أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - للاإيمان الشباني - سيرة الشاعر الناقد (حميد بركي )















المزيد.....

سيرة الشاعر الناقد (حميد بركي )


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


في سنة 2008، شهدت الساحة الثقافية المغربية لحظة استثنائية في تاريخ الشعر والفكر، حين كرّمت جامعة القاضي عياض، فرع قلعة السراغنة، الشاعر والمفكر حميد بركي في أول ملتقى وطني احتفاءً بمجموعة "الحواس الخمس". جاء هذا التكريم تحت شعار عميق الدلالة: "الحواس الخمس حركة ونبوغ، والشعر سلوكات مدنية وأخلاق اجتماعية"، وهو شعار لم يكن مجرد عنوان عابر، بل تجسيد حقيقي لمسار أدبي وفكري متميز أسّسه حميد بركي رفقة نخبة من الشعراء والمثقفين الذين آمنوا بأن الشعر ليس فقط لغة شعورية، بل ممارسة إنسانية راقية، وأسلوب حياة قائم على القيم والمدنية.
لقد شكّل هذا الحدث مناسبة مهمة لاجتماع كوكبة من الأكاديميين والباحثين، ممن واكبوا التجربة الشعرية والفكرية لحميد بركي، وأجمعوا على فرادتها وجدّتها في المشهد الثقافي المغربي والعربي. وقد عبّروا خلال كلماتهم ومداخلاتهم عن تقديرهم العميق لريادته، سواء في مجال الإبداع الشعري أو في تطوير الفكر النقدي المعاصر، مشيرين إلى أثره البارز في صياغة خطاب أدبي يزاوج بين الجمالية والرؤية الفلسفية، وبين الحس الإنساني العميق والنضج الحضاري.
وفي لحظة رمزية لها دلالتها، تسلّم حميد بركي لواء "أمير الشعراء" من جمعية أدباء النهضة، في اعتراف واضح وصريح بمكانته الرفيعة على مستوى الإبداع الأدبي والقيادة الفكرية. لم يكن هذا التتويج وليد لحظة عابرة، بل كان ثمرة عقود من الاجتهاد والمثابرة، وصوتًا جماعيًا يعترف بقيمة ما أنجزه من تراث شعري وفكري ظل وفيًّا لقضايا الإنسان، وجامعًا بين الأصالة والابتكار.
لقد أثارت هذه التجربة اهتمام عدد من النقاد والباحثين الذين كتبوا عن سيرته الأدبية ومكانته الرمزية في الثقافة العربية. فصدر عنه كتاب "منارة الشعر العربي في الشعر والفكر الأدبي"، وهو عمل نقدي يسلّط الضوء على خصائص مشروعه الشعري والفكري. كما خصّه الدكتور عدنان الهمص بكتاب باللغة الفرنسية حمل عنوان "Le Diadème" (التاج)، تناول فيه أبعاد التميز والتفرّد في شخصيته وإبداعه. أما الكاتب البدر عبد القادر، فقد نشر دراسته المعمقة تحت عنوان "حقيقة أمير الشعراء، التاريخ المنسي" ضمن إصدارات الجزيرة السعودية، حيث حاول من خلالها ردّ الاعتبار لشاعر ظلمه التوثيق الرسمي رغم حضوره الإبداعي الوازن.
وفي الصحافة الثقافية، كتب عنه الناقد مصطفى الحناوي بجريدة "المنعطف"، مبرزًا عمق تجربته الشعرية وراهنيتها الفكرية، بينما اختارت الباحثة فاطمة بوهراكة إدراج اسمه ضمن موسوعتها المرجعية "أعلام مغربية"، إلى جانب أعلام كبار في الفكر المغربي الحديث، من أمثال الدكتور المهدي المنجرة ومحمد عابد الجابري، مما يعكس المكانة التي يحتلها حميد بركي في الذاكرة الثقافية الوطنية.
إن هذا التكريم، وما رافقه من اعترافات ودراسات، لا يمكن اختزاله في لحظة احتفالية فقط، بل هو شهادة حية على حضور شاعر تجاوز حدود القصيدة، ليصبح رمزًا إنسانيًا وفكريًا ينادي بالسلام، ويؤمن بأن الكلمة قادرة على تهذيب النفوس، وفتح أفق جديد للوعي والجمال، وهذه بعض من ابياته من ديوانه على وشك الانهيار

أمالك سرب الحمام نزول
لعلك من عندهن رسول

توخ من الكلمات ضياء
يلألأ ذكرك حين تقول

ولا تعجبن إذا ما العجول
مرفرفة في السماء تجول

أو كقوله

فما هذه الأيام إلا سحابة
متى أمطرت كأنها قبل لم تسري

كشخص بنى بيتا على شاطئ الهوى
فزينه بالرسم والنقش والشعر

فهد كما لا شيء كان وجوده
إذ ابتسمت في وجهه موجة البحر

كمن غربلت عند المحيط دقيقها
فضاع بريح هب من حيث لا تدري

تشتت في رمل ليزداد يأسها
وقد أرقت تبكي على حظها النخري

حميد بركي

الأبيات التي نسجها الشاعر حميد بركي تتسم برهافة حسّ عالية، وتُجسّد رؤية وجودية وتأملية تنهل من الخيال الجامح، وتنبني على نسق شعريّ يشبه الحلم، تتداخل فيه الصورة بالمعنى، وتتماهى فيه اللغة مع الفكرة في تدرج انسيابي يُفضي إلى تأمل عميق في مصير الإنسان وهشاشة الوجود.
في المقطع الأول، يفتتح الشاعر بسؤال بليغ:
"أمالك سرب الحمام نزول / لعلك من عندهن رسول"
هذه الصورة تحمل استعارة كاملة؛ فالحمام رمز للسلام والروح والرسالة، وكأن الشاعر يرى الزائر أو المتأمل طيفًا يحمل أخبارًا من عالم آخر. الإيحاء بالرسالة يمنح الشاعر مكانة بين الأرض والسماء، بين الكائن والفكرة، في تمازج بين الحسّي والمعنوي. وهذا الترميز الروحي يُؤسس لبُعد صوفي شفاف.
ثم تأتي الدعوة إلى انتقاء الكلمات:
"توخ من الكلمات ضياء / يلألأ ذكرك حين تقول"
في هذا المقطع استعارة واضحة، إذ جعل الشاعر الكلمات بمثابة نور، تُضيء الذكر والوجود. هنا، الكلمة ليست مجرد أداة تعبير، بل كيان مضيء يُخلِّد صاحبه، وفي ذلك تمجيد لقدرة القول وجمال البلاغة.
"ولا تعجبن إذا ما العجول / مرفرفة في السماء تجول"
"العجول" تحيل إلى رؤى غير معتادة، وربما ترمز إلى الأفكار أو الكائنات المتحررة من الجاذبية. الصورة هنا سوريالية، تتحدى المنطق وتُفعّل الخيال. وهذه إحدى سمات أسلوب الردف الصوري الذي يستعمله الشاعر؛ حيث ينتقل من صورة إلى أخرى دون انقطاع في المعنى أو إحساس القارئ، بل تترابط كأنها مشهد سينمائي متتابع.

وقد شرحه شاعرنا الفاضل حميد بركي في كتابه التأليف فنه وقواعده، حيث أبرز دوره في تشكيل الإيقاع الشعري عبر توظيف الحروف والحركات بطريقة جمالية مبتكرة "
ثم ينتقل الشاعر إلى الجزء الثاني الذي يحمل طابعًا فلسفيًا وجوديًا واضحًا:
"فما هذه الأيام إلا سحابة / متى أمطرت كأنها قبل لم تسري"
تشبيهٌ واستعارة مدمجة: الأيام سحابة، زائلة، غير قابلة للإمساك، حتى حين تهطل، تظل لغزًا. هنا تتجلى الكناية عن الفناء، عن عبثية الانتظار، وعدم الثبات في الحياة. السحابة، رغم عطائها، لا تترك أثرًا، وكأن الزمن يتكرر دون ذاكرة.
"كشخص بنى بيتا على شاطئ الهوى / فزينه بالرسم والنقش والشعر"
تشبيه مرهف يحمل رمزية عميقة؛ فـ"الهوى" ليس مجرد هواء بل نزوة، حب، رغبة، هشاشة. بناء البيت على هذا الشاطئ هو إشارة إلى هشاشة الأحلام حين تُبنى على عواطف لا قرار لها. الزينة بالفن والشعر، كناية عن محاولات التجميل والتثبيت رغم الضعف.
"فهد كما لا شيء كان وجوده / إذ ابتسمت في وجهه موجة البحر"
صورة شديدة البلاغة؛ حيث الموجة ليست مجرد حركة مائية، بل سلوك ساخر من البحر تجاه حلم الإنسان. الموجة "تبتسم"، فتُسقط الكيان كله. استعارة قوية تُجسد جبروت الطبيعة أمام الإنسان، وتُحيل إلى العبث والعدم.
"كمن غربلت عند المحيط دقيقها / فضاع بريح هب من حيث لا تدري"
الصورة هنا تعبير عن ضياع الجهد، فالمرأة التي غربلت دقيقها عند البحر عبثت بجهدها، فجاءت الريح ومحت كل شيء. استعارة تصف الجهد الإنساني حين لا يُؤسس على حكمة أو تقدير لعوامل المصير.
"تشتت في رمل ليزداد يأسها / وقد أرقت تبكي على حظها النخري"
يتابع الردف الصوري بنفس النسق؛ فالضياع لم يكن فقط فقدًا للمادة بل تفكك للذات، تشتت وتعب وسهاد، والبكاء على "الحظ النخري" كناية عن خيبة متجذرة، وحظ متعفن أو متآكل.
القصيدة من الناحية الأسلوبية تنتمي إلى تيار شعري يمزج بين الرمزية والفلسفة، ويعتمد كثيرًا على الاستعارة الممتدة، والكناية الوجودية، والردف الصوري المتتابع، حيث تتناسل الصور من بعضها البعض دون انقطاع دلالي أو إحساس فجائي. هذا الأسلوب يُحاكي حركة الوعي أو الحلم، فلا تتكرر صورة ولا تنفصل عن التي تليها، بل تخلق نسيجًا بصريًا وفكريًا واحدًا، وهو ما يُبرز براعة الشاعر في تشكيل شعره كأنّه لوحات متداخلة.
الشاعر هنا لا يصف فقط، بل يفلسف الصور، ويجعل من كل تشبيه أو استعارة موقفًا من الحياة، وهذا ما يمنح النص عمقه التأويلي وفرادته الجمالية.

كما يُعد حميد بركي أول من أدخل البحور غير الصافية إلى الشعر الحر، بعد أن كان مقتصرًا على البحور الصافية فقط، كالمتقارب والكامل، إذ لم يكن يُنسَج على تفعيلات الطويل أو البسيط مثلًا، حتى جاء بركي ليكسر هذا القيد ويضيف إمكانيات جديدة للكتابة الحرة. لم يتوقف عند ذلك، بل كتب أيضًا في الموشحات وقصيدة النثر، مستكملًا مشروعه في تطوير الشكل الشعري. وابتكر لاحقًا "قصيدة الردف"، وهي تجربة تقوم على كتابة جملة تُقطع كما يُقطع الشعر العمودي، فتولد منها تفعيلات موزونة، تُردف بأشطر تكمّل المعنى والإيقاع، ومن هنا جاءت تسميتها.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعرة أمينة حسيم
- الشاعر رشيد سحيت
- الشاعرالمغربي محمد بودلاعة
- في حضرة الشعر
- حين تغرك الدنيا
- الفرق بين المن والامتنان
- الفرق بين العلم والمعرفة
- الحلاقة
- على الظلال نسير
- قيمة المال
- كيف نتعامل مع الحداثة
- من كتابي (أفئدة من ذهب) عبد الرفيع الجوهري
- جمال الدين الافغاني
- من كتابي (أفئدة من ذهب ) عبد القادر السكراتي
- دلالة الوفاء
- الشعر والأنثى
- خطورة إهمال الأنثى في كل مراحلها
- معنى في رعاية الرحمن
- زرقاء اليمامة : بين الأسطورة والتاريخ
- معنى الحديث


المزيد.....




- كراسي ماري أنطوانيت.. كنوز ملكية تبيّن أنها مزيفة!
- قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤر ...
- فنان عالمي شهير يواجه اتهامات بسلوك غير لائق ومغازلة فتيات ق ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك ويثير ضحك ...
- فنانة أمريكية مثيرة تطلق صابونا من ماء الاستحمام الخاص بها.. ...
- فيلم -فلو- يتجاوز 57 مليون دولار في إنجاز غير مسبوق للرسوم ا ...
- -سوذبيز- تطرح سترة سينمائية شهيرة من الثمانينيات بمزاد علني. ...
- رحيل الفنانة العراقية غزوة الخالدي بعد مسيرة حافلة على خشبة ...
- هيئة محلفين أمريكية تفشل في إصدار حكم ضد المنتج السينمائي ها ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - للاإيمان الشباني - سيرة الشاعر الناقد (حميد بركي )