أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكيّف















المزيد.....

من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكيّف


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 14:32
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


ما يقدمه تاج السر عثمان ليس دفاعًا عن الماركسية، بل تبرير لتفريغها من أدواتها الثورية. النص الذي ينشره باسم "الماركسية ودراسة الواقع" لا يُنتج إلا مسخًا إصلاحيًا يلبس قناع الواقعية، ويعيد إنتاج الخطاب البرجوازي في هيئة ماركسية مشوّهة. هذا لا يمكن أن يمر دون تفكيك حاسم.

يتلخص دفاعه عن وثيقة الحزب في حجة مزدوجة: أولاً، أن النقد الماركسي للوثيقة هو "نصوص جوفاء" و"حشو لغوي" منفصل عن الواقع السوداني. ثانيًا، أن الماركسية ليست "عقيدة جامدة" بل "مرشد للعمل"، وأن "التحليل الملموس للواقع الملموس" يوجب علينا تجاوز المفاهيم الطبقية "الأوروبية" لصالح "خصوصية" التجربة السودانية. لكن هذا الدفاع، كما سنوضح، ليس سوى محاولة لترويض الماركسية وتفريغها من محتواها الثوري، وتحويلها إلى أداة تبرير للسياسات الإصلاحية.

في مقاله المشار إليه، لا يدافع تاج السر عثمان عن الماركسية الثورية، بل يشرعن لإفراغها من مضمونها باسم "التحليل الملموس للواقع الملموس"، في محاولة ظاهرها الواقعية وباطنها التبرير النظري لخط سياسي مأزوم. يعيد الكاتب إنتاج النزعة الإصلاحية عبر خطاب مزدوج، يهاجم المفاهيم الماركسية بوصفها "نصوصًا جامدة" ثم يستدعي أنجلز ولينين كشواهد لإغلاق باب المساءلة لا لفتحه. بهذا الانزلاق، يصبح الحديث عن "خصوصية الواقع السوداني" غطاءً لاكتفاء سياسي وتحليل قشري لا يلامس البنى الطبقية التي تنتج هذا الواقع.

العودة المربكة إلى أنجلز ولينين، بعد هجاء ظاهر لخط الماركسية الكلاسيكية، لا تكشف عن سعة أفق، بل عن مأزق حقيقي: محاولة تبرير خط تنظيمي دون امتلاك أدوات الماركسية لتحليله. المقال لا يتضمن "تحليلًا ملموسًا"، بل سردًا أنثروبولوجيًا لوقائع تاريخية يُفكّك بها التاريخ إلى مقاطع غير مترابطة، من الرق إلى الأرض مرورًا بالدولة والمجتمع، دون ربطها بمنطق علاقات الإنتاج أو بفهم جدلي لحركة التناقضات الاجتماعية. فالماركسية لا تنطلق من سرد الوقائع، بل من تحليلها بما هي نتاج لصراع طبقي محدد.

إن الحديث عن "التحليل الملموس" لا يغني عن استخدام أدوات التحليل الطبقي: نمط الإنتاج، السيطرة على وسائل الإنتاج، فائض القيمة، الدولة كأداة قمع طبقي. إن نزع هذه الأدوات من الماركسية لا يُنتج تحليلًا واقعيًا، بل خطابًا برجوازيًا متنكرًا، يُبقي الصراع في حدود المقبول سياسيًا. حين يُرفض استخدام مفاهيم مثل "البروليتاريا" و"البرجوازية" بحجة أنها "نشأت في أوروبا"، يُستبدل الصراع الطبقي بمنطق ثقافوي عاجز عن تحليل الرأسمالية الطفيلية السودانية، ويُقدَّم واقع الاستغلال كخصوصية محلية تستعصي على النظرية.

هذا ليس تحليلًا للواقع، بل تبريرٌ لتمرير خطاب إصلاحي باسم الواقعية. ففي بلد تسيطر فيه طبقة طفيلية عسكرية–مدنية على الثروة والقرار السياسي، يصبح الحياد النقابي –الذي تُدافع عنه الوثيقة المعنية– تكريسًا لموازين القوى القائمة. إن رفض تسمية الدولة بوظيفتها الطبقية، أو تسمية الملكية الخاصة باسمها، ليس سهوًا بل موقفًا. وحين يغيب موقع النقابات من جهاز الدولة، ومن نمط الإنتاج، ومن جهاز السيطرة الطبقية، يصبح الخطاب النقابي تجميليًا، يُعاد إنتاجه في مقالات يدّعي أصحابها الدفاع عن الماركسية.

حين يكتب تاج السر عن ضرورة "إعادة بناء النقابات"، فإنه لا يطرح مشروعًا طبقيًا، بل خطابًا تفاوضيًا مع سلطة طبقية قائمة. النقابة لا تُبنى من أجل "إعادة التوازن" في فضاء مدني، بل تُبنى كأداة مباشرة في يد الطبقة العاملة لتقويض منظومة السيطرة. التنظيم الحقيقي ينشأ من القاعدة، من لجان الإضراب، من خطوط التماس، لا من وثائق توافقية تُصاغ في غرف اللجنة المركزية. النقابة، إن لم تكن معادية للدولة البرجوازية، فهي امتداد ناعم لها.

يتموضع المقال دفاعًا عن وثيقة تخلو من المفاهيم الطبقية، ولا تذكر الملكية الخاصة، ولا علاقات الإنتاج، ولا أجهزة الدولة القمعية، بل تتحدث عن "إعادة البناء" في فراغ سياسي. حين نُمارس النقد ضد هذه الوثيقة، فإننا لا نتجنى على الحزب، بل نمارس ماركسية حقيقية تنطلق من تفكيك الخط الإصلاحي لا ترقيعه كما أوردنا سابقا. فالماركسية لا تتماهى مع الخط الحزبي، بل تُمارَس كأداة نقد لهذا الخط حين ينزلق إلى التكيف مع النظام القائم. القول بأن الماركسية "ليست بديلاً عن دراسة التاريخ" هو استخدام مقلوب لتحذير إنجلز من سوء الفهم، حيث يُصبح "الواقع" أداة لتعطيل التحليل المادي لا لتفعيله.

الكاتب يُحوّل مقولة "التحليل الملموس" إلى شعار عام يتناسى أن هذه الدعوة اللينينية تنطلق من ضرورة الربط الجدلي بين الوقائع ومواقعها داخل البنية الاجتماعية، لا بترها إلى شظايا ثقافية لا تقول شيئًا عن الصراع الحقيقي. ما يُقدَّم باسم الخصوصية ليس سوى إنكار للعالمية المادية للماركسية، التي لا تخضع للحدود الثقافية أو الجغرافية، لأنها تحليل علمي لمنطق الإنتاج والصراع في أي مجتمع. قال ماركس: "الجهل بالقوانين الاقتصادية لا يمنعها من العمل." هكذا أيضًا، فإن تجاهل من يملك، ومن يُنتج، ومن يُراكم، لا يعفي الخطاب السياسي من مسؤوليته في تبرير بقاء السيطرة الطبقية.

الاختزال النظري في هذا المقال ليس حيادًا علميًا، بل تواطؤًا سياسيًا. فالواقعية التي لا تُسائل من يملك الذهب والأرض والبنك والجيش، ليست واقعية، بل تزوير. والحزب الذي يُخفي هذه الأسئلة تحت ذرائع إجرائية أو "تركيز الوثيقة على المهام"، هو حزب يتخلى عن مهمته الثورية لصالح الدور التفاوضي. النقد لا يُطلب منه تحديد الفقرة التي بها العطب، بل عليه أن يُزعزع البناء النظري كله حين يكون هشًّا أو مفرغًا من مضامينه الطبقية. والرد على هذا النقد، بمقالات تخلط المفاهيم وتستدعي أنجلز لتبرير القطيعة معه، لا يُعيد المصداقية بل يُعمّق الهوة بين الخط الإصلاحي والنظرية الثورية.

الماركسية لا تُمارَس كديكور ثقافي، ولا كدعوة مفتوحة للقراءة الحرة، بل كمنهج ثوري يُعيد صياغة الواقع عبر تفكيكه جذريًا. وما لم تُفكَّك علاقات السيطرة، ويُحدَّد موقع الدولة الطبقية من الصراع، ويُعاد تعريف النقابة بوصفها ساحة نزال لا مؤسسة تفاوض، فإن كل هذا الدفاع عن "الواقع السوداني" سيبقى غطاءً لإنتاج خطاب بلا نظرية، ونظرية بلا طبقة، وطبقة بلا نضال.

"كل محاولة لفهم المجتمع دون المرور بصراع الطبقات، هي محاولة لشرعنة الظلم القائم."
روزا لوكسمبورغ

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان
- 24. إتحاد فوقي: كيف يخدم النظام الأساسي قمع الطبقة العاملة
- 23. قانون تنظيم الاتحادات المهنية 2004: أداة السلطة لعزل الط ...
- 22. وثيقة بلا عمق ولا بوصلة: تفريغ للتاريخ الماركسي إلى سرد ...
- 21. البيروقراطية الخائنة: نقابة بلا طبقة، ووثيقة بلا ماركسية
- بين إنقلابين ووثيقة واحدة: الحزب الشيوعي خارج جبهة الوعي الث ...
- 20. صراع البرامج والطبقات: نقابة تابعة أم أداة تحرر؟
- 19. النقابة كجهاز في المنظومة الإمبريالية: وثيقة الحزب الشيو ...
- اللغة ليست نعناعًا: تفكيك ماركسي لبلاغة الامتياز في خطاب -دا ...
- كسلا التي لا ترد التحية: الحب كقهر طبقي في أغنية الحلنقي
- 18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي
- شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة
- 17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها عل ...
- لوركا: صوت الطبقة، سلاح ضد القمع
- 16. وحدة من؟ وبناء ماذا؟ تفكيك خطابي لمفاهيم غامضة بلا مضمون ...
- المؤسسة الكنسية كأداة طبقية في -زوربا اليوناني-
- 15. أزمة البرنامج والنظرية: غياب المشروع النقابي الثوري
- 14. كتابة بلا صراع، سرد بلا مساءلة: مأزق الذاكرة النقابية ال ...
- قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة
- يا ظريف الطول: الأغنية التي حملت الوطن على كتفيها


المزيد.....




- النسخة الألكترونية من العدد 1860 من جريدة الشعب ليوم الخميس ...
- رد وزارة الداخلية المصرية على مزاعم إضراب السجناء بسبب الانت ...
- مصر.. الداخلية ترد على -مزاعم إضراب سجناء بسبب الانتهاكات-
- الغنوشي في السجن.. إضراب عن الطعام احتجاجًا على حرب الإبادة  ...
- الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يدين “مظاهرة تل أبيب المأجورة ...
- -عاملونا كمجرمين-.. شهادات صادمة من ناشطي -أسطول الحرية- بعد ...
- وحدة الصف من اجل مقاومة الهجوم على الحقوق المكتسبة وانتزاع ا ...
- لليوم الثاني.. إضراب عام للنقل البري في تونس
- شباب اتحاد العمال يطلقون خطة لمواجهة الشائعات وإعداد كوادر ن ...
- لليوم الثاني.. إضراب يشل حركة النقل البري في تونس


المزيد.....

- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية / الحزب الشيوعي السوداني
- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكيّف