أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - من كتابي رواد من شروق (مراكش والقلعة عملة واحدة)














المزيد.....

من كتابي رواد من شروق (مراكش والقلعة عملة واحدة)


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 21:41
المحور: قضايا ثقافية
    


تُعد منطقة السراغنة، بما فيها قلعة السراغنة، امتدادًا طبيعيًا وثقافيًا لحاضرة مراكش، وقد شكّلتا معًا عبر القرون تكتلًا حضاريًا فريدًا داخل الجنوب المغربي. رغم أن قلعة السراغنة عُرفت بطابعها الفقهي المحافظ، والذي لم يكن يسمح بسهولة لانتشار الأشكال الإبداعية الأدبية، فإنها كانت حاضنة لعلماء وفُقهاء شاركوا في بناء المدرسة المالكية المغربية، وربطوا بين البادية والمدينة عبر حلقات العلم والفتوى.

قبل دخول الإسلام، كان الأمازيغ في هذه الأرض يمارسون الزراعة ويعيشون وفق نظمهم القبلية، وقد تركوا بصمات لغوية وثقافية ما زالت حاضرة في التسميات والأنماط الاجتماعية. ومع مجيء الإسلام، أصبحت السراغنة حاضرة فقهية تابعة لمراكش، واندمجت تدريجيًا ضمن النفَس العلمي العام الذي ميّز الجنوب المغربي. وقد عُرف عنها كثافة المدارس العتيقة وزوايا التصوف التي جعلت منها محطة للعلماء المتنقلين بين فاس ومراكش وسوس.

أما مراكش، فقد تأسست كعاصمة عسكرية، ثم سرعان ما تحوّلت إلى مركز إشعاع علمي عالمي، خاصة في العصر المرابطي والموحدي، حيث استقطبت كبار العلماء، وأُسست فيها مدارس قرآنية كانت تدرس الطب، والفلك، والفقه، والمنطق. هذا الإشعاع وصل إلى أطراف السراغنة، إذ كانت القوافل العلمية والدينية تمر من هناك، وتنشر الثقافة الإسلامية المالكية ذات النفس الأندلسي والصوفي في آن واحد.

خلال العصر السعدي، تقاطعت طرق السلطة بين السراغنة ومراكش بشكل مباشر، خاصة أن بعض قواد السراغنة خدموا في البلاط السعدي، وكانوا يزودون العاصمة بالخيول والرماة في زمن السلم والحرب. كما أن السلطان أحمد المنصور الذهبي، المعروف بعشقه للصيد، كان يتخذ من السراغنة محطة للراحة والتأمل، مما أعطى للمنطقة مكانة مميزة في الخريطة السياسية والروحية للمملكة.

المدارس القرآنية في السراغنة، رغم بعدها عن صخب المدن الكبرى، ظلت قوية التأثير، إذ خرّجت فقهاء وأدباء أُدرجوا في السجلات العلمية المغربية، وإن كانت شهرتهم لا تضاهي أولئك الذين تعلموا أو كتبوا في مراكش. هذا البعد الريفي المحافظ كان، في وجه من وجوهه، بمثابة صمام أمان للعلم التقليدي، في وقت كانت فيه مراكش تنفتح على التيارات الفكرية الجديدة، خاصة مع تقاطع طرق التجارة والثقافة بينها وبين مدن إفريقية وأوروبية.

وفي العصر العلوي، تكاملت أدوار المنطقتين، حيث وُزعت الوظائف العلمية والإدارية بينهما، وعرفت مراكش انتعاشًا علميًا بفعل الزوايا الكبرى كزاوية سيدي بن عبد الله الغزواني، في حين ظلت الزوايا السرغينية تشتغل على حفظ المتون وتكوين الفقهاء في القرى والبوادي. شكل هذا التكامل صورة نادرة عن العلاقة بين المركز والهوامش، بين المدينة الكبرى والبوابة الشرقية لها، حيث لم تكن السراغنة مجرد تابعة، بل كانت رافدًا مهمًا في إعادة إنتاج الفكر الديني المغربي المحافظ.

وبين هذه الجدلية الحضارية، يتبيّن أن السراغنة ومراكش لم تكونا مجرد جغرافيتين متجاورتين، بل كانتا وجهين لعملة حضارية واحدة: الأولى تعكس الأصالة القروية الفقهية، والثانية تمثل الانفتاح الحضري العلمي، وقد جمعهما على مدى قرون خيطٌ غير مرئي من المعرفة والولاء الديني والسياسي للمملكة، من المرابطين حتى العلويين.
قلعة السراغنة مدينة في شرق مراكش، وهما يشتركان في التراب والدم والذاكرة. لا يمكن الحديث عن مراكش، العاصمة الروحية والتاريخية للجنوب المغربي، دون التوقف عند هذا الإقليم الذي مثّل حارسًا للبوابة الشرقية لها، ومجالًا خصبًا ساهم في تشكيل صورتها الحضارية، ولو من الظل.

منذ العصور الإسلامية الأولى، ظهرت قلعة السراغنة بوصفها حاضنة للقبائل والزوايا، وممونة للمدن الكبرى بالرجال والعتاد، وكانت القبائل السرغينية جزءًا من النسيج الاجتماعي والسياسي الذي يُؤَمِّن الظهر لمراكش في أزمنة السلم كما في أوقات الشدة. العلاقة بينهما لم تكن علاقة تبعية، بل علاقة تكامل نادر، حيث احتضنت مراكش المركز الإداري والديني، بينما ظلت السراغنة فضاءً لتكوين العلماء، وحفظ المتون، وتربية الفرسان، وتخريج الفقهاء، بل وأحيانًا الشعراء الذين لم تفتح لهم المدينة الحمراء أبوابها بسبب سطوة الفقه على الأدب.

في ظل هذا التوازن الدقيق، ظلت قلعة السراغنة تحتفظ بهويتها الفلاحية والزراعية، لكنها لم تنفصل يومًا عن الفعل الثقافي والسياسي لمراكش، إذ كثيرًا ما انطلقت منها شخصيات بارزة في مختلف المجالات، سواء العلمية أو الأدبية، أو حتى الثورية في بعض الفترات الحرجة من تاريخ المغرب.

حين نتحدث عن الشعر في مراكش، فنحن نتحدث عن مدينة تحتضن الإبداع في ساحاتها وحدائقها ومساجدها، لكن الشعر في قلعة السراغنة كان يخرج من بين شقوق الحقول، ومن حناجر الدراويش، ومن جلسات الذكر في الزوايا. مراكش مدينة تُكتَب عنها القصائد، أما السراغنة فهي الأرض التي تنمو فيها القصائد كالحَبّ في السنابل. في مراكش يُصفق للشاعر، وفي السراغنة يُتأمل صوته بين فقه وحداء، بين هيبة النص ودفق الإحساس. ولذلك، فحين نلج عالم الشعر في هذين الفضاءين، لا بد من فهم العلاقة بين الأصل والفصل، بين المركز والطرف، بين مراكش بكل جلالها وقلعة السراغنة بكل صلابتها الهادئة.

إنهما معًا يصنعان خريطة شعورية مميزة، تتكامل فيها رهافة الإحساس مع صرامة العقل، ويُعاد فيها تعريف الشعر لا بوصفه ترفًا، بل ضرورة وجودية في صراع الإنسان مع الأرض والزمن والتاريخ.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كتابي أفئدة من ذهب(الفلكي حماد عاشور)
- سر الجمال
- خاتمة كتاب (رواد من شروق)
- مقدمة كتاب (رواد من شروق)
- سيرة ادباء وشعراء (رشيد أيلال)
- سوق الغزل ( من مغرب الثقافات)
- سيرة ادباء وشعراء (أحمد حيدة )
- سيرة الشاعر الناقد (حميد بركي )
- الشاعرة أمينة حسيم
- الشاعر رشيد سحيت
- الشاعرالمغربي محمد بودلاعة
- في حضرة الشعر
- حين تغرك الدنيا
- الفرق بين المن والامتنان
- الفرق بين العلم والمعرفة
- الحلاقة
- على الظلال نسير
- قيمة المال
- كيف نتعامل مع الحداثة
- من كتابي (أفئدة من ذهب) عبد الرفيع الجوهري


المزيد.....




- واشنطن بوست: الاستخبارات اخترقت اتصالات بين مسؤولين إيرانيين ...
- مخاوف دولية حول مصير السجناء الأجانب.. إيران تعترف بمقتل 71 ...
- القضاء التركي على موعد مع قرار حاسم: هل يطيح بزعيم المعارضة؟ ...
- نتنياهو: -النصر- على إيران يوفر -فرصا- للإفراج عن الرهائن في ...
- من أجل سوسيولوجيا معادية للصهوينة
- مستشار كوفي أنان: إدارة ترامب تفكك الحكومة الفدرالية وتقوض ا ...
- رئيس صربيا يرفض الرضوخ لمظاهرات المعارضة
- غسان سلامة: الشعوب العربية تخاذلت عن نصرة غزة
- التحقيق بتحطم الطائرة الهندية يطرح جميع الفرضيات
- تسريب جديد يقلل من أضرار البرنامج النووي الإيراني


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - من كتابي رواد من شروق (مراكش والقلعة عملة واحدة)