أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أوزجان يشار - الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتماء في زمن الانكسار














المزيد.....

الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتماء في زمن الانكسار


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 18:13
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في زمن تتكاثر فيه الأسئلة، تُولد أكثر الأجوبة فوضى من رحم أكثر الهويات وجعًا. الأمازيغ، سكان الأرض الأصليين في شمال إفريقيا، يواجهون في العقدين الأخيرين أزمة لا تتعلق بالاعتراف الثقافي فحسب، بل بإعادة تشكيل سرديتهم الوجودية من نقطة الصفر. لكن الخطر الأكبر لا يكمن في الدفاع عن الخصوصية، بل في ما صار يُشبه هوسًا بالعثور على أصل جيني طاهر يسبق العرب، ويُلغي الإسلام، ويُنقي التاريخ من كل شوائبه، وكأن الهوية كائن نقي لم تطأه أقدام البشر.



حين تنزلق الهوية من سؤال الوجود إلى معمل الجينات

منذ عقود، تحوّلت الهوية الأمازيغية من تراث شعبي إلى مشروع سياسي، ومن مطالب لغوية إلى سردية قومية. في البداية، كان ذلك رد فعل مشروع على التهميش الثقافي واللغوي الذي مارسته دول الاستقلال في المغرب والجزائر وتونس وليبيا. لكن حين عجز المشروع عن التحقق سياسيًا، اتخذ مسارًا خطيرًا: استبدال النضال الثقافي بالبحث عن شرعية جينية.

الدراسة التي نُشرت حديثًا في مجلة Nature، والتي توصلت إلى أن فردًا مصريًا قديمًا من صعيد مصر كانت أصوله الوراثية بنسبة 80٪ من شمال إفريقيا، وُظّفت على الفور من قبل بعض الأصوات الأمازيغية كبرهان بيولوجي على أن “الفراعنة أمازيغ”، وأن العرب لم يكونوا سوى طارئين على أرض حضارة سبقتهم بآلاف السنين.

لكن ما تغفل عنه هذه القراءة أن علم الجينات لا يصنع هوية، ولا يُنتج وطنًا، ولا يخط حدودًا سياسية أو حضارية. الجينات ليست ميثاقًا وطنيًا، بل ذاكرة بيولوجية صامتة. ومن الخطأ الجسيم تحميل الجينوم مهمة إثبات “أحقية ثقافية” أو “تفوّق عرقي”.



وهم النقاء: نسخة رديئة من كوابيس القرن العشرين

من المثير للأسى أن كثيرًا من الخطاب الأمازيغي الراديكالي يتبنى، دون وعي، منطقًا أوروبيًا استعماريًا قديمًا: فكرة الأمة النقية، العرق المتفوق، والأصل العتيق الذي لم يُدنّس. هذه الفكرة، التي أحرقت العالم في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، تُبعث اليوم في شمال إفريقيا بلون مختلف، لكنها تحتفظ بجوهرها القاتل: الهوية كإقصاء، لا كمشاركة.

وهنا تُطرح الأسئلة المؤلمة:
لماذا نشعر أن وجودنا مرهون بإلغاء الآخر؟
لماذا لا نقدر على الانتماء إلى أكثر من بعد؟
ولماذا يبدو الإسلام والعروبة للبعض كندٍّ أبدي للأمازيغية، لا كمكوّن تاريخه امتزج بها؟



مصر القديمة ليست مشروعًا سياسيًا معاصرًا

القول إن المصريين القدماء كانوا “أمازيغًا” أو “عربًا” أو “أفارقة” إسقاط غير علمي. لا لأن الحمض النووي كاذب، بل لأننا نقرأه بنظارات أيديولوجية معاصرة. مصر في 2600 قبل الميلاد لم تكن تعرف الأمازيغ ولا العرب ولا حتى المفهوم السياسي للهوية. الحضارات القديمة كانت بنيات تراكمية، لا تُصاغ على مقاس سرديات ما بعد الاستعمار.

حتى الفرد الذي وُجد في قرية النويرات في صعيد مصر، والذي يعود إلى فترة ما قبل التحنيط، لا يمكن اعتباره “دليلًا” على ارتباط وراثي بين مصر القديمة وسكان المغرب الكبير، لأن سكان شمال إفريقيا أنفسهم، في تلك العصور، لم يكونوا نُسخًا نقية من “أمازيغ معاصرين”، بل جماعات متعددة المكونات واللغات والهجرات.



الامتزاج لا يعني الذوبان

الانتماء العربي والإسلامي للأمازيغ ليس عيبًا ولا وصمة. بل هو امتداد طبيعي لسيرورة تاريخية عرفت التلاقح لا الفتح، والتداخل لا الإقصاء. الإسلام لم يُلغِ الأمازيغ، بل احتضنهم. والدولة المرابطية، التي أسّسها أمازيغ مسلمون، لم تكن أقل إسلامًا من الخلافة العباسية، ولا أقل عمقًا من الأندلس العربية.

نحن لسنا مطالبين بالاختيار بين الإسلام والأمازيغية، ولا بين العروبة والانتماء المحلي. إن هذا التقابل القاتل هو وليد خيال مأزوم، لا واقع حقيقي.



ماذا بقي من الحلم؟

لم يبقَ سوى أن نتحرر من هذا السُعار القومي، وأن نُخرج الهويات من جحيم المقارنات. فكما أن العروبة ليست عدوا للأمازيغية، كذلك فإن الإسلام ليس استعمارًا ثقافيًا، بل تجربة إنسانية دخلها الأمازيغ بإرادتهم، وساهموا فيها بفكرهم، وشاركوا في تشييدها بأيديهم.

والذين يريدون تفتيت النسيج الوطني على أساس وهم النقاء، عليهم أن يُجيبوا:
إذا خرجتم من العروبة، فأين تذهبون؟
هل تملكون سردية بديلة، جامعة، عقلانية، تتسع لماضيكم وحاضركم ومستقبلكم؟
أم أنكم فقط تهربون من فشل الحاضر إلى أساطير النقاء القديم؟



في النهاية لابد أن نتفهم جيدا بأن العقل أهميته تكمن قبل العرق

قال المفكر السنغالي شيخ أنتا ديوب:

“لا يوجد شعبٌ نقيّ، بل هناك شعوب تصالحت مع تاريخها وأخرى هربت منه”.

الأمازيغ لا يحتاجون إلى إثبات وجودهم عبر المِجهر الجيني. هم أمة حية، قدّمت للمغرب الكبير لغته الأولى، وروحه المقاومة، وجذوره المتجذرة في التراب.
لكن بقدر ما يُفقدهم الإنكار العربي حقهم، يفقدهم أيضًا هوس النقاء جوهرهم: الانتماء إلى كل ما عاشوه وما صاروا عليه.

إن المستقبل لا يُبنى على عظام الماضي، بل على قدرة الإنسان على احتواء ذاته المركبة دون أن يُمزقها من الداخل.

ـــــــ

المراجع:

• مجلة Nature – العدد الصادر في 2 يوليو/تموز 2025
• تصريحات الباحثة أديلين موريس جاكوبز – جامعة ليفربول جون مورز
• أعمال محمد عابد الجابري، خاصة “نقد العقل العربي”
• تقارير الأنثروبولوجيا الوراثية – معهد فرانسيس كريك (2024–2025)
• أطروحات حول الهوية في شمال إفريقيا – جامعة ليون وجامعة الجزائر 2



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تعشق أجنحة الطائر أسلاك القفص
- شخصية الضحية المزمنة: بين قناع الضعف وحقيقة الاستنزاف المقدس ...
- ومضات من حياة ديكنز (الجزء الثاني): عبقريةٌ مزدوجة وظلالُ زو ...
- إبادة غزة تسقط الهولوكوست من كافة المعايير الانسانية ومن الا ...
- السيخية بين الروح والتاريخ: تأملات رحّالة بين المعابد
- عندما يضيء عقلك عتمة حياتك: أربعون درسًا من قلب الطريق
- الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات
- ملفات إبستين: التستر الكبير، الانقسام المؤسسي، وامتحان الشفا ...
- لوران ديكريك… عندما تصبح الأسئلة التاريخية جريمة أخلاقية
- أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش
- صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود
- من نباح الامان الى عواء الحرية
- من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف
- المتقاعدون: ثروة وخبرة تُستثمر لا تُهمَّش – نحو سياسات مستني ...
- رؤية خضراء لإحياء الصحراء: مقترح بيئي شامل لإعادة تأهيل الصح ...
- الصهيونية والعقيدة اليهودية: تفكيك خرافة دينية وخيانة أخلاقي ...
- معاهدة الماء: حين يصبح الصمت ديانة
- فلسفة وابي سابي: حين تصبح الشقوق ذهبًا — دع النور يتسرّب من ...
- العالم على مائدة واحدة: حين تتحوّل الشهية إلى مرآة للهوية
- أحبّهم… لكنهم يُطفئونني: الشخصيات السامّة بعيون الوعي


المزيد.....




- فيديو يظهر لحظة تبادل القصف العنيف بين جيشي تايلاند وكمبوديا ...
- استمرار الاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا لليوم الثالث رغم دعو ...
- كيف يفسر العلم التشابه المذهل في سلوكيات توائم لا يعيشون مع ...
- قبلة حفلة -كولدبلاي- تطيح بمسؤولة الموارد البشرية في شركة -أ ...
- ترامب في اسكتلندا: زيارة تجمع بين السياسة والغولف في موطن وا ...
- الصين تدعو لإنشاء منظمة عالمية للتعاون في مجال الذكاء الاصطن ...
- غموض يكتنف -بدائل نتنياهو- بعد انسحاب الوفد الإسرائيلي من مف ...
- مصر.. تداول فيديو لاحتجاز ضابط بقسم شرطة والداخلية تكشف حقيق ...
- -تصميم- أطفال خارقين: ما هي تقنية -تحسين النسل- التي اعتمدها ...
- الحجم أم التوازن.. ما الذي يجعل الشفاه جذابة أكثر؟


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أوزجان يشار - الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتماء في زمن الانكسار