من كتاب( أفئدة من ذهب)زوجات النبي والحكمة من كلل زوجة

للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 09:44
المحور: قضايا ثقافية
    

تُعدّ السيدة خديجة بنت خويلد أولى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه، وهي المرأة التي شاركته حياته قبل البعثة، ووقفت إلى جانبه بعد أن جاءه الوحي، فكانت نعم السند والعون. تزوجها النبي وهو في الخامسة والعشرين من عمره، بينما كانت تبلغ الأربعين، وكانت ذات شرف ومال، فاختارته لما رأت فيه من الأمانة والصدق. لم يتزوج عليها غيرها حتى وفاتها، وكل أولاده منها، باستثناء إبراهيم الذي وُلد من مارية القبطية. كانت خديجة مثالًا للزوجة الصالحة التي دعمت النبي وواسته، وعاشت معه لحظات الشدة في بداية الدعوة، فكان حبها ثابتًا في قلبه حتى بعد وفاتها، وكان يذكرها دومًا بخير، ويكرم صديقاتها وأقاربها وفاءً لها.

بعد وفاة خديجة، تزوج النبي من سودة بنت زمعة، التي كانت أرملةً بعد وفاة زوجها في الحبشة، فضمها النبي إلى بيته، وكانت امرأةً متقدمة في العمر، اشتهرت بكرمها وتفانيها في خدمة النبي وأهل بيته. ثم تزوج من عائشة بنت أبي بكر الصديق، التي كانت أصغر زوجاته سنًا، وأحبهن إليه بعد خديجة، وهي الوحيدة التي تزوجها بكرًا، وقد أصبحت من أكثر نساء المسلمين روايةً للأحاديث ونقلًا للعلم، حتى لقّبت بـ"حبيبة النبي". كانت ذات ذكاء وفطنة، وكان النبي يحب قربها، وكان لها دور مهم في نقل سنته بعد وفاته.

بعد ذلك تزوج النبي من حفصة بنت عمر بن الخطاب، التي كانت أرملة، فتزوجها النبي لتقوية روابط الأخوة بينه وبين والدها، عمر بن الخطاب. كانت حفصة من النساء اللاتي عرفن بحبهن للعلم، وكانت تحفظ القرآن الكريم، حتى أن المصحف جُمع عندها بعد وفاة النبي. ثم جاءت زينب بنت خزيمة، التي لم تعش طويلًا بعد زواجها بالنبي، واشتهرت بلقب "أم المساكين" بسبب عطائها للفقراء والمحتاجين، وكان زواج النبي منها تكريمًا لها بعد فقدانها زوجها في الجهاد.

أما أم سلمة، فقد كانت ذات عقل راجح ورأي حكيم، وكانت قد فقدت زوجها في إحدى الغزوات، فضمّها النبي إلى أهل بيته، وأصبحت واحدةً من مستشاريه في بعض الأمور المهمة، واشتهرت بموقفها في صلح الحديبية حينما أشارت على النبي بفك إحرامه ليقتدي به الصحابة. ثم جاءت زينب بنت جحش، التي تميز زواجها بكونه بأمرٍ من الله، إذ نزل الوحي يأمر النبي بالزواج منها بعد أن طلّقها زيد بن حارثة، ليُبطل الإسلام بذلك عادة التبني، وكان هذا الزواج تأكيدًا على أن التبني لا يجعل الابن المتبنى كالابن الحقيقي.

أما جويرية بنت الحارث، فقد كانت أسيرة في غزوة بني المصطلق، وحينما تزوجها النبي، أعتق المسلمون أهلها، مما أدى إلى إسلامهم جميعًا. كان زواجها خطوة نحو نشر الإسلام بين قومها وإظهار عدالة الدين الإسلامي في التعامل مع الأسرى. ثم جاءت أم حبيبة بنت أبي سفيان، التي كانت قد هاجرت إلى الحبشة مع زوجها، لكنه ارتد عن الإسلام هناك، فبعث إليها النبي ليخطبها، فكان زواجه منها رسالة إلى قريش، إذ إنها ابنة أحد زعمائهم الكبار، وكان هذا الزواج تعزيزًا لمكانة الإسلام بين قريش.

صفية بنت حيي كانت من سبايا خيبر، فخيرها النبي بين البقاء على دينها أو الإسلام والزواج منه، فاختارت الإسلام، وكانت من النساء الكريمات العفيفات. ثم جاءت ميمونة بنت الحارث، التي كانت آخر زوجات النبي، وتزوجها أثناء عودته من عمرة القضاء، وكانت أختها أم الفضل زوجة العباس عم النبي، مما عزز صلات النبي بأهل مكة. كانت ميمونة من النساء اللواتي وهبن أنفسهن للنبي، ونزل فيها قوله تعالى: "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها".

أما مارية القبطية، فقد أهداها المقوقس حاكم مصر إلى النبي، فأسلمت، وكانت الوحيدة التي أنجبت له ولدًا بعد خديجة، وهو إبراهيم، لكنه توفي صغيرًا. كانت مارية تتميز بجمالها وخلقها الرفيع، وظلت في رعاية النبي حتى وفاته، وكان لها مكانة خاصة عنده، إذ كانت من سراريه وليست من زوجاته.

إلى جانب هؤلاء النساء اللاتي دخل بهن النبي، فقد عُقد على نساء أخريات لكنه لم يدخل بهن لأسباب مختلفة، منهن عمرة الكلابية، التي بلغ النبي أنها بها بياض في جلدها ففارقها، وقتيلة الكندية، التي قُبض النبي قبل أن تصل إليه، وسنا السُلمية، التي ماتت قبل أن يصل إليها. ومنهن أيضًا شراف الكلبية، التي ماتت قبل أن يدخل بها النبي، والعالية الكلابية، التي طلقها النبي بعد أن مكثت عنده فترة قصيرة، وليلى الأوسية، التي عُرضت عليه نفسها ثم تراجعت بعد أن حذرها أهلها من غيرتها، فطلبت من النبي أن يُلغي الزواج، فاستجاب لطلبها. ومنهن أسماء بنت النعمان الكندية، التي قيل إنها أعرضت عن النبي أو قالت له كلمات غير مناسبة، فطلقها قبل أن يدخل بها.

كانت زيجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحمل أبعادًا إنسانية، واجتماعية، وسياسية، فلم يكن الزواج بدافع الشهوة، بل كان يخدم الدعوة الإسلامية، ويسهم في توحيد القبائل، وتقوية العلاقات بين المسلمين، ونشر تعاليم الدين. وقد ضرب النبي من خلال علاقته بزوجاته أروع الأمثلة في الرحمة، والعدل، والمودة، فكان يعامل كل واحدة منهن بحب واحترام، ولم يكن يميز بينهن، بل كان يسعى إلى إسعادهن، وإشاعة جوّ من الألفة في بيته، فكنّ جميعًا شريكات في بناء أمة الإسلام. كانت كل واحدة منهن تحمل ميزة خاصة جعلت وجودها في بيت النبوة ذا أثر عظيم، فجمع النبي بين النساء الكبيرات في السن والصغيرات، بين الأرامل والأبكار، وبين العربيات وغير العربيات، ليكون كل زواج وسيلة لخدمة الإسلام ونشره بين الناس.

بهذا تكون حياة النبي الزوجية نموذجًا في التعامل مع المرأة، فكان يكرمهن، ويشاورهن، ويحرص على مشاعرهن، فكنّ نعم الزوجات، ونعم الأمهات للمؤمنين، وحملن لواء الإسلام بعد وفاته، فكنّ معلمات للأمة، وحافظات لسنته، ومصدرًا للعلم والمعرفة.

#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل