أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت المجهر الذكي














المزيد.....

إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت المجهر الذكي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 16:32
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة، شهد علم إدارة الأزمات تطورًا نوعيًا غير مسبوق، لا سيّما مع بزوغ فجر الذكاء الفائق (Superintelligence)، الذي غيّر بنية المعرفة وطرق التنبؤ والتحليل والاستجابة، ليفرض تحولات جوهرية على مستوى الدول والمؤسسات والمجتمعات. لم يعد علم إدارة الأزمات مجرد إطار نظري تقليدي يُعنى بالتخطيط للطوارئ أو التعامل مع الكوارث الطبيعية والاقتصادية والسياسية، بل أصبح حقلاً معرفيًا تفاعليًا مركبًا، تتداخل فيه الخوارزميات المتقدمة مع النماذج التنبؤية والسلوكيات البشرية، ضمن شبكة معقدة من البيانات الفورية والاستجابات الذكية والتخطيط الاستباقي العابر للحدود.

لقد أضفى الذكاء الفائق على إدارة الأزمات بعدًا جديدًا يتمثل في الانتقال من نمط “الاستجابة” إلى “الاستباق”، ومن الاعتماد على الخبرة البشرية إلى التمكين الخوارزمي المتكامل. فاليوم، لم يعد التنبؤ بالأزمات يعتمد فقط على البيانات التاريخية أو النماذج الإحصائية الجامدة، بل باتت أنظمة الذكاء الفائق قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات المتغيرة لحظة بلحظة، من مصادر متعددة ومتنوعة (وسائل التواصل، الأقمار الصناعية، سلوك الأسواق، أنماط الطقس، الحراك الاجتماعي، إلخ)، لرسم سيناريوهات دقيقة ومعقدة للأزمات المحتملة قبل أن تندلع بوقت طويل. وهذا التطور قلب المفاهيم التقليدية رأسًا على عقب، إذ أصبحت الوقاية الذكية أكثر أهمية من التدخل العلاجي، وأصبحت سرعة التفاعل مرهونة بقوة النظام الذكي أكثر من مرونة القرار البشري.

وفي هذا السياق، أضحت الدولة الحديثة مطالبة بإعادة بناء هندسة مؤسساتها على أسس “الإدارة الذكية للأزمات”، حيث يتداخل الذكاء الاصطناعي مع القرارات السيادية، ويحل التحليل التنبؤي محل البيروقراطية البطيئة، وتُبنى السياسات العامة بناءً على محاكاة مستقبلية ذكية للأزمات. لم تعد الاستجابة للأزمات مسألة أمن قومي فحسب، بل باتت مسألة “سيادة معرفية” بامتياز، إذ أن الدول التي تفشل في امتلاك بنى تحتية رقمية قادرة على تشغيل أنظمة ذكاء فائق، لن تكون قادرة على الصمود طويلًا أمام الأزمات المركبة القادمة، سواء كانت بيئية أو صحية أو تكنولوجية أو اقتصادية.

أما على مستوى المؤسسات، فإن الذكاء الفائق يعيد تعريف أدوارها ووظائفها في التعامل مع المخاطر. لم تعد المؤسسات تُقاس بقدرتها على الاستجابة الفعّالة فقط، بل بكفاءتها في "التوقع والتكيّف الديناميكي". فأنظمة الذكاء الفائق تتيح للمؤسسة قراءة المستقبل المحتمل بعيون الخوارزميات، وتمنحها القدرة على التحرك بمرونة فائقة، عبر موازنات لحظية بين الكلفة والعائد، والمخاطرة والفرصة، والسرعة والدقة. وهذا يمنح المؤسسات -خاصة في القطاعات الحيوية كالصحة، والطاقة، والأمن السيبراني، والبنوك- أدوات غير مسبوقة في تحويل الأزمات إلى فرص للنمو والاستدامة.

أما المجتمعات، فقد دخلت هي الأخرى في علاقة جديدة ومعقدة مع مفهوم الأزمة، لم تعد الأزمة بالنسبة للفرد مجرد حدث طارئ، بل أصبحت حالة شبه دائمة تُدار ضمن فضاء رقمي تفاعلي. فقد تغيرت طبيعة وعي الأفراد تجاه المخاطر، وتوسعت دائرة الإدراك الجمعي للأزمات لتشمل أبعادًا جديدة كأزمات الهوية الرقمية، والانكشاف السيبراني، والتلاعب بالمعلومات. وفي ظل هذا المشهد، أصبح المواطن شريكًا ضمنيًّا في إدارة الأزمات، عبر مشاركته في البيانات، وتحليل الاتجاهات، واتخاذ القرارات الجماعية عبر المنصات الذكية. وفي الوقت ذاته، فإن الذكاء الفائق يهدد في بعض جوانبه بتكريس الفجوة المعرفية بين من يملكون أدوات التحليل والسيطرة وبين من يقبعون في هامش البيانات.

مستقبليًا، يمكن القول إن علم إدارة الأزمات يتجه نحو أن يكون علمًا “ما فوق إنساني”، يعتمد على الاندماج العضوي بين الذكاء البشري والاصطناعي. وسنشهد على الأرجح تطورًا متسارعًا نحو “حوكمة خوارزمية للأزمات” تكون فيها للأنظمة الذكية الكلمة الأولى في التقدير واتخاذ القرار، بينما يتراجع الدور البشري إلى مستوى التحقق الأخلاقي والإشراف المؤسسي. لكن هذا المستقبل، رغم ما يحمله من فرص هائلة، محفوف أيضًا بمخاطر جيوسياسية وأخلاقية، أهمها سؤال من يتحكم بالخوارزمية؟ ومن يحدد أولويات الأزمات؟ وهل يمكن أن تنقلب هذه الأنظمة على صانعيها إذا رأت أن الوجود البشري ذاته يشكل خطرًا على استقرار النظام العام؟

إننا أمام مفترق طرق تاريخي في تطور علم إدارة الأزمات، مفترق يفرض علينا ليس فقط تطوير أدواتنا، بل إعادة التفكير في موقع الإنسان داخل المعادلة، وفي معنى “الأزمة” ذاتها في عصر تسوده الكيانات الذكية التي قد لا تُصاب بالذعر، ولكنها أيضًا لا تمتلك قلبًا يرفّ للمعاناة. ومن هنا، فإن التحدي الأعظم في مآلات إدارة الأزمات لا يكمن في امتلاك الذكاء الفائق فحسب، بل في امتلاك الحكمة الفائقة لاستخدامه.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...
- المؤسسات في زمن الذكاء الفائق: من البيروقراطية إلى الخوارزمي ...
- التكامل الذكائي: من سيادة العقل إلى خوارزمية السيطرة
- أنقاض المعنى: الفلسفة الأوروبية بين مشروع العقل وانهيار اليق ...
- الكسب في الفكر الأشعري: فلسفة التوفيق بين الجبر والاختيار
- الفلسفة الأوروبية المعاصرة وتحديات العصر الحديث: بين العلمنة ...
- الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوا ...
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...
- العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد ال ...
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة
- هندسة العقل الحديث: ريشنباخ وبناء الفلسفة العلمية المعاصرة
- العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا واله ...
- ضياع المعنى وتشظي الانتماء: الهوية في مرايا ما بعد الحداثة
- من تأسيس العقل إلى تفكيك الذات: تحولات الفلسفة الأوربية من ا ...
- تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العم ...


المزيد.....




- مصر تبحث مع الكويت تفعيل تحويل وديعتها إلى استثمارات
- صندوق قطر للتنمية يدعم الجهود الإنسانية والتنموية عالميا بـ5 ...
- في خيال الأطفال ملك السويد يسبح في النقود!
- العمليات البحرية اليمنية وتأثيرها على اقتصاد الكيان
- فاتورة البقالة تقفز 370 دولارا في بريطانيا مع ارتفاع التضخم ...
- شركة أميركية تشتري حصة بمشروع نيكل تنزاني مقابل 83 مليون دول ...
- شركة أسترالية تتهم الكونغو الديمقراطية بانتهاك أوامر تحكيم ب ...
- وزير الدفاع التركي: الصناعات الدفاعية الحديثة تقوي جيشنا وتع ...
- تواصل الحراك الدولي لإبرام اتفاقات تجارية مع أميركا قبل انته ...
- الذهب يفقد مكاسبه مع جني الأرباح ومخاوف الحرب التجارية تضغط ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت المجهر الذكي