للاإيمان الشباني
الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 20:42
المحور:
قضايا ثقافية
حين تغرّك الدنيا بزخرفها وتخدعك الأيام ببهرجها، حين تنسى نعم الله عليك لانشغالك بما تفتقده أو بما يملكه غيرك، توقف لحظة، وألقِ نظرة عميقة على باب المستشفى. هناك، تتجلى الحقيقة بلا رتوش، وتنكشف قيمة ما تملكه من نِعَمٍ كنت تراها عادية أو لا تلتفت إليها. ستجد على عتبة ذلك الباب أناسًا يتمنون لحظة مما تملكه: نَفَسًا دون أنبوبة، خطوة دون عكاز، وجبة دون قيد غذائي، حتى نومًا بلا ألم. ستراهم منتظرين الأمل في دواء أو خبر، بينما أنت تملكه دون أن تحمد.
في المستشفى، لا فرق بين غني وفقير، لا يُؤخَذ المريض بدرهمه ولا يُشفَى بشهرته. هناك، يتساوى الجميع في الضعف، وتُعرَى الوجوه من أقنعتها، وتذوب الكبرياء أمام وخز إبرة صغيرة أو نتيجة تحاليل. من هناك فقط تدرك أن الصحة لا تُشترى، وأن الحياة ليست في المال ولا في الجاه، بل في القدرة على أن تبتسم دون ألم، أن تمشي دون عائق، أن تنام دون أن توقظك وخزة أو أنين.
حين تدخل المستشفى، ترى من يحلم أن يعود كما كنت قبل قليل، تخرج من بيتك بخطى سريعة وعينين مبصرتين، تتحدث بصوتك، وتحمل كيسًا بيدك. هناك من فقد القدرة على كل هذا، ويُقاتل ليسترجع جزءًا صغيرًا مما لديك. عند الباب ترى الوجوه القلقة، تنتظر أن يخرج الطبيب بجرعة أمل أو بكلمة تُعيد للحياة معنى، هناك ترى الأب الذي لا يملك علاجًا لابنه، والأم التي تُخفي دموعها كي لا تُضعف صغيرها، والشيخ الذي يتشبث بالحياة بذكر الله.
إن مررت على باب المستشفى وكنت في كامل وعيك وقوتك، فاعلم أنك من المنعّمين، لا لأنك أغنى، بل لأنك لا تزال تملك جسدًا يخدمك دون أن تتوسل إليه. لا تتكبر بما لديك، فهناك من يفقده الآن، وهناك من يدفع المال والدمع والعمر لاسترداده، دون جدوى. قِف أمام هذا الباب، وتأمل، ثم احمد الله بصدق، لا بلسانك فقط، بل بقلبك وسلوكك، وكن رحيمًا بالضعفاء، فإن النعمة الحقيقية ليست في التملك بل في الإدراك، أن تدرك أنك في خير، وأن تشكر قبل أن تُحرم.
فحين تغرّك الدنيا، لا تنظر إلى ما عند الآخرين، بل انظر إلى من فقد، وتأمل ما تملك، وتذكّر أن أكبر النعم ليست مرئية دومًا، بل قد تكون تنبض بداخلك بصمت.
#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟