أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان















المزيد.....

من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 07:13
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


يحمل مقال تاج السر عثمان المنشور مؤخرًا في "الحوار المتمدن" نبرة دفاعية مكثفة تُخفي وراءها قلقًا مشروعًا من النقد الجذري الذي وُجه إلى وثيقة الحزب الشيوعي حول النقابات. غير أن ما بدا ردًا على نقد نظري، تحوّل سريعًا إلى خطاب إنكاري محض، يُغفل الأسئلة المحورية، ويتجاهل الطابع التاريخي لأزمة الخطاب النقابي داخل الحزب. افتقر المقال لأي معالجة جدلية للموضوع، وركّز عوضًا عن ذلك على تصفية حسابات مع اللغة، وعلى تعويم الموقف الماركسي باسم الواقعية السياسية.

يبدأ المقال بهجوم لفظي على الاقتباسات الماركسية بوصفها “حشوًا لغويًا”، وهي بداية كاشفة عن رؤية اختزالية للدور النظري في العمل السياسي. حين يُختزل الاستناد إلى ماركس ولينين وتروتسكي بأنه "طنين فارغ"، نكون أمام مقاربة تعاني من انقطاع كامل عن الأدبيات الثورية التي طالما ربطت بين التحليل العياني والمرجعية النظرية. هذه ليست مسألة شكلية، بل مسألة تتعلق بمنهجية الفهم. فالاشتغال الماركسي لا يتحقق إلا من خلال الجدل الدائم بين العام والخاص، بين النظرية والممارسة، وهو ما غاب تمامًا عن مقال تاج السر الذي بدا وكأنه يحتكم إلى معيار براغماتي لا يتحرّك إلا ضمن أفق الممكن السياسي كما يراه الحزب، لا كما تفرضه مهام الطبقة العاملة.

في معرض دفاعه عن وثيقة الحزب، يعتمد المقال على حجة شكلية مفادها أن الوثيقة لم تُعِد تقديم تحليل طبقي شامل لأنها “لم تُكتب لذلك الغرض”. هذه الحجة تفتح الباب أمام تساؤل أعمق: هل يصح أن يُنتج حزب ماركسي وثيقة نقابية تفصل بين النقابة كأداة تنظيمية، وبين الدولة كأداة قمع طبقي؟ هل يمكن تقديم تصور نقابي دون موضعة الصراع داخل البنية الطبقية الكاملة للنظام؟ إن تبرير الصمت عن هذا الربط الحاسم بذريعة “تحديد الموضوع” يكشف عن تصور محدود لوظيفة الوثيقة، بل ويشير إلى ابتعاد فعلي عن التحليل الملموس الذي لا يتم بالاجتزاء بل بالربط الجدلي بين المستويات.

يتعمد المقال التغافل عن مضمون النقد الموجه للوثيقة، ويتعامل مع الماركسية كما لو كانت مجرد ستار لغوي، لا أداة تحليلية. هذا المنهج يُعلي من التجربة الحزبية بوصفها معيارًا للصدق السياسي، متجاوزًا ما تتطلبه اللحظة الثورية من تفكيك للسرديات التقليدية التي تتغذى على التراكم التاريخي دون مساءلة. يصبح الموقف الصحيح هو ما صادقت عليه قيادة الحزب، أما ما عداه فهو تغريد خارج السرب، أو كما يقول الكاتب: "طنين".

في أكثر مواضعه حساسية، يستند المقال إلى “سجل نضالي” للحزب للدفاع عن رؤيته الحالية، وكأن الموقف الطبقي الثوري يُقاس بالذاكرة وحدها. التاريخ له وزنه بالطبع، لكنه لا يُعفي من مراجعة السياسات الراهنة، ولا يبرر خطابًا نقابيًا خاليًا من التحريض المباشر ضد السلطة الطبقية الحاكمة. لا نجد في المقال، ولا في الوثيقة، أي توجه نحو بناء أدوات القوة العمالية أو نحو مساءلة الدولة باعتبارها جهازًا طبقيًا، بل نجد حديثًا محايدًا عن “إعادة بناء النقابات”، وكأنها كيانات فوق طبقية يمكن التفاوض حولها خارج موازين القوى الفعلية.

إن الاعتماد على التاريخ كدرع لا يحمي من النقد الماركسي، بل على العكس، يوجب مساءلة هذا التاريخ ذاته. فمسار الحزب الشيوعي السوداني، شأنه شأن أي تنظيم، لم يكن خطًا مستقيمًا من الصراع الثوري. بل شهد محطات من المهادنة والمساومة، كان أبرزها في فترة "الديمقراطية الثالثة" حيث انخرط في مفاوضات مع سلطة الدولة، واستبدل التسييس الجذري للنقابات بخطاب إصلاحي محدود. إن ما يحاول تاج السر تقديمه اليوم ليس سوى إعادة إنتاج لتلك التجربة، حيث يُطلب من النقابة أن تكون "شريكًا" في عملية انتقالية لا تُمسّ فيها علاقات الإنتاج، بدل أن تكون "جبهة" تضرب مباشرة في قلب السلطة الطبقية.

لم يكن غياب الإحالة إلى الملكية الخاصة، إلى نمط الإنتاج، إلى علاقات السيطرة الطبقية، من قبيل المصادفة، بل يعكس توجهًا واقعيًا - بالمفهوم البرجوازي - يريد إبقاء العمل النقابي داخل هامش الإصلاح والضغط المشروع، لا بوصفه جبهة صراع طبقي. إن النقد الذي وُجه للوثيقة لم ينطلق من فراغ ولا من عداء تنظيمي، بل من موقف ماركسي يتساءل: كيف يمكن لحزب شيوعي أن يتحدث عن النقابات دون أن يُحدد موقعها من جهاز الدولة؟ من علاقات الإنتاج؟ من مشروع الثورة نفسه؟

إن غياب الإحالة إلى الملكية الخاصة ونمط الإنتاج ليس مجرد إهمال نظري، بل هو انعكاس لتوجه عملي. ففي السودان، حيث تسيطر رأسمالية طفيلية عسكرية ومدنية على مفاصل الاقتصاد، يصبح تحييد النقابات ضرورة لتسهيل الاستغلال. إن الحديث عن "إعادة بناء النقابات" بمعزل عن تفكيك هذه السيطرة هو خطاب فارغ. فالنقابة التي لا تسائل من يمتلك الذهب والشركات والموارد، ولا تطالب بالرقابة العمالية على الإنتاج، هي في الحقيقة أداة لتثبيت الأوضاع القائمة، لا لتغييرها جذريًا.

هذا النقد إذن ليس مجرد جدال حول وثيقة، بل هو كشف للعلاقة العضوية بين الخطاب الإصلاحي ومصالح الطبقة الحاكمة. في فقرتين متتاليتين، يندفع الكاتب نحو محاججة انفعالية ضد النقد، مكرّسًا منطق “إظهار الإنجازات” كوسيلة لحجب التقصير النظري. لكن ما يغيب هنا هو أن القصور لا يُقاس بعدد البيانات والمواقف، بل بموقع الحزب من العملية الثورية ذاتها. فالنقد لم يُنكر المواقف المعلنة، بل أشار إلى أنها تفتقر إلى الاتساق مع تحليل جذري للدولة والسلطة.

لم يكن القصد “تشويه الحزب”، بل فضح هشاشة الخطاب النقابي كما جاء في الوثيقة، وغياب التوصيف الطبقي للدولة، والميل إلى خطاب مطلبي يمكن تبنّيه حتى من قوى يمينية. وحين يكتب تاج السر أن النقد “لم يحدد فقرات بعينها”، فهو يعيد إنتاج تصور إجرائي للنقد، كأن المطلوب هو التصحيح اللغوي، لا التفكيك النظري للمنهج بأكمله. وهذا انزلاق خطير في فهم الماركسية، التي لا تعالج الخطأ بجمع الهوامش بل بزعزعة البنية الفكرية حين تكون مُعطّلة. غياب الفقرات المحددة ليس نقصًا، بل وعيٌ بأن الأزمة تكمن في طريقة التفكير، لا في صياغة جملة هنا أو هناك.

ما يغيب عن المقال هو أن الماركسية ليست انعكاسًا أمينًا للخط الحزبي، بل أداة لصياغة وتفكيك هذا الخط. حين نمارس النقد من داخل المرجعية الماركسية، فنحن لا نُمارس هدمًا ذاتيًا، بل نفتح أفقًا لتجاوز العجز السياسي الذي تمثله الوثيقة النقابية. تجاهل هذا البعد النقدي لا يعني سوى تكريس جمود تنظيمي لا ينتج إلا مزيدًا من الخطابات المغلقة.

إن النقد الماركسي لا يكتفي بالتفكيك، بل يطرح البديل. ففي مواجهة النقابات البيروقراطية التي تُدار من أعلى وتُكبّل بالقوانين، تكمن قوة الطبقة العاملة الحقيقية في اللجان العمالية القاعدية ولجان الإضراب التي تُبنى من الأسفل، في المصنع والمزرعة وورشة العمل. هذه اللجان هي الأطر التنظيمية الثورية التي تسمح للعمال بالتحرك خارج الأفق القانوني للدولة، وتُحوّل النضال الاقتصادي اليومي إلى وعي سياسي ثوري. إن تجاهل هذه الأشكال التنظيمية لصالح إحياء النقابات الرسمية ليس سوى تخلٍّ عن الأداة الثورية الأكثر فعالية في مواجهة جهاز الدولة القمعي.

تُختتم المقالة دون أن تقدم موقفًا عمليًا بديلًا، أو حتى ملامح حد أدنى من التحليل الملموس للبنية النقابية في السودان. وفي ذلك تأكيد ضمني على ما ورد في النقد الأصلي: نحن أمام خطاب يحتمي بالماضي، يُعيد صياغة التبرير بدل فتح المساءلة، ويغلق الباب على أي مراجعة جذرية بحجة "الحفاظ على الحزب".

قال تروتسكي: "الحقيقة الثورية لا يمكن أن تكون محايدة تجاه الخطأ البيروقراطي."

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 24. إتحاد فوقي: كيف يخدم النظام الأساسي قمع الطبقة العاملة
- 23. قانون تنظيم الاتحادات المهنية 2004: أداة السلطة لعزل الط ...
- 22. وثيقة بلا عمق ولا بوصلة: تفريغ للتاريخ الماركسي إلى سرد ...
- 21. البيروقراطية الخائنة: نقابة بلا طبقة، ووثيقة بلا ماركسية
- بين إنقلابين ووثيقة واحدة: الحزب الشيوعي خارج جبهة الوعي الث ...
- 20. صراع البرامج والطبقات: نقابة تابعة أم أداة تحرر؟
- 19. النقابة كجهاز في المنظومة الإمبريالية: وثيقة الحزب الشيو ...
- اللغة ليست نعناعًا: تفكيك ماركسي لبلاغة الامتياز في خطاب -دا ...
- كسلا التي لا ترد التحية: الحب كقهر طبقي في أغنية الحلنقي
- 18. من تنظيم الطبقة إلى طبقة التنظيم: انزلاق الوعي النقابي
- شيبوب: تمجيد الإنسان المغيَّب في بطولات السادة
- 17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها عل ...
- لوركا: صوت الطبقة، سلاح ضد القمع
- 16. وحدة من؟ وبناء ماذا؟ تفكيك خطابي لمفاهيم غامضة بلا مضمون ...
- المؤسسة الكنسية كأداة طبقية في -زوربا اليوناني-
- 15. أزمة البرنامج والنظرية: غياب المشروع النقابي الثوري
- 14. كتابة بلا صراع، سرد بلا مساءلة: مأزق الذاكرة النقابية ال ...
- قمع الطبقات الصاعدة بأدوات متبدلة
- يا ظريف الطول: الأغنية التي حملت الوطن على كتفيها
- 13. من يكتب تاريخنا؟ دراسات بلا قاعدة وتنظير بلا جذور


المزيد.....




- كم يتقاضى موظفو -آبل- سنويا؟
- سكرتارية شباب اتحاد عمال مصر تطلق غرفة عمليات لمتابعة انتخاب ...
- اعتصام قرب القنصلية الأميركية في المغرب احتجاجا على تجويع غز ...
- استكمال إجراءات رفع رواتب المتقاعدين لشهر آب
- أمام القنصلية الأميركية.. مغاربة يعتصمون ضد التجويع بغزة
- -التمريض المشارك والمساعد- بالصحة: نواجه تهميشاً ممنهجاً ورو ...
- النسخة الألكترونية من العدد 1860 من جريدة الشعب ليوم الخميس ...
- رد وزارة الداخلية المصرية على مزاعم إضراب السجناء بسبب الانت ...
- مصر.. الداخلية ترد على -مزاعم إضراب سجناء بسبب الانتهاكات-
- الغنوشي في السجن.. إضراب عن الطعام احتجاجًا على حرب الإبادة  ...


المزيد.....

- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية / الحزب الشيوعي السوداني
- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان