حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 09:21
المحور:
قضايا ثقافية
في بلاد الرافدين، حيث النهران يعزفان منذ الأزل لحن الخصب، وحيث وُلدت أولى الحروف والألحان، كان من المفترض أن ينهض الفن العراقي كمنارةٍ تنافس أضواء العالم. فهنا، لا شحّ في المواهب، ولا فقر في المال، ولا غياب في الإبداع… لكن، ما إن تجتمع هذه العناصر في قاعة واحدة، حتى يتفرّق الجمع على وقع الإهمال، وكأن هناك من يتعمّد إطفاء الضوء قبل أن يبدأ العرض.كم من المليارات صُرفت، وسُرقت، وهُرّبت عبر السنين، لكنها حين تقترب من عتبة الفن، تتجمد الدولة في مشهد العجز، وكأن الإنفاق على الثقافة ترفٌ لا يليق. وحين يتساءل أحدهم: أليس الفن حرامًا؟ لا أحد يجيبه عن سرّ ترك أبواب الملاهي مفتوحة، وعن رقصات الفنادق، وألعاب الزار في النوادي… بينما تُغلق نوافذ الفن الحقيقي الذي يغذّي الروح، ويصنع الوعي، ويحل أعقد مشكلات المجتمع لو أُحسن استخدامه لكن، أيُّ فن بقي لنا؟ لا شركات إنتاج تابعة للدولة، سوى ما يشبه "دكاكين فضائية" تحوّل الفنان إلى دمية ملوّنة، أو بوق راقص، لا معيار لها سوى عدد المشاهدات على الشاشة. هناك من يأتي بمن لا يفقه الحرف الأول من الأبجدية، لكنّه يملك سيرةً من الصور اللامعة وشفاهًا منفوخة، لتأدية أدوار لا علاقة لها بالموهبة أو الثقافة.أما النقابة، التي كان يُفترض أن تكون حارسة النصوص والموهبة، فتبدو مشغولة بإدارة مهرجانات السفر، وتنقية الأرواح الفنية في رحلات خارجية، بينما لجان تقييم النصوص والممثلين الأكاديميين غائبة، أو ربما غُيّبت عمدًا. وهكذا، تحوّل الفن من دراسة أكاديمية، وموهبة أصيلة، إلى مجال مفتوح لذوي اللحى المسرحية، أو المتحرّشين خلف الكواليس، أو الباحثين عن شهرة سريعة.لماذا لا نطالب بحقّ الفنان العراقي – أيًّا كانت هويته – بإنشاء شركات إنتاج حقيقية في مجالات السينما، والدراما، والمسرح، والغناء، والرقص، والفنون الشعبية؟ أليس من حقه أن يجد منصةً تليق بموهبته؟ أم أننا في زمن يَسقط فيه الإبداع عمدًا، وتُزرع فيه التفاهة عن قصد، ليبقى الفن أسير الصمت، والجمهور أسير الرداءة؟
في النهاية، حين يسقط الفن، يسقط جزء من روح الوطن، وحين تُغتال الموهبة في مهدها، يولد الفراغ… وفي الفراغ، لا شيء يعلو سوى الضجيج.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟