أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية














المزيد.....

السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 22:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
لقد ظلت فكرة الوحدة العربية حلمًا يراود الشعوب العربية لعقود طويلة، متغنية بآمال القضاء على الحدود المصطنعة، وتوحيد العملات، وحرية حركة الأفراد والسلع دون قيود جمركية أو أمنية. إلا أن هذا الحلم، الذي كان يومًا ما يبدو في متناول اليد، قد تراجع كثيرًا أمام صعود نجم السرديات القُطرية. هذه السرديات، التي تركز على تمجيد الهوية الوطنية الضيقة لكل دولة على حدة، وتضخيم الإنجازات المحلية، وخلق أبطال قوميين منفصلين عن السياق العربي الأوسع، باتت تشكل المعيق الأبرز والأخطر لتحقيق أي تقارب عربي حقيقي وشامل. لقد أدت هذه النوجهات إلى تكريس الانقسام وتعميق التباعد بين الشعوب التي تجمعها روابط تاريخية وثقافية ودينية عميقة.
لقد قامت هذه السرديات القُطرية، في كثير من الأحيان، على إبراز الاختلافات وتأجيج النعرات، مستغلة في ذلك أحيانًا عوامل تاريخية أو اقتصادية أو حتى سياسية. فبدلاً من التركيز على المشتركات التي توحد العرب، أصبحت الخطابات الرسمية والإعلامية والمناهج التعليمية في كل قطر تركز على سردية خاصة به، تُبرز فيها تفوقه وتميزه، وتُشوه في المقابل صورة الأقطار الأخرى أو تُقلل من شأنها. هذا الانغماس في الذات القُطرية أدى إلى بناء حواجز نفسية وثقافية أشد رسوخًا من الحدود الجغرافية ذاتها، ليصبح المواطن العربي في كل بلد يرى نفسه أولًا وقبل كل شيء منتميًا لوطنه الصغير، قبل أن يرى نفسه جزءًا من أمة عربية أكبر.
إن التأثير المدمر لهذه السرديات لا يقتصر على الجانب الثقافي أو الاجتماعي، بل يمتد ليشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية بشكل مباشر. فكيف يمكن الحديث عن توحيد العملة أو إلغاء الحواجز الجمركية بين دول تعيش كل منها في فقاعتها الخاصة، وتنظر إلى الأخرى بعين الريبة أو المنافسة؟ لقد أدت هذه السرديات إلى إعاقة أي مبادرة جادة نحو التكامل الاقتصادي أو التنسيق السياسي، حيث تُفضل كل دولة حماية مصالحها الضيقة، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح العربية المشتركة. لقد تلاشت بذلك فكرة السوق العربية المشتركة، وتراجعت طموحات الدفاع العربي الموحد، وأصبح العمل العربي المشترك مجرد شعارات تُردد في المناسبات، بينما الواقع يعكس تشرذمًا وتنافسًا مستمرًا.
لتحقيق الوحدة العربية الشاملة، لا بد من تفكيك هذه السرديات القُطرية المهيمنة، وإعادة بناء سردية عربية جامعة تركز على القواسم المشتركة، وتُعزز من قيم التضامن والتعاون. هذا لا يعني إلغاء الهويات الوطنية، بل يعني وضعها في إطار أوسع وأشمل، إطار الأمة العربية الواحدة. يتطلب هذا جهدًا جماعيًا على كافة المستويات: في التعليم، والإعلام، والثقافة، والسياسة. يجب أن تُركز المناهج التعليمية على التاريخ المشترك والإنجازات الجماعية، وأن يعمل الإعلام على تعزيز الروابط بين الشعوب العربية، وأن تُبنى السياسات على أساس المصالح العربية العليا، لا المصالح القُطرية الضيقة. إن تحدي المستقبل العربي يتوقف على مدى قدرتنا على تجاوز هذه السرديات القُطرية الضيقة، والعودة إلى حلم الوحدة الشاملة الذي طالما داعب خيال الأجيال السابقة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة ما بعد الإنسان: تحولات الذات في عصر الكائنات المعززة
- إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت ا ...
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...
- المؤسسات في زمن الذكاء الفائق: من البيروقراطية إلى الخوارزمي ...
- التكامل الذكائي: من سيادة العقل إلى خوارزمية السيطرة
- أنقاض المعنى: الفلسفة الأوروبية بين مشروع العقل وانهيار اليق ...
- الكسب في الفكر الأشعري: فلسفة التوفيق بين الجبر والاختيار
- الفلسفة الأوروبية المعاصرة وتحديات العصر الحديث: بين العلمنة ...
- الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوا ...
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...
- العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد ال ...
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة
- هندسة العقل الحديث: ريشنباخ وبناء الفلسفة العلمية المعاصرة
- العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا واله ...
- ضياع المعنى وتشظي الانتماء: الهوية في مرايا ما بعد الحداثة


المزيد.....




- -على إسرائيل إنهاء المهمة-.. هل تصريح ترامب يغلق باب التفاوض ...
- برنامج الأغذية يقول إن ثلث أسر قطاع غزة لا يأكلون لأيام، ومص ...
- وزير فرنسي: مشكلات الأمن بغرب أفريقيا لم تعد تخصنا
- غوتيريش: الكلمات لا تطعم أطفال غزة الجياع
- 1.3 مليون نازح سوداني يعودون إلى ديارهم وسط دمار شامل ونداءا ...
- اشتعال الحدود بين تايلاند وكمبوديا.. أحكام عرفية وقصف متبادل ...
- تصدعات خطيرة في الدولة وإسرائيل أمام سؤال البقاء
- الاعتراف الأوروبي بفلسطين.. شيك بلا رصيد في مواجهة الفيتو ال ...
- عاجل | الحرس الثوري الإيراني: مقتل عنصر وإصابة آخر باستهداف ...
- مصدر لـCNN: مراجعة حكومية أمريكية لم تجد دليلا على سرقة -حما ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية