارجية والعابرة للحدود ... ؛ نعم قد يفعلون ذلك ولكن مقابل مكاسب محلية وتعود على المكون بالامتيازات وهذا هو ديدن الشيعة اللبنانيين ... ؛ وقد سألت احدهم عن سبب الحملات الشعواء ضد الاماكن المعروفة بالقمار ( الروليت ) في بغداد وغلقها ... ؛ فهمس في اذني ... ؛ كي يذهب العراقيون الى بيروت ويخسرون ملايين الدولارات هناك في قاعات (الروليت) اللبنانية ...!!
* السياحة الدينية وشعارات الوحدة المذهبية : واجهة ناعمة لاستنزاف قاسٍ
تعد ملفات العلاقات العراقية-الإيرانية ؛ شائكة وغير متكافئة ... ؛ ومن بين تلك الملفات التي تكشف عن هذا الانقلاب في المنطق و النكوص عن الهوية، يبرز ملف السياحة بين العراق وإيران بوصفه نموذجًا مرًّا لغياب المصلحة الوطنية، والتفريط في السيادة الاقتصادية والاجتماعية واهمال مصالح الاغلبية العراقية .
فعقب العام 2003، ظلت العلاقات العراقية–الإيرانية تسير وفق معادلة ثابتة: المصلحة لإيران...؛ والدفع على العراق... أي العراقي يدفع، والإيراني يستفيد... ؛ إذ لم تعامل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 الجانب الإيراني بمبدأ المعاملة بالمثل، خاصة في شأن السياحة والزيارات الدينية والاوقاف والموارد المذهبية .
* الفيزا المجانية أم فخ الضرائب المقنّعة والرسوم ؟
بينما كانت رسوم التأشيرة العراقية للإيرانيين زهيدة (تتراوح بين 30-40 دولاراً تقريبا )، كانت نظيرتها الإيرانية للعراقيين 50 دولاراً تقريبا ... ؛ وهو مبلغ لا يشكل عبئاً على الزائر العراقي المعروف بالإنفاق والبذخ أثناء السفر ... ؛ اتفق البلدان على إلغاء التأشيرات المتبادلة ( الفيزا) ... ؛ فظن البعض أن ذلك تحقيق للمساواة أو خطوة أخوية ؛ الا ان هذا الاتفاق لم يكن انتصارًا للمسافرين والزوار العراقيين ، بل كان فخًا ناعمًا خفيًا... ؛ و لم يكن ذلك كما يُروَّج له "خطوة للتكامل والتقارب"، بل كان بابًا جديدًا لاستنزاف السائح العراقي، الذي اعتاد على البذخ ودفع المال دون اهتمام او حرص او مبالاة أو مقارنة مع المسافر والزائر الايراني ... ؛ نعم الواقع كان شيئًا آخر تمامًا... ؛ فإيران، بما تمتلكه من دهاء اقتصادي، عوّضت الفيزا بتكاليف خفية وممارسات استنزافية ... ؛ وكالعادة، لم يُبرم اتفاق خارجي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة إلا وكان لصالح الطرف الآخر على حساب مصالح العراق... ؛ فقد كان الاتفاق لصالح إيران على حساب العراق...!!
فبينما توقّف العراق عن أخذ رسوم الفيزا من الإيرانيين، قامت إيران بخطوة أكثر دهاءً: اذ رفعت أجور النقل الداخلي على الأجانب ومن بينهم العراقيين بنسبة تصل إلى الضعف أو أكثر ... ، فصار الزائر العراقي يدفع ضعف ما يدفعه المواطن الإيراني ... ؛ فبينما يدفع الإيراني ٥٠ دولارًا لتذكرة داخلية، يُجبر العراقي على دفع ١١٠ دولارات لنفس الرحلة، ونفس المقعد، ونفس الخدمة...!!
فالإيرانيون، المعروفون بدهائهم وحنكتهم في الشؤون المالية والاقتصادية والدينية والمصالح الوطنية، عوّضوا خسارة رسوم التأشيرة (الفيزا ) بأكثر من ضعف قيمتها دون أن يشعر أحد... ؛ بذكاء... ؛ ففي الوقت الذي بات فيه الزائر الإيراني يدخل العراق دون رسوم أو رقابة حقيقية، بل يُستقبل بالطعام والمأوى مجانًا والسكن في الاضرحة والاوقاف والمدارس والمقامات الدينية ، يُجبر الزائر العراقي إلى إيران على تحمل نفقات مضاعفة...!!
* عراقيو السياحة... والدفع المضاعف
لا شيء يُمنح للعراقي مجانًا في إيران... ؛ حتى الماء يباع مع الطعام , و( الزلاطة التي تقدم في العراق مع الطعام او الوجبة مجانا ) يُحسب لها سعر ... ؛ بل حتى زيارة الاماكن الثقافية ومدن الالعاب وغيرها ، كضريح الشاعر عمر الخيام - مثلا- ، لا تخلو من تمييز مالي... ؛ فالإيراني يدفع ٢٠ تومانًا، والعراقي يُجبر على دفع ١٥٠ أو ٢٠٠ تومان... ؛ وتختلف أسعار الوجبات والمشروبات بين المواطن الايراني والزائر العراقي في بعض الاماكن ، فضلاً عن أسعار السكن والنقل والاتصالات والإنترنت... .
وخذوا معاناة الاتصالات مثالاً: اذ يضطر العراقي لشراء شريحة هاتف مؤقتة أو دائمة، مع تقديم معلوماته الشخصية، ثم شراء رصيد، ثم دفع مبلغ إضافي لتفعيل تطبيقات التواصل الاجتماعي في محال متخصصة ؛ اذ يدفع ثمن تفعيل الإنترنت ... ؛ ثم يُفاجأ أن شريحته قد تعطلّت دون سابق إنذار ؛ والشريحة المؤقتة تُعطّل بعد أيام قليلة اي بعد سفر السائح ، بينما "الدائمة" والتي من المفروض بقاءها ؛ صدم العراقيون بإلغائها من الجانب الايام خلال هذا العام الجاري ؛ وعندما ارادوا استرجاعها ؛ اخذوا منهم اموال مقابل ذلك , ولم يحصلوا عليها مباشرة كالسابق ؛ اذ يجب عليهم الانتظار من 3 ايام فصاعدا ؛ اذ قد تتطلب الموافقات الأمنية 20 يوماً، مما يدفع الكثيرين لشراء شريحة ثانية مؤقتة لتسيير الامور العاجلة ... ؛ وقد يداهمه موعد السفر , فيعود العراقي إلى وطنه بعد أن دفع ثمن شريحتين، دون أن يستفيد من واحدة بشكل صحيح ... !
و كذلك تفرض ضرائب وبالدولار على جهاز الموبايل اذ استخدمه المسافر العراقي لأكثر من مرة في ايران ... ؛ وان لم يدفع تحجب كافة مواقع التواصل الاجتماعي عن الجهاز ... ؛ مما يضطر المسافر العراقي الى الدفع او شراء جهاز موبايل ايراني او حمل هاتف ثاني معه ؛ تحسبا لهذا المأزق ... ؛ وهكذا يُستنزف العراقي دون رحمة او مساعدة .
* العراق: خزينة مفتوحة للزوار والمسافرين الايرانيين
على الضفة الأخرى، يستقبل العراق ملايين الزوار الإيرانيين سنويًا، خاصة في المناسبات الدينية، بلا تأشيرة، وبلا رسوم، وبلا أي مقابل... ؛ بل إنهم يدخلون من دون تفتيش يذكر احيانا ، مما يسمح بتسرّب المخدرات، والسلع المهرّبة، والمهاجرين غير الشرعيين معهم كالأفغان والهنود والباكستانيين ... الخ ... ؛ اذ يتم استنزاف الموارد الوطنية المجانية: فالزائر الإيراني لا يدفع شيئًا تقريبًا... ؛ يأكل ويشرب ويسكن مجانًا... ؛ المساجد والمدارس والبيوت مفتوحة له... ؛ و المواكب الحسينية تصرف عليه، حتى الوزارات العراقية والعتبات الدينية تؤمّن له النقل مجانًا... ؛ و منذ إلغاء الفيزا ... ؛ تدفّق الإيرانيون بالملايين إلى العراق، خاصة في المناسبات الدينية كالزيارة الأربعينية... ؛ اذ تشير بعض التقديرات إلى دخول أكثر من ٥ ملايين زائر سنويًا... ؛ والنتائج كارثية وعلى مختلف الاصعدة والمجالات ... .
* المواكب العراقية : استنزاف طوعي
المواكب الحسينية، التي تأسست بجهود وأموال العراقيين، صارت مجبرة على خدمة ملايين الزوار الإيرانيين، الذين لا يصرفون دولارًا واحدًا: يأكلون ويشربون ويسكنون مجانًا... ؛تُفتح لهم المدارس والمساجد والمراقد والبيوت بل حتى المدارس الحكومية ؛ ففي احدى المرات قام موكب ايراني بهدم جدار مدرسة حكومية في كربلاء ...!! ؛ تُنقلهم باصات الدولة والعتبات الدينية مجانًا... ؛ كما اسلفنا ؛ مما انعكس سلبا على الزوار العراقيين في بعض الاماكن والمناطق اثناء الزيارات الدينية الكبرى ... ؛ بينما تُموَّل المواكب الخدمية العراقية بجهد وأموال عراقية لخدمة الزوار العراقيين أساساً، فإن الإيرانيين بالملايين يزاحمونهم على المأكل والمشرب والسكن والخدمات المجانية...!!
* تداعيات إلغاء التأشيرة ( الفيزا) السلبية على العراق
ولا تقتصر المأساة هنا على التسهيلات والخدمات العراقية المجانية، بل تتعداها ... ؛ ولا تقف الكارثة عند حدود الكرم والاسراف والتبذير العراقي، بل تتجاوزه إلى فوضى اقتصادية واجتماعية وامنية ؛ ومنها على سبيل المثال وليس الحصر :
. 1- الاقتحام السياحي الفوضوي : اذ يتوافد 5 ملايين إيراني سنوياً، خصوصاً في مواسم الأربعينيات، عبر منافذ مفتوحة... ؛ فضلا عن عشرات الالاف من الافغان والهنود والباكستانيين والبنغلاديش وغيرهم ... .
2- اختراق حدودي منظم : فالتدفق البشري الايراني الكثيف سهّل دخول أفغان وباكستانيين وهنود وغيرهم تحت غطاء الحشود الإيرانية دون تفتيش او تدقيق ... .
3- استغلال إجرامي : اذ استغلت عصابات وشخصيات إيرانية وغيرها الفوضى لتهريب المخدرات، بينما تسلل آخرون للتسول أو العمل غير المشروع ... ؛ فبعضهم ينخرط في التسول أو حتى أعمال منافية للقانون , وقد تماهى الى سمعي ان احد الاكراد الايرانيين من سكان كرمنشاه اصبح ثريا بسبب ممارسة التسول في العراق ... ، بل وعملت إيرانيات في ملاهٍ ليلية في بغداد واربيل ؛ وتناهى الى سمعي ان احد الزوار الافغان دخل العراق عن طريق ايران ولم يغادره بمعية زوجته واطفاله , وهو الان يعمل في محل لبيع الخمور في بغداد ...!!
4- اغتيال الاقتصاد المحلي: انخفضت أجور العمال العراقيين في الجنوب تحت منافسة العمالة الإيرانية الرخيصة ... ؛ فآلاف الإيرانيين يبقون بعد انتهاء الزيارة، يمارسون أعمالًا يدوية وغيرها بأجور زهيدة، تُزاحم العمال العراقيين وتزيد من نسبة البطالة في المدن الشيعية كالنجف وكربلاء والبصرة وغيرها ... ، بينما انتشر تهريب البضائع الايرانية عبر الحدود يومياً... ؛ اذ يتم ادخال وتسويق البضاعة الإيرانية يوميا بلا كمارك عبر الحدود و تُباع في الأسواق العراقية الجنوبية ، لتعود أرباحها إلى إيران... ؛ اذ يحمل الإيراني بضاعته بيده، يدخل بها، يبيعها في البصرة والعمارة ، ثم يعود محمّلًا بالعملة الصعبة او المحلية ... ؛ دون جمارك ولا ضرائب ولا رسوم ؛ مما يستنزف العملة الصعبة ويزيد البطالة... ؛ بينما دوائر الحكومة تطارد الكسبة والباعة العراقيين اينما حلوا وذهبوا ...!!
5- استنزاف الموارد والثروات العراقية : اذ تستنزف الخدمات المجانية (المواكب، السكن في المدارس والمساجد وغيرها ، النقل المجاني , وبقية الخدمات الصحية وغيرها ... ) موارد وخيرات العراق.
* إلغاء الفيزا: نعمة للإيرانيين، نقمة على العراقيين : خمسة ملايين زائر.. وخسائر بالمليارات
على الجانب الآخر، يدخل الزائر الإيراني إلى العراق، خصوصًا في موسم الزيارات الدينية كالأربعينية، دون أن يدفع فلسًا واحدًا. بل يجد المآكل والمشارب والمآوي مفتوحة له بالمجان... ؛ المدارس، الحسينيات، حتى بيوت العراقيين تتحول إلى فنادق مؤقتة له... ؛ ويُنقل عبر سيارات الدولة أو العتبات الدينية دون مقابل كما اسلفنا ... ؛ بل ويعطى البعض منهم اموال تحت عنوان الخمس والصدقات وغيرها .
ولو افترضنا أن كل زائر ايراني يستهلك خدمات وسلعًا بقيمة 400 دولار فقط - وفقا لأقل التقادير- ، فإن خمسة ملايين زائر يعني 2 مليار دولار سنويًا تُصرف من أموال العراق والعراقيين لخدمة زوار أجانب وغرباء ، بعضهم يمكث لمدة شهر ... ؛ ما يكفي لبناء ألفين مدرسة حديثة في السنة ... ؛ أو أن يُحدث ثورة تعليمية في العراق... ؛ لكنّه يُهدر... لأننا نُحسن استقبال الضيوف، أكثر من حبنا لأطفالنا وحرصنا على مستقبلهم ... !
والمفارقة: رغم قلة أعداد السياح العراقيين مقارنة بالإيرانيين...؛ تشير تقارير إيرانية رسمية إلى أن واردات إيران من الزوار العراقيين خلال ستة أشهر فقط تجاوزت ٤ مليارات دولار... ؛ أما العراق، فينفق قرابة الملياري دولار سنويًا (على أقل تقدير) على الزوار الإيرانيين وغيرهم في الطعام والخدمة والمأوى... ؛ فهل رأينا تبادلًا أكثر فداحة من هذا؟!
*ماذا لو انقلبت المعادلة ... و كانت الأدوار معكوسة؟؟
سؤال افتراضي: هل تفعلها إيران؟
هل تستطيع إيران تقديم خدمات مجانية مماثلة لخمسة ملايين عراقي يزورون قم ومشهد المقدسة كل عام ؛ بمناسبة وفاة الامام علي بن موسى الرضا او غيرها من المناسبات الدينية التي تخص الطائفة الشيعية ، بحيث يخرجون دون أن ينفقوا فلساً واحدا ... ؛ فهل تقبل إيران أن تصرف عليهم غذاءً وسكنًا ودواءً مجانًا ؟
هل تُفتح لهم الحسينيات والمدارس والمساجد وبيوت الناس؟
هل تُعطى لهم خدمات الدولة على طبق من ذهب؟
هل تشجع المؤمنين والمسلمين الايرانيين على انشاء مواكب لخدمة الزوار العراقيين وغيرهم ؛ وهل يمتثل الايرانيون للإعلام الحكومي والديني لو طالبهم بذلك ؟
وهل تصرف المرجعيات الدينية والحوزات العلمية في قم المقدسة ومشهد المقدسة اموال الخمس والصدقات على المؤمنين والزوار العراقيين ؟
هل كانت لتغض الطرف عن مخالفات الدخول والإقامة؟
هل تقبل إيران أن تُنفق اكثر من ملياري دولار سنويًا على زوّار عراقيين وغيرهم لكونهم شيعة ؟
الجواب قطعاً : كلا ؛ وألف كلا .
فإيران، بكل دهائها، لا تُفرّط بثروتها حتى في مناسك وشعائر الزيارات والمناسبات الدينية ... ؛ كل خدمة تُسعّر، وكل بضاعة تُجمرَك، وكل شريحة تُحسب... ؛ وهي حريصة كل الحرص على مواردها الوطنية بما فيها السياحة والسياحة الدينية... ؛ فإيران تحرس مواردها بشراسة ... ؛ فالكرامة الاقتصادية جزء من الكرامة السياسية وهي تمثل الشموخ القومي و الهوية الوطنية، والوعي بالمصلحة جزء من الانتماء السياسي...؛ أما نحن في العراق، فما زلنا نخلط بين العقيدة والمصلحة، بين الطائفة والوطن، وبين الكرم والتدين والاستغفال والاستحمار والتبذير ... ؛ فها هي السعودية التي تستقبل الحجاج والمعتمرين، تبني اقتصادها على مواسم الحج، وتحصّل عشرات المليارات سنويًا... ؛ أما العراق، فما زال يفتح خزائنه وموارده وبنيته التحتية بالمجان للآخرين، دون خطة، دون مقابل، ودون أي حسّ اقتصادي أو سيادي.
ولعل سائل يسأل : لماذا لا يتعامل العراق، وشيعته خصوصاً، بالمثل؟ هل لأن القرار الديني ليس بيد العراقيين؟ أم لأن الساسة لا يعنيهم أمر البلاد والعباد , أم لانهم خونة أو جهلة ؟
* غياب مبدأ "المعاملة بالمثل"
الأمم والشعوب التي تحترم نفسها لا تفتح ذراعيها على مصراعيها دون ضوابط ... ؛ فالسعودية، مثلًا، تجني من الحج والعمرة عشرات المليارات سنويًا كما اسلفنا ؛ وكذلك إيران، فكل شيء فيها يُسعّر ويُحسب بدقة... ؛ فقط في العراق، تتحول المناسبات الدينية إلى موسم مفتوح للدخلاء والاجانب والغرباء ؛... على حساب أبنائه وثرواته وخيراته المحلية ... ؛ وهكذا تحول العراق إلى مأدبة مجانية تجتمع فيها جنسيات شتى كل عام... ؛ بينما تجني إيران المليارات من عتباتها الدينية، وتجني السعودية مليارات الدولارات من الحج والعمرة ... ؛ نبقى نحن الاستثناء المخزي...!!
فلماذا لا يطالب أحد بتطبيق مبدأ "المعاملة بالمثل"؟!
لماذا لا يُطالَب من الايراني وغيره بتحمّل نفقات السكن والطعام والنقل كما يُطلب من العراقي في إيران؟
أليس من حق العراق أن يدافع عن اقتصاده؟
هل لأن القرار الديني ليس عراقيًا؟ أم أن القرار السياسي منزوع الكرامة؟
هل لأن الساسة الشيعة لا يرون في العراق وطنًا، بل ساحة؟
هل لأن العراق بلا رؤية، بلا اقتصاد منتج، وبلا كرامة تفاوضية؟
هل لأننا ببساطة نُدار من الخارج؟
لا أحد يفعلها سوانا!
فهل الخلل في تفكيرنا؟ أم أننا مجرد أدوات بلا سيادة في يد الآخرين تُحرك لمصالحهم؟! السؤال مُرّ، ولكن واقعه أَمَرُّ.
هل لأننا شعب طيّب... أو ساذج سياسيًا إلى حد الألم؟
الجواب قد يكون كل ذلك... أو أكثر...!!
* العراق... من وطن إلى ساحة مفتوحة
وكأن العراق ساحة مفتوحة لرعايا الدول المجاورة والاقليمية والعمالة الاجنبية .
المواطن العراقي يدفع الضرائب والغرامات، بينما يُمنح الغريب كل شيء مجانًا او تقدم التسهيلات تلو التسهيلات للأجانب والشركات الخارجية .
الحكومة تعالج أزماتها الاقتصادية بزيادة العبء على الفقراء، دون أن تمسّ مصالح الدول الأخرى.
لا تُمارس الدبلوماسية، ولا تُفاوض على أساس المصلحة، ولا تستثمر الموارد الدينية كما تفعل السعودية أو إيران.
* في الختام:
السياحة ولاسيما السياحة والموارد والاوقاف الدينية ليست ترفًا ولا عبورًا عابرًا ... ؛ إنها سياسة واقتصاد وأمن وطني ومستقبل اجيال ... ؛ فالعراق يعتمد اعتمادا شبه كلي على النفط، وحكومته تحل الأزمات الاقتصادية بزيادة الضرائب والغرامات على الشعب المغبون ، بينما هي عاجزة عن تحصيل مستحقاتها من الدول الخارجية؛ فالعراق - رغم ثروته النفطية - يفرض المزيد من الضرائب على شعبه بينما يُغدق على الغرباء... ؛ فالإيراني وغيره لا يأتي للسياحة بل للاستفادة من موارد بلدٍ حوَّلته حكوماته إلى مأدبة مجانية للجيران والاجانب والغرباء ... ؛ بينما تحقق الدول أرباحاً من مقدساتها ومواردها الدينية ... ؛ يبقى العراق النموذج الفريد في التضحية بالمصلحة الوطنية على مذبح "التضامن المذهبي والديني والقومي " الوهمي... ؛ فهل نحن أمةٌ تمارس انتحاراً اقتصادياً؟ أم أننا أدواتٌ في مشروع هيمنة إقليمي؟ السؤال مُرّ، ولكن جوابه ضرورة بقاء!
فالعراق، في علاقته مع إيران وغيرها من الدول ، ما زال يمارس دور "المرتع المفتوح" دون مقابل، ودون سيادة، ودون أن يتعلّم من أبسط دروس الجغرافيا السياسية: الضعيف يُستنزف، ما لم يُدافع عن مصلحته... ؛ فهل آن أوان أن ننتصر لعراقنا... ؛ أو لطائفتنا الشيعية العراقية المغبونة ... ؛ ولو مرة؟
هل آن للعراق أن يتعامل بندّية...؛ كما تفعل كل الأمم والشعوب والطوائف والجماعات التي تحترم نفسها؟
أم أننا باقون في دَور "المضيف الدائم"... الذي يدفع ثمن الطعام والكرامة معًا؟
العراق بحاجة إلى مراجعة جذرية لعلاقاته السياحية، خصوصًا مع إيران وغيرها من دول الجوار والاقليم ... ؛ فالمسألة لم تعد دينية أو مذهبية، بل اقتصادية وسيادية بامتياز.
كل يوم يدخل فيه الزائر الإيراني مجانًا، هو يوم يُستنزف فيه العراقيون دون مقابل.
كل رحلة سياحية للعراقي إلى إيران، تكشف عن خلل في الكرامة التفاوضية، وعن استسلام سياسي لسياسات الجار... ؛ حان الوقت ليُدار العراق بعقلية الدولة، لا بعقلية "الخدمة المجانية" والانبطاح والتبعية .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشباح الإمبراطورية : المخابرات البريطانية في العراق من الظل ...
- قطع أرزاق العراقيين: بين عبث البلديات وعجز الدولة عن ايجاد ب ...
- وادي حوران محتل كالجولان من قبل الامريكان (6)
- وادي حوران محتل كالجولان من قبل الامريكان (5) وادي حوران في ...
- السياحة الدينية في العراق: بين الفرص المهدورة والموارد المنه ...
- ثمن اغتصاب السلطة وثمن الخضوع لها: قراءة تاريخية في إرث الدو ...
- الأمة العراقية : من متاهة الانتماءات المضللة إلى فضاء المواط ...
- الدوافع السياسية والأمنية وراء إصرار الولايات المتحدة وحلفائ ...
- الدوني العائد من خرائب الشام : التهديد السوري والخذلان العرا ...
- السلطات الحكومية والشخصيات السياسية العراقية بين الاقنعة وال ...
- الساكن في الغرفة السابعة و الاخيرة
- من يطارد الفقراء؟ دولة بلا بدائل و-شفل- بلا رحمة
- عقدة اللااتفاق العراقي: بين شتات الهوية العراقية وبوصلة الوط ...
- عقدة الدونية في الوعي الجمعي الشيعي العراقي: تحليل نفسي- اجت ...
- الإزاحة بدل الإعانة: قراءة نقدية في سياسة الهدم الحكومية دون ...
- مرآة الله المكسورة : ياسر بين الشهوة المتفجرة والتوبة المتكر ...
- الولاء الوطني: بين الانتماء الجوهري والانسلاخ المشبوه
- الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار ال ...
- الاحتلال البريطاني وتأسيس منظومة النفوذ
- سائقٌ بالصدفة... ورفيقُ الغبن


المزيد.....




- حياة الفهد في المستشفى.. إليكم ما نعلمه عن حالتها الصحيّة
- تحذير عاجل من دمى لابوبو مزيفة خطيرة.. وكيف تكتشف أنها مزيفة ...
- في نيبال.. 100 قمة بانتظارك مجانًا كبديل رائع لإيفرست
- سوريا.. أحمد الشرع يثير تفاعلا بلقطات وتصريح بلقاء وفد من إد ...
- الشرطة الإسرائيلية توقف شابًا من غزة عند حاجز قلنديا.. والجي ...
- بعد تجميد استمر عقدين.. سموتريتش يصادق على أكبر مشروع استيطا ...
- مناطق من أوروبا في أتون الحر والحرائق وإسبانيا تطلب مساعدة ا ...
- الكويت: هلاك 13 شخصا وحالات عمى لأفراد من جنسيات آسيوية بسبب ...
- باحثون ألمان يكشفون عن سبب محتمل لفشل علاج الورم الأرومي الع ...
- ما المتوقع من لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا؟


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - رياض سعد - السياحة بين العراق وإيران: تبادل غير متكافئ أم استغلال اقتصادي؟