أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أوزجان يشار - الجدل العقائدي بين النقد أم الشيطنة؟ حين نرى العالم بعين واحدة














المزيد.....

الجدل العقائدي بين النقد أم الشيطنة؟ حين نرى العالم بعين واحدة


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 18:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يعد الجدل سواء كان الديني أو الفكري اليوم مساحةً للبحث عن الحقيقة، بل صار في كثير من الأحيان ساحةً لرفع الشعارات، وتبادل الاتهامات، واختزال التاريخ في عناوين عريضة.
ولكن: هل نحن ننتقد حقًّا؟ أم أننا نُشيطن؟ وهل ندرك الفارق بين الحالتين؟



النقد: سلوك عقل، والشيطنة: سلوك هوى

حين تنقد، فأنت تضع النص أو الفكرة أو الشخص على طاولة البحث: تسأل، تفتش، تربط السياق بالزمن، ثم تقول: هذا ما وجدت.
أما حين تُشيطن، فأنت تضع الحكم أولًا، ثم تبحث عن أي اقتباس لتثبته، ولو كان خارج زمانه ومكانه.

الناقد يسأل: “كيف كان هذا النص يُفهم حين كُتب؟”
أما من يشيطن فيصرخ: “كيف تجرؤون أن تقولوا هذا؟” دون أن يسأل عن السياق.



التاريخ مرآة لهذا الخلط

في كتب التاريخ صور كثيرة تُظهر كيف يتحول النقد إلى سلاح لتبرير البغضاء، بدل أن يكون بابًا للفهم.

1. الإسلام.. نبي الغزوات أم نبي الدفاع؟

من يقرأ التاريخ قراءة مبتورة يقول: “أن الإسلام دين السيف وأن الرسول محمد صلي الله عليه كان نبيّ الغزوات”.
لكن حين تُعيد الوقائع إلى ترتيبها الزمني تدرك أن كل معارك النبي محمد ﷺ كانت دفاع عن النفس:
• بدر: ردًّا على قافلة قريش التي نهبت أموال المهاجرين.
• أحد والخندق: دفاع عن المدينة نفسها.
• فتح مكة: كان بلا قتال، وانتهى بالعفو الشهير: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

بل إنَّ القرآن نفسه رسم قاعدة صريحة:

“وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين” (البقرة: 190)

هذا السياق يغيب في لحظة التعميم، فيتحول الدفاع إلى غزو في المخيال الشعبي.



2. المسيحية.. دين المحبة أم مؤسسة الفتوحات؟

المسيح، بحسب الأناجيل، لم يحمل سيفًا قط، بل قال:

“أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم” (متى 5:44)

ولكن بعد أن أصبحت الكنيسة مؤسسة سياسية في الإمبراطورية الرومانية، تغيّر المشهد:
• في محاكم التفتيش (القرنان 15 و16): تم إعدام عشرات الآلاف من المسلمين واليهود والمسيحيين المخالفين للعقيدة الكاثوليكية.
• في أمريكا الجنوبية: أباد الغزاة الإسبان حضارات الإنكا والمايا والأزتك تحت شعار الصليب.
• في الفلبين وأفريقيا وأستراليا: تنصير قسري وإبادة ثقافات محلية كاملة.
• في شمال أوروبا: فُرضت المسيحية بالسيوف على الشعوب الإسكندنافية.

هنا يكمن الفرق بين النص والسلوك: هل نُحمّل المسيح مسؤولية ما فعلته الكنيسة؟
المنطق يقول لا، لكن من يشيطن لا يفرق.



3. اليهودية.. النصوص القديمة بين سياقها واستغلالها

سفر التثنية وسفر صموئيل مليئان بنصوص السبي والقتل. لكن هذه النصوص كانت جزءًا من ثقافة حربية قديمة. المشكلة ليست في النص التاريخي بقدر ما هي في من يحاول استنساخ تلك الأحكام بعد آلاف السنين وكأنها صالحة لكل زمان.



حين نفصل بين النص والواقع

إنَّ القراءة الموضوعية ترى الطبقات كاملة:
• هناك نصٌّ مقدس في زمنه.
• وهناك بشرٌ قد يسيئون فهم النص أو يوظفونه لمصلحتهم.
• وهناك تطور حضاري يُعيد النظر في النصوص ضمن سياقها الزمني الحالي.

بينما القراءة الشيطانية تختصر كل ذلك في عبارة:
“هؤلاء قوم دمويون” أو “هذا الدين كله إرهاب”.



أمثلة مربكة تُعيد التفكير
• تجارة العبيد في أفريقيا:
تمت تحت رعاية دول مسيحية وبدعم من البابوية، بينما النصوص المسيحية الأصلية لم تدعُ لذلك.
وفي المقابل، الإسلام وجد الرق واقعًا عالميًا، فجعل تحرير العبد كفارة وصدقة وأجرًا، حتى انتهت هذه الظاهرة بالتدرج.
• ما يسمى بالفتوحات الإسلامية وهذا تصنيف غير دقيق:
كثير من المناطق التي دخلها المسلمون (كالصين وأندونيسيا وماليزيا) لم يدخلها جندي واحد؛ بل تجار ودعاة.
بينما مناطق تنصرت بالسيف وبطريقة بشعة لم تستطع الكنيسة حتى اليوم تبرير ما حدث (الإنكا، الفلبين، أستراليا).
• الكتب المقدسة والاختيار الانتقائي:
يمكن لأي شخص أن يقتطع من أي كتاب مقدس نصًا حربيًا أو متشددًا، ويقول: هذا هو الدين.
لكن ذلك ليس نقدًا، بل اصطياد للنصوص لإدانة الآخر.



النقد الحقيقي: مسؤولية لا هواية

النقد الحقيقي يتطلب:
1. إدراك الفارق بين النص والممارسة.
2. معرفة السياق التاريخي والإنساني والثقافي لكل نص.
3. تجنب التعميم: كل فكرة، كل دين، كل مذهب يُدرس على حدة.

أما النقد الذي يبدأ بالحكم ثم يفتش عن الدليل فهو محاكمة هوجاء باسم العقل.



الحوار أم الجدال؟

الحوار الحقيقي يشبه جسرًا فوق نهر: يُتيح للطرفين أن يلتقيا في الوسط.
أما الجدال العقيم، فهو مثل قرع الطبول وسط صحراء: كل ما تسمعه هو صدى صوت الطبول.

في الحوار:
لا يوجد منتصر ولا خاسر، بل متشاركون في البحث عن الحقيقة.
أما في الجدال:
فالامر بمثابة مسابقة في الصوت المرتفع والهدف الوحيد هو أن تصرخ أعلى من غيرك.



خاتمة

الوعي هو أن نفهم الفارق بين:
• نقد النص،
• وشيطنة كل من يؤمن به.

من يبحث عن الحقيقة يتسلّح بالعدل، لا بالغضب.
ومن يُشيطن الآخرين إنما يكشف ضعف حجته قبل قوة صوته.



مصادر استند إليها النص:
1. Thomas W. Arnold, The Preaching of Islam, 1896.
2. Karen Armstrong, The History of God, 1993.
3. Will Durant, The Story of Civilization, Vol. 4–6.
4. John Esposito, The Oxford History of Islam, 1999.
5. Bernard Lewis, The Assassins and Holy War in the Middle East, 1985.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يُصبح الصمتُ العالمي شريكًا في الإبادة
- الهوية الأمازيغية بين وهم النقاء وخديعة الجينات: صراع الانتم ...
- حين تعشق أجنحة الطائر أسلاك القفص
- شخصية الضحية المزمنة: بين قناع الضعف وحقيقة الاستنزاف المقدس ...
- ومضات من حياة ديكنز (الجزء الثاني): عبقريةٌ مزدوجة وظلالُ زو ...
- إبادة غزة تسقط الهولوكوست من كافة المعايير الانسانية ومن الا ...
- السيخية بين الروح والتاريخ: تأملات رحّالة بين المعابد
- عندما يضيء عقلك عتمة حياتك: أربعون درسًا من قلب الطريق
- الابتسامة التي تُبنى عليها الإمبراطوريات
- ملفات إبستين: التستر الكبير، الانقسام المؤسسي، وامتحان الشفا ...
- لوران ديكريك… عندما تصبح الأسئلة التاريخية جريمة أخلاقية
- أسماك القرش: ضحايا وهم التوحش
- صرير العجلات ومعنى أن نُقاد بدل أن نقود
- من نباح الامان الى عواء الحرية
- من فولتير إلى بيل غيتس: رحلةُ الوعي بين التنوير والكلاشينكوف
- المتقاعدون: ثروة وخبرة تُستثمر لا تُهمَّش – نحو سياسات مستني ...
- رؤية خضراء لإحياء الصحراء: مقترح بيئي شامل لإعادة تأهيل الصح ...
- الصهيونية والعقيدة اليهودية: تفكيك خرافة دينية وخيانة أخلاقي ...
- معاهدة الماء: حين يصبح الصمت ديانة
- فلسفة وابي سابي: حين تصبح الشقوق ذهبًا — دع النور يتسرّب من ...


المزيد.....




- الطائفة السامرية: فسيفساء دينية تزين نابلس
- طهران تعتقل يهوديين أمريكيين من أصول إيرانية بتهمة التجسس لص ...
- إسبانيا.. اكتشاف كنيس قديم يعيد كتابة التاريخ اليهودي المبكر ...
- حاخامات يهود.. على “إسرائيل” وقف التجويع والقتل في غزة
- مئات الحاخامات اليهود يطالبون إسرائيل بوقف التجويع وقتل المد ...
- طهران وكابول تطالبان بعقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الاسلام ...
- اقــــرأ: ثلاثية الفساد.. الإرهاب.. الطائفية
- طهران وكابول تطالبان بعقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الاسلام ...
- إسرائيل تجدد إبعاد مفتي القدس والديار الفلسطينية عن المسجد ا ...
- الاحتلال يُسلّم مفتي القدس قرارا بالإبعاد عن المسجد الأقصى ل ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أوزجان يشار - الجدل العقائدي بين النقد أم الشيطنة؟ حين نرى العالم بعين واحدة