أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختنقت في سماء بغداد














المزيد.....

الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختنقت في سماء بغداد


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 13:56
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


وُلد عبد المنعم شنّون عام 1935 في مدينة الحلة، من رحم عائلة كادحة نبضت بالكدّ والشرف، وترعرع في أزقتها الطيبة كما تنمو السنابل في السهول الخصيبة. كان شاباً هادئًا، ودودًا، وفيًّا، تغمره المودّة وتسبقه الابتسامة، محبوبًا بين أصدقائه وزملائه، متميزًا في دراسته بالفرع الأدبي حتى تفتحت أمامه أبواب الطيران، فدخلها شابًا متقدًا بالحلم، وخرج منها طيارًا يحلق بالعراق في قلبه، ويضع سماءه على كتفيه.
منذ صباه، انضم إلى صفوف الحركة الطلابية التقدمية في العهد الملكي، وشارك في مظاهراتها ونشاطاتها، مدفوعًا بروح وطنية مبكرة لا تعرف المساومة. وفي عام 1956، التقى برفيق جندي في سلاح الجو، فتح له باب الحزب، فدخله عبد المنعم لا طامعًا بمكانة، بل مخلصًا لفكرة، ووفيًّا لقضية، وظل يعمل في صفوف الحزب بصمت النهر وعمق الإيمان، تحت إشراف هذا الجندي الذي اعتبره منعم معلمًا وأخًا وقائدًا.
ابتُعث إلى بريطانيا لتطوير كفاءته في الطيران الحربي، وهناك، في سماء أوروبا الباردة، ظل قلبه دافئًا بعراقه، راسخًا في انتمائه. وكان معه الطيار منذر توفيق الونداوي، أحد وجوه انقلاب 8 شباط 1963، كما رافقه أو تلاه الطيار خالد شفيق الزبيدي، الذي ذاق بدوره مرارة السجن والإقصاء بعد ذلك الانقلاب الذي أغرق العراق في الدم والسواد.
بعد انقلاب شباط، اعتُقل عبد المنعم في التاسع من الشهر ذاته، وسُجن في السجن العسكري رقم 1 وقصر النهاية، حيث نُكّل به بأبشع وسائل التعذيب. لكن روحه الشامخة لم تنكسر، وبقي متماسكًا، وديعًا، نبيلاً حتى في الألم. لم يُحاكم، ولم يُكلَّف له محامٍ، ولم تُسمع حجته. لقد كان اسمه مجرد رقم في قائمة طويلة من الضباط الأحرار، الذين استُدرجوا إلى الموت بصمت رهيب.
وفي السادس والعشرين من أيار 1963، أخذوه، مع رفاقه، في سيارة عسكرية إلى بقعة نائية قرب عكركوف، وهناك رُميت أجسادهم بالرصاص، ودُفنت، بلا شاهد، بلا علامة، بلا وداع. وكان في الركب الشجاع المقدم فاضل البياتي، والرئيس الأول جلال أحمد فهمي، والنقيب عباس الدجيلي، والرئيس هشام إسماعيل صفوت، والنقيب حسون الزهيري، وسواهم من الضباط الأحرار والشباب المدنيين كصبيح سباهي وصاحب أحمد المرزا، طالب الطب، الذين توحدوا في الشهادة.
لم يُعرف بالضبط لماذا أُعدم عبد المنعم شنّون. ما الذي أخافهم فيه؟ أكان حلمه أكبر من رؤيتهم؟ أم كانت سماحته سلاحًا أمضى من بنادقهم؟ حتى الذين اختلفوا معه سياسيًا من زملائه في سلاح الجو، أجمعوا على نُبله ودماثته وشجاعته. لقد كان من ألمع الطيارين وأكثرهم تهذيبًا وشهامة.
رحل عبد المنعم بصمت الطلقة في الظلام، دون أن يترك القتلة لأمه الثكلى أو زوجته المكلومة شاهدًا على قبره، كما لم يتركوا لأهل الحلة سوى حسرة تمتدّ مع الأجيال. وقد سبقه إلى هذا المصير القاسي الشهيدان إبراهيم كاظم الموسوي وستّار مهدي المعروف، ولحقه من بعد رفاق قضوا تحت التعذيب أو في حفر الموت الجماعي التي لا يعرف لها مكان.
إن عبد المنعم شنّون، ابن الحلة النبيل، لم يكن مجرد طيار أو ضابط، بل كان شجرة عراقية باسقة قُطعت من جذورها، لكنها ظلّت حيّة في ذاكرة الوطن، ترفرف في سمائه كلما مرّت طائرة، أو هبّت نسمة حرية من جنوب العراق إلى شماله.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان


المزيد.....




- تركيا تفرج عن أحد  مساعدي عبدالله أوجلان بعد 31 عاما في السج ...
- الولايات المتحدة تنتقد إفراج فرنسا عن المناضل جورج عبد الله ...
- الجبهة الشعبية تدين بأشد العبارات القرصنة الصهيونية على سفين ...
- الولايات المتحدة تنتقد إفراج فرنسا عن المناضل جورج عبد الله ...
- الشيوعي العراقي: نحذر من التفريط بحقوق شعبنا في خور عبد الله ...
-  رحيل أرنست ماندل آخر المكملين الكبار لماركس ولينين وتروتسكي ...
- جورج إبراهيم عبد الله: أربعون عاما من الأسر… وحياة كاملة في ...
- إرنست ماندل ، قبل رحيله : ينبغي أن نمنح التاريخ الوقت لإنجاز ...
- جورج إبراهيم عبد الله: أربعون عاما من الأسر… وحياة كاملة في ...
- نساء غزة بين مخاض الحياة ومخاض الموت


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختنقت في سماء بغداد