أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - شبه قرين














المزيد.....

شبه قرين


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 10:52
المحور: قضايا ثقافية
    


تدور في أعماق النفس البشرية أسرار لا تُرى، وخواطر لا يُفصح عنها بسهولة، لكنها تهمس في وجدان الإنسان كما لو أن هناك من يجاوره لا يراه، يرافقه في السكون والصخب، في الليل والنهار. هو ذاك الرفيق الخفي الذي يُشار إليه بالقرين، مخلوق لا يفارق الإنسان منذ ولادته حتى وفاته، وقد ورد ذكره في مواضع عدة، بعضها يعزز وجوده كجزء من التكوين النفسي والروحي للإنسان. هذا القرين، في تصور الناس، لا يقتصر على كونه كائنا من الجن كما يفهمه البعض، بل قد يمتد معناه إلى ضمير داخلي أو ظلّ نفسي يتحدث إليك بصوتك، ويعرف نقاط ضعفك وقوتك، فيستدرجك أو ينبهك، يخوّفك أو يواسيك، وهو في كل الأحوال لا يفارقك.

كثير من الناس يشعرون بأنهم في لحظات معينة لا يكونون وحدهم، رغم الخلوة التامة، فيظنون أن حديث النفس بلغ حد الحوار، لكنهم يدركون مع الوقت أن ما يسمعونه في دواخلهم ليس مجرد أفكار عابرة، بل صوت متمكن يهمس، يقنع، يشكك، أو يطمئن، وله قدرة عجيبة على استدعاء الذكريات في لحظة ضعف، أو بث الخوف حين السكون، أو تحريك الأحاسيس الدفينة. ومن الناس من يُعزى ذلك إلى نوع من الجن المصاحب له، بينما يراه آخرون ظلّا باطنيّا يعكس ملامح الذات المخفية أو المكبوتة.

وما يزيد الأمر غرابة أن هذا الحوار الداخلي كثيرا ما يتجاوز حدود التخييل ليُحدث أثرا على السلوك، فتجد صاحبه يتصرف بناء على نصيحة سمعها من داخله، أو يتراجع عن قرار خطير بسبب همسة خفية زجرته. وفي بعض الأحيان، يكون الصوت أقرب إلى الألفة منه إلى الغرابة، كأن المتحدث هو صديق قديم لا يُنسى، أو توأم مفقود يعرف ما لا يعرفه الآخرون. هذه التجربة ليست محصورة في من يعانون اضطرابات أو عزلة، بل شائعة بين أصحاب الفكر العميق، والفنانين، والمتأملين في النفس والحياة، وقد تكون منبعًا للإبداع أو بابا للحيرة.

القرين، في وجه من وجوهه، يشبه مرآة تراك دون أن تراها، وتحدثك بما لم تقله، وتخبرك بما لم تصدقه، وتجعلك تتساءل: من فينا يحرك الآخر؟ هل أنا من أخلق هذا الحوار، أم أن هناك من يشاركني كياني ويهمس لي بأسرار لم أعترف بها بعد؟ كثيرون وجدوا في هذا القرين عونا على تجاوز المحن، أو ملاذا حين يخذلهم العالم، أو حتى خصما حين يصعب عليهم الصمت، فهو يتحدث حين يصمت الجميع، ويقترح حين تعجز العقول عن اتخاذ القرار.

ومع تعاقب الليل والنهار، يبقى هذا الهمس الداخلي جزءا لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، وربما لا يسهل فصله عن النفس، بل قد يكون هو النفس في عمقها الأبعد، حيث لا يصل إلا من صمت طويلا، وتأمل كثيرا، وأدرك أن الإنسان ليس وحده مهما بدا وحده، بل هو دائما في صحبة صوته الخفي الذي يسمعه حين يصمت، ويراه حين يغض الطرف عن كل شيء.

وقد يكون ذلك الهمس امتحانًا من الله، وقد يكون رحمة، أو إلهامًا، أو حتى فتنة. لكن الأهم من كل هذا، أن لا يطغى صوته على صوت الضمير، وأن يبقى الإنسان هو السيد على ذاته، لا تابعًا لهمسة مجهولة تُبعده عن الحق، أو تزرع فيه الخوف من لا شيء، بل عليه أن يحول تلك الهمسات إلى وعي، وذلك الرفيق إلى بصيرة، حتى لا يكون أسيرًا لما لا يُرى، بل سيدًا على عالمه الداخلي كما هو سيد على سلوكه الظاهر.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كتابي رواد من شروق (مراكش والقلعة عملة واحدة)
- من كتابي أفئدة من ذهب(الفلكي حماد عاشور)
- سر الجمال
- خاتمة كتاب (رواد من شروق)
- مقدمة كتاب (رواد من شروق)
- سيرة ادباء وشعراء (رشيد أيلال)
- سوق الغزل ( من مغرب الثقافات)
- سيرة ادباء وشعراء (أحمد حيدة )
- سيرة الشاعر الناقد (حميد بركي )
- الشاعرة أمينة حسيم
- الشاعر رشيد سحيت
- الشاعرالمغربي محمد بودلاعة
- في حضرة الشعر
- حين تغرك الدنيا
- الفرق بين المن والامتنان
- الفرق بين العلم والمعرفة
- الحلاقة
- على الظلال نسير
- قيمة المال
- كيف نتعامل مع الحداثة


المزيد.....




- رفع العقوبات والتطبيع وتصنيف الشرع.. ماذا احتوى أمر ترامب بش ...
- وفيات وإصابات بسبب -تسمم كحلي- في الأردن، فماذا نعرف عن مادة ...
- البيت الأبيض: ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإنهاء العقوبات على سو ...
- بعد قصف منشآت نووية إيرانية، هل حدث تسرب إشعاعي يهدد دول الخ ...
- هل تحمي شوربة -الميسو- من الإشعاع؟
- ترامب ينهي العقوبات على سوريا وإسرائيل تبدي استعدادها لعلاقا ...
- ترامب يهدد اليابان برسوم جمركية جديدة إذا لم تشترِ الأرز الأ ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: العملية العسكرية في غزة تقترب من نها ...
- ترامب يرفع العقوبات عن سوريا وإسرائيل ترغب في تطبيع العلاقات ...
- مصدر مطلع: حكومة نتنياهو تبحث قرارًا حاسمًا بشأن غزة قبل لقا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - شبه قرين