أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي














المزيد.....

حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 09:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في سياق التحولات العميقة التي يشهدها العالم المعاصر، لم تعد المؤسسات السياسية والإدارية في المجتمعات المتقدمة مجرد أذرع تنفيذية تقليدية للسلطة، بل أضحت كيانات فاعلة ومرنة تعيد إنتاج المعرفة، وتوزيع السلطة، وصياغة التفاعلات الاجتماعية والسياسية بطرق غير مسبوقة. إن هذه المؤسسات لم تعد تُقاس فقط بقدرتها على إنفاذ القوانين أو تطبيق السياسات، بل أصبحت موضع مساءلة بوصفها مراكز تفكير وتخطيط استراتيجي، ومنصات لتجميع التوقعات المجتمعية وصهرها في قوالب سياساتية قابلة للتنفيذ، ضمن بيئة متسارعة تتطلب الاستجابة الذكية، لا الانضباط البيروقراطي الجامد.

لقد ارتقت هذه المؤسسات إلى دور مركزي في تشكيل المجال العام، لا بصفتها أدوات للسيطرة، بل كمحركات لإنتاج المعرفة المؤسسية وتوظيفها في إدارة التعقيد المجتمعي. وفي خضم الانتقال نحو "الذكاء المؤسسي"، شهدنا بروز ما يمكن تسميته بـ"التحوّل من الحكم إلى الحوكمة" — وهو تحوّل لم يعنِ فقط تغيّرًا في الأساليب، بل انقلابًا في الفهم الجوهري لوظائف المؤسسات، إذ بات يُنظر إليها كبنى مفتوحة على المجتمع، تتفاعل معه باستمرار، وتعيد تشكيل ذاتها استجابةً لتحولاته المعرفية والتقنية والقيمية.

وفي هذا السياق، فرضت مفاهيم "الحوكمة الذكية" و"الديمقراطية الخوارزمية" نفسها بوصفها نماذج متقدمة لإدارة الشأن العام، تتجاوز مركزية القرار التقليدية نحو أنماط شبكية من التنظيم والتواصل واتخاذ القرار. فالدولة الذكية لا تحكم من فوق، بل تتفاعل أفقيًّا مع شبكات من الفاعلين – مواطنين، مؤسسات، خبراء، منصات رقمية – ضمن آلية متواصلة من التحليل، التنبؤ، الاستجابة، والتقييم. وهذا يعني أن المؤسسات أصبحت، من جهة، حاضنات للخبرة التقنية ومراكز لتجميع وتحليل البيانات الضخمة، ومن جهة أخرى، بوابات للشفافية والمساءلة العامة، حيث يملك المواطن أدوات رقمية لرصد الأداء وتوجيه السياسات.

هذا التحوّل الجذري في بنية ووظيفة المؤسسات أعاد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة؛ فلم يعد المواطن مجرد متلقٍّ سلبي للقرارات، بل مشارك فعّال في صناعتها، عبر أدوات الخوارزميات التشاركية، ومنصات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم في تحليل احتياجات المجتمعات المحلية، وتحديد الأولويات العامة، بل وأحيانًا في اتخاذ قرارات سريعة ومعقدة يتعذر على النظم التقليدية استيعابها بنفس الكفاءة.

ومع أن اعتماد هذه المؤسسات على التكنولوجيا المتقدمة قد يُوحي بتجاوز الأدوار التقليدية، إلا أن الواقع يُظهر أن التكنولوجيا لم تُلغِ الوظائف القديمة، بل أعادت تشكيلها في قوالب أكثر تكيفًا وفاعلية. فمثلاً، وظيفة التشريع التي كانت حكرًا على المؤسسات التمثيلية، أصبحت اليوم محاطة بشبكات من البيانات والتغذية الراجعة الرقمية، بينما تحوّلت الوظائف الرقابية إلى عمليات آنية وآلية تُنجز عبر أنظمة تتبع الأداء المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وكذلك الشأن في اتخاذ القرار، الذي لم يعد فعلًا فرديًا لمركز سلطوي، بل نتيجة تحليل خوارزمي لتدفقات معرفية واجتماعية وتكنولوجية متشابكة.

إننا نشهد اليوم صعود نماذج حكم جديدة تُعيد تعريف الدولة لا كجهاز مهيمن، بل كمنصة تفاعلية لإدارة المصالح، وتوليد الحلول، وتنظيم التعايش. وفي هذا الإطار، تغدو المؤسسات جوهرية لا لأنها تمثل السلطة، بل لأنها تُجسّد التوازن الذكي بين الاستقرار والتجديد، بين العقلانية البيروقراطية والابتكار التكنولوجي، بين السيادة التقليدية والحوكمة الشبكية. وبالتالي، فإن مستقبل الحكم في المجتمعات المتقدمة لن يُقاس بعدد القوانين أو حجم الأجهزة، بل بمدى قدرة المؤسسات على العمل كعُقد ذكية داخل شبكات معقدة من التفاعل السياسي والاجتماعي والتقني.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء ...
- السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية
- فلسفة ما بعد الإنسان: تحولات الذات في عصر الكائنات المعززة
- إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت ا ...
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...
- المؤسسات في زمن الذكاء الفائق: من البيروقراطية إلى الخوارزمي ...
- التكامل الذكائي: من سيادة العقل إلى خوارزمية السيطرة
- أنقاض المعنى: الفلسفة الأوروبية بين مشروع العقل وانهيار اليق ...
- الكسب في الفكر الأشعري: فلسفة التوفيق بين الجبر والاختيار
- الفلسفة الأوروبية المعاصرة وتحديات العصر الحديث: بين العلمنة ...
- الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوا ...
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...
- العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد ال ...
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة
- هندسة العقل الحديث: ريشنباخ وبناء الفلسفة العلمية المعاصرة


المزيد.....




- -سفير مزيف لدولة وهمية خدع العاطلين- يقع في قبضة الشرطة الهن ...
- قيادي في -حماس- يكشف لـCNN ما دار في مفاوضات وقف إطلاق النار ...
- بالرغم من الخطر وانهيار البنى التحتية، أكثر من مليون لاجىء س ...
- كيف تحوّل الدم إلى عبء مالي في زيمبابوي؟
- حماس: لم نبلّغ بأي إشكال بشأن المفاوضات..ونستغرب تصريح ترامب ...
- محادثات إيران والترويكا الأوروبية..هل تسعى طهران لكسب الوقت؟ ...
- زيلينسكي: نحتاج 65 مليار دولار سنويا لمواصلة الحرب ضد روسيا ...
- 220 نائبا بريطانيا يحضّون ستارمر على الاعتراف بدولة فلسطين
- هل أغلق رد حماس على مقترح الهدنة باب التهدئة في غزة؟
- فيديو: شاحنات مساعدات إنسانية عاجلة تتجه من مصر إلى غزة


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي