أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمدي سيد محمد محمود - العقل المستبدّ: جنوح التيار العلماني المتطرف لتفكيك ثوابت الإسلام تحت ستار نقد الخطاب الديني














المزيد.....

العقل المستبدّ: جنوح التيار العلماني المتطرف لتفكيك ثوابت الإسلام تحت ستار نقد الخطاب الديني


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 16:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


د حمدي سيد محمد محمود
في العقود الأخيرة، شهد المشهد الثقافي والفكري في العالم العربي والإسلامي صعودًا متناميًا لما يُعرف بالتيار العلماني المتطرف، وهو تيار يذهب بعيدًا في معاداة المرجعية الدينية والثوابت العقدية التي شكّلت وعي الأمة الإسلامية عبر قرون متعاقبة. هذا التيار لا يكتفي بمجرد الدعوة إلى الفصل بين الدين والدولة، أو نقد بعض الممارسات المنحرفة باسم الدين، بل يتجاوز ذلك إلى ما يمكن وصفه بمحاولة اجتثاث الجذور التأصيلية التي بُني عليها الدين الإسلامي، وذلك عبر استهداف القطعيات الشرعية، والمسلمات العقدية، وما أُجمع عليه بين علماء الأمة من العصر النبوي حتى اليوم، تحت عباءة جذابة يُطلقون عليها "نقد الخطاب الديني".

ينبغي التمييز بين "نقد الخطاب الديني" كمنهج علمي مشروع يهدف إلى تصحيح الانحرافات الفكرية والانغلاق الثقافي، وبين استخدام هذا الشعار كذريعة لتقويض الدين ذاته، أو محاكمة النصوص الشرعية بمنطق علماني مغاير تمامًا للمنطق التأويلي الإسلامي. فقد أصبح واضحًا أن كثيرًا من دعاة هذا التيار لا يكتفون بنقد الفهم البشري للدين، وإنما يتجاوزون ذلك إلى الاعتراض على النصوص القرآنية والحديثية ذاتها، ومهاجمة الشريعة بوصفها بنية قمعية، وإقصائية، وماضوية. بل أصبحوا يُشيعون خطابًا يُصور العقيدة الإسلامية باعتبارها عائقًا أمام التقدم، ومصدرًا للتخلف، وأداة للهيمنة الذكورية والاستبداد السياسي، وهو ما يعكس جنوحًا صريحًا نحو التطرّف في الطرح العلماني، يجري فيه استحضار مرجعيات حداثية غربية دون تمحيص، لتُفرض على الواقع الإسلامي دون اكتراث بسياقه الحضاري والأنطولوجي.

أخطر ما في هذا التوجه هو محاولته تقويض مبدأ "الإجماع" الذي يمثل أحد مصادر التشريع الإسلامي، والطعن في مكانة "السنة النبوية" كمصدر وحي ثانٍ، ورفض "الحدود الشرعية" بوصفها عنفًا مؤسسيًا، ونسف "المعلوم من الدين بالضرورة" تحت مبرر التجديد. فالعقل العلماني المتطرف هنا لا يكتفي بتفكيك الخطاب الديني التقليدي أو السياسي، بل يتعامل مع الدين ذاته كخطاب ينبغي تفكيكه، وتجريده من سلطته الرمزية والمرجعية، لتُعاد صياغة الهوية الإسلامية برمتها وفقًا لنموذج عقلاني محض، خالٍ من الغيب، منزوع من الروح، ومجرد من القداسة.

يتموضع هذا الخطاب الجديد داخل استراتيجية ثقافية مدروسة تهدف إلى إعادة إنتاج الدين ضمن قوالب تفقده فاعليته ومركزيته؛ فهو خطاب لا يُعادِل الدين أو يعارضه في المجال العمومي فحسب، بل يسعى إلى إعادة تعريف الدين ذاته ليُصبح أقرب إلى "تجربة فردية" قابلة للتفكيك والتأويل إلى ما لا نهاية. وهذا ما يجعل من العلمانية المتطرفة في السياق الإسلامي مشروعًا أيديولوجيًا خطيرًا يتجاوز مجرد الفصل بين الدين والدولة، ليغدو مشروعًا للتفريغ الرمزي، والتصفية التدريجية للوعي الإسلامي التاريخي.

ولا يمكن فهم هذا المنحى إلا من خلال إدراك التشابك العميق بين التيارات العلمانية المتطرفة وبعض الاتجاهات الغربية ما بعد الحداثية، التي تدعو إلى "نزع السحر عن العالم"، وتفكيك البنى الرمزية الكبرى، بما فيها الدين، والهوية، والتاريخ، والمعنى ذاته. فتحت تأثير هذه التيارات، يُعاد تقديم الدين بوصفه مشكلة، لا بوصفه حلاً، ويُصور الخطاب الإسلامي بوصفه أداة سيطرة، لا إطارًا للتحرر الروحي والأخلاقي، وهو ما يقود في نهاية المطاف إلى استلاب الوعي الإسلامي وتغريبه من الداخل.

إن الواجب الفكري والأخلاقي في مواجهة هذا التيار لا يتمثل في الدفاع العاطفي عن الدين، بل في تقديم قراءة نقدية علمية تفضح انحرافاته المنهجية، وتُظهر طبيعته الإقصائية والاستبدادية باسم "التحرر"، وتُبيّن كيف أنه يعيد إنتاج قمع جديد باسم العقل والحرية. ذلك أن حرية التفكير لا تعني بالضرورة تحطيم المقدس، والعقلانية لا تبرر النيل من ما أجمع عليه المسلمون، كما أن التحديث لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الدين، بل من داخله، وبالشراكة معه، لا ضدّه.

وباختصار، فإن جنوح التيار العلماني المتطرف في نقد ثوابت الإسلام لا يُمثّل تطورًا في الوعي، بقدر ما هو ارتداد عن المرجعيات الكبرى، ومحاولة لاستبدال وحي السماء بإرادة الإنسان المتأله، ولتشييد صرح العقل المجرد على أنقاض الروح، وهو ما يستدعي منا يقظة نقدية، وتجديدًا أصيلاً واعيًا لا يسقط في فخ الهدم تحت اسم "النقد"، ولا يخلط بين الإصلاح والانتحار الرمزي.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي
- التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء ...
- السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية
- فلسفة ما بعد الإنسان: تحولات الذات في عصر الكائنات المعززة
- إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت ا ...
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...
- المؤسسات في زمن الذكاء الفائق: من البيروقراطية إلى الخوارزمي ...
- التكامل الذكائي: من سيادة العقل إلى خوارزمية السيطرة
- أنقاض المعنى: الفلسفة الأوروبية بين مشروع العقل وانهيار اليق ...
- الكسب في الفكر الأشعري: فلسفة التوفيق بين الجبر والاختيار
- الفلسفة الأوروبية المعاصرة وتحديات العصر الحديث: بين العلمنة ...
- الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوا ...
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...
- العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد ال ...
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة


المزيد.....




- الاحتلال يُسلّم مفتي القدس قرارا بالإبعاد عن المسجد الأقصى ل ...
- غارديان: أرقام صادمة عن كراهية الإسلام في بريطانيا
- حين تتسلق الروح جسدها المنكوب... قراءة في رواية -أرواح كليمن ...
- مصر.. التحقيق مع أستاذة جامعية بعد فتوى -إباحة الحشيش-
- إتحاد علماء المسلمين يطالب شيخ الأزهر بإصدار فتوى نصرة غزة
- قبة الخضر إحدى قباب المسجد الأقصى
- مصدر قضائي لبناني: تفكيك مخيم تدريبي لحركة حماس والجماعة الإ ...
- مصر.. علاء مبارك يشعل تفاعلا برده ساخرا على مصطفى بكري عن نف ...
- حاخام يهودي يقر بتأخره في وصف جرائم الاحتلال في غزة بالإبادة ...
- رويترز: إسلاميو السودان يتطلعون للعودة بعد الحرب عبر دعم الج ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمدي سيد محمد محمود - العقل المستبدّ: جنوح التيار العلماني المتطرف لتفكيك ثوابت الإسلام تحت ستار نقد الخطاب الديني