أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء الفائق؟














المزيد.....

التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء الفائق؟


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 00:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د حمدي سيد محمد محمود
في عصر الذكاء الاصطناعي الفائق، يجد الإنسان نفسه منقادًا طوعًا أو كرهًا إلى علاقة وجودية جديدة، علاقة تتجاوز حدود الاستخدام والتشغيل، إلى نوع من التماهي النفسي والتكنولوجي مع الآلة الذكية. لقد أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تكتفي بأن تكون أدوات في يد الإنسان، بل صارت مرايا تعكس رغباته، وتعيد تشكيل تصوراته، وتوجه اختياراته اليومية، من أبسط تفاصيل حياته إلى أعمق قراراته. هنا يبدأ الاغتراب، لا كحالة فلسفية فحسب، بل كواقع معيش ينخر في كينونة الإنسان من الداخل، إذ يجد نفسه متصلًا على الدوام، لكنه في الوقت ذاته، منفصل عن جوهر التواصل الإنساني الحقيقي.

لقد أعادت خوارزميات الذكاء الاصطناعي تعريف معنى "اللقاء"، فغابت الحميمية، وغابت النظرات، وغابت اللمسات، ليحل محلها تفاعل رقمي بارد، محكوم بمنطق التوصيات الآلية والاستجابات المشروطة. في هذا السياق، يفقد الإنسان تدريجيًا قدرته على الإصغاء للآخر، وعلى التفاعل العفوي، وعلى بناء العلاقات القائمة على التفاهم والاختلاف والتسامح. تذبل الروابط الإنسانية تحت ضغط السرعة الفائقة، والكفاءة المتعالية، والانغماس في العوالم الافتراضية، ليصبح الإنسان أقرب إلى "ذاته الرقمية" مما هو إلى "أخيه الإنسان".

إن الاغتراب هنا لا يتخذ فقط شكلاً اجتماعيًا أو ثقافيًا، بل يتحول إلى اغتراب أنطولوجي، إذ يُختزل الإنسان في بياناته وسلوكياته الرقمية، ويُعاد تشكيله وفق منطق الخوارزمية. فبدلاً من أن يُفهم بوصفه كائنًا حرًا، متفردًا، ومعقدًا، يُعاد تصنيعه ككائن يمكن التنبؤ به، وضبطه، وتوجيهه نحو أنماط استهلاك وتفكير وسلوك مرسومة سلفًا. ومع هذا التحول، يتراجع الإنسان عن مركزه التقليدي بوصفه صانع المعنى، ليغدو مستهلكًا لمعانٍ تُنتجها الآلات وتُفرض عليه بوصفها "حقائق موضوعية".

وفي هذه العلاقة المستجدة، يغدو الذكاء الاصطناعي هو الوسيط، والمستشار، والرفيق، وأحيانًا المُؤنس، في حين يُقصى الإنسان الآخر إلى الهامش. يُفضل البعض محادثة روبوتات الدردشة على الحديث مع أقرانهم، ويستعيض آخرون عن العلاقات العاطفية الحقيقية بتجارب رقمية اصطناعية، مما يجعل من الاغتراب حالة جمعية، تتسلل إلى داخل النسيج المجتمعي وتُضعف قوامه من حيث لا يدري.

وهكذا، فإننا أمام مفارقة عميقة: في الوقت الذي يبلغ فيه الذكاء الاصطناعي ذروته، تنحدر الروح الإنسانية إلى قاع الوحدة. في الوقت الذي تعج فيه الشبكات الاجتماعية بالمليارات من الروابط، نجد أن الشعور بالوحدة والعزلة النفسية في تصاعد غير مسبوق. لم يعد الإنسان غريبًا عن العالم فحسب، بل صار غريبًا عن ذاته، غريبًا عن الآخر، غريبًا عن تلك اللحظة الإنسانية التي تتطلب الصمت، أو العناق، أو مجرد نظرة تفهم. إنها لحظة اغتراب شاملة، تُعرّي الإنسان من بعده الاجتماعي، وتُفرغه من قدرته على المعنى.

إن تحدي الذكاء الاصطناعي الفائق ليس فقط في قوته الحسابية أو في سرعته الخارقة، بل في قدرته على إعادة صياغة الوجود الإنساني ذاته، وعلى تحويل "التواصل" إلى "تشابك شبكي"، و"العلاقات" إلى "تفاعلات رقمية"، و"الذات" إلى "ملف بيانات". من هنا، يغدو سؤال الاغتراب سؤالًا أخلاقيًا وفلسفيًا وسياسيًا في آن واحد: كيف نحمي إنسانيتنا في زمن أصبحت فيه الآلة أكثر قربًا من قلوبنا من الإنسان نفسه؟ وكيف نستعيد جوهر العلاقة الإنسانية في عصر تُسلب فيه الحميمية من عالمنا قطعةً بعد أخرى؟



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية
- فلسفة ما بعد الإنسان: تحولات الذات في عصر الكائنات المعززة
- إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت ا ...
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...
- المؤسسات في زمن الذكاء الفائق: من البيروقراطية إلى الخوارزمي ...
- التكامل الذكائي: من سيادة العقل إلى خوارزمية السيطرة
- أنقاض المعنى: الفلسفة الأوروبية بين مشروع العقل وانهيار اليق ...
- الكسب في الفكر الأشعري: فلسفة التوفيق بين الجبر والاختيار
- الفلسفة الأوروبية المعاصرة وتحديات العصر الحديث: بين العلمنة ...
- الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوا ...
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...
- العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد ال ...
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة
- هندسة العقل الحديث: ريشنباخ وبناء الفلسفة العلمية المعاصرة
- العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا واله ...


المزيد.....




- -على إسرائيل إنهاء المهمة-.. هل تصريح ترامب يغلق باب التفاوض ...
- برنامج الأغذية يقول إن ثلث أسر قطاع غزة لا يأكلون لأيام، ومص ...
- وزير فرنسي: مشكلات الأمن بغرب أفريقيا لم تعد تخصنا
- غوتيريش: الكلمات لا تطعم أطفال غزة الجياع
- 1.3 مليون نازح سوداني يعودون إلى ديارهم وسط دمار شامل ونداءا ...
- اشتعال الحدود بين تايلاند وكمبوديا.. أحكام عرفية وقصف متبادل ...
- تصدعات خطيرة في الدولة وإسرائيل أمام سؤال البقاء
- الاعتراف الأوروبي بفلسطين.. شيك بلا رصيد في مواجهة الفيتو ال ...
- عاجل | الحرس الثوري الإيراني: مقتل عنصر وإصابة آخر باستهداف ...
- مصدر لـCNN: مراجعة حكومية أمريكية لم تجد دليلا على سرقة -حما ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء الفائق؟