حين تعبت من مطاردة الكمال… وجدت الطريق في الداخل

أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 09:19
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

قضيتُ سنوات طويلة أظنّ أنني قادر على حمل كل شيء وحدي؛
أعمل بلا توقّف، أحاول أن أكون في كل مكان، أقدّم ما أستطيع للآخرين،
وأدّخر لنفسي وعداً مؤجلاً: أنّني سأرتاح يوماً عندما أحقق كل ما أريد.

كنت أظن أن التوازن بين العمل والحياة مجرد معادلة تحتاج إرادة حديدية.
لكنني اكتشفت متأخراً أن الإرهاق لا يرحم، وأن الركض المستمر
لا يترك مساحة للقلب كي يتنفس.

كنت كلما أمسكتُ بيد كرة من كرات الحياة أفلتت الأخرى من بين أصابعي،
وكلما حاولت أن أكون كاملاً أمام الناس، شعرت أن شيئاً ينكسر بداخلي.

وفي لحظة هدوء، قرأت عبارة لم تفارقني:

“لا تبحث عن التوازن… فأنت لن تجده.”

تساءلت طويلاً: إن لم يكن التوازن هدفاً، فما الذي أبحث عنه إذن؟

شيئاً فشيئاً أدركت أنّ التوازن ليس معركة بين العمل والبيت،
وليس إنجازاً يتحقق بقائمة من التعليمات، بل هو انسجام داخلي.
حين تهدأ الروح يهدأ كل شيء من حولها.

⸻

خمسة أبواب فتحتها مع نفسي

منذ تلك اللحظة بدأت أراجع حياتي من الداخل، ووجدت أن هناك خمسة أبواب
كلما اهتممت بها اقتربتُ من ذلك الهدوء الذي كنت أفتقده.

⸻

1. باب الروح

تعلّمت أن أضع لله نصيباً يومياً من قلبي.
صلاةٌ، دعاء، أو لحظة تأمل صادقة.
أدركت أنّ كل شيء يبدأ من هذه الصلة العميقة التي تعيد ترتيب فوضاي.

⸻

2. باب الجسد

سنوات من الإهمال جعلتني أسمع طرقات المرض على الباب.
فاكتشفت أن الرياضة والنوم والطعام الصحي ليست رفاهية.
الجسد وعاءٌ نعيش به، وكل إهمال له يسرق من أعمارنا هدوءاً لا يعوّض.

⸻

3. باب العمل

العمل مهم، لكنه ليس الحياة كلّها.
كنتُ أظن أنّ النجاح المهني يعوّض كل شيء،
حتى فهمت أن قيمته تضيع إذا ابتلع باقي الأبواب.
أعطيه جهدي ووقتي، لكنني لم أعد أسمح له أن يأخذ أكثر مما يستحق.

⸻

4. باب العائلة

الحضور الحقيقي ليس بالساعات، بل بالانتباه.
أن أكون موجوداً بقلب صافٍ، أترك الهاتف جانباً،
وأترك ضجيج العالم خارج باب البيت.
هذه اللحظات البسيطة التي نتقاسم فيها الضحك أو الصمت
هي التي تعيدني إلى نفسي.

⸻

5. باب النفس والعقل

هناك عطش داخلي لا يرويه إلا التعلم المستمر:
كتاب يفتح لك نافذة، حوار صادق، سفر، موسيقى، وفن.
كلها أشياء تذكّرنا بأننا أكبر من يومٍ يبتلعنا بين العمل والنوم.

⸻

ما الذي تغيّر؟

لم أصل إلى التوازن الكامل، وربما لن أصل.
لكنني وجدت ما هو أثمن: بوصلة.
كلما شعرت أن حياتي تميل لطرفٍ أكثر من اللازم، أعود إليها.
أعيد ترتيب نفسي وأمضي بخطوة هادئة.

التوازن ليس أن تملك كل شيء.
التوازن أن تعرف أي الأبواب تطرق أولاً، وأيها تتركه للغد،
وأيها تسلّمه لله وتطمئن.

⸻

كلمة صادقة

لا تبحث عن الكمال، فهو سراب يستهلك العمر.
ابحث عن السلام.
فإذا سكن السلام قلبك، أضاء الخالق لك الطريق كله.

#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل