أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - عندما يصبح السؤال تساؤلا














المزيد.....

عندما يصبح السؤال تساؤلا


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 00:58
المحور: قضايا ثقافية
    


عندما ينتهي الفنان أو المبدع على فراش المرض، وتخفت الأضواء التي كانت تسلط عليه في أيام تألقه، يصبح المشهد محزناً ومخجلاً في آن واحد، وهو يختبر الحقيقة المرة في علاقة المجتمع بمبدعيه، فيكتشف أن التصفيق لم يكن حباً، وأن المدح لم يكن وفاء، وقد كان انبهاراً لحظياً بما يُنتج، لا بما يكون عليه الإنسان في ضعفه واحتياجه. الفنان الذي أسعد الناس بلوحاته، أو الشاعر الذي أبكاهم وأفرحهم بكلماته، أو الممثل الذي جسّد أحلامهم وآلامهم على خشبة المسرح أو الشاشة، يصبح فجأة مجرد جسد يئنّ في صمت، وحيداً في معركة مع المرض والفقر، لا يسأل عن المجد الذي ولّى، وهو في وجدة يسأل عن دواء لا يجده، وعن دفء إنساني لا يصله.
في هذا المشهد تتجلّى المفارقة العجيبة: من قدّم الجمال والحب والنور يعاني الآن من التهميش، ومن نذر حياته للثقافة والإبداع يُترك بين جدران باردة يقتات على الذكريات. لم يكن الفنان يوماً تاجرًا ولا رجل أعمال، وإنما هي حياة عاشها خارج معادلات الربح والخسارة، وكان يرى في العطاء لذة تكفيه عن كل المقابل. لكن المجتمع، بذاكرته الضعيفة، ينسى سريعاً، وينشغل بالجديد، ولا يلتفت إلا حين يكون الأوان قد فات، حين تخرج المناشدات لنجدة مبدع يحتضر، وتبدأ عبارات الشفقة التي لا تسمن ولا تغني، وكأن الكلمة الرقيقة يمكن أن تحلّ محل الدواء، أو أن الإعجاب القديم يمكن أن يسدد ثمن العلاج.
المبدع لا يحتاج إلى الشفقة، أكثر منه إلى الاعتراف الحقيقي بقيمته، الاعتراف الذي لا يأتي بعد الموت على شكل رثاء باكٍ أو نصب تذكاري في زاوية منسية، بل اعتراف يُترجم إلى دعم في حياته، إلى ضمان اجتماعي يحفظ كرامته، إلى صيانة حقيقية لقيمة الفن والفكر في الوجدان الجمعي، إذ ليس من العدل أن يبقى طوال عمره معطاءً، ثم حين يصيبه العجز لا يجد من يمدّ له يد العون، لأن المجتمع الذي يستمتع بما ينتجه الفن مطالبٌ أيضًا بأن يكون وفيًا، لا في لحظة المجد فقط، وينساه أو يتناساه لحظة الانكسار كذلك.
الحديث عن دعم الفنانين والكتاب والباحثين في شيخوختهم أو مرضهم لا يجب أن يُفهم كمسألة إحسان فردي، بل كواجب مجتمعي وثقافي. فالأمم التي تحترم إبداعها تكرّم مبدعيها وهم أحياء، وتوفر لهم شبكات الأمان التي تليق بمن أضاءوا العقول والقلوب. والمؤسسات الثقافية، والدول، والنقابات، وكل جهة لها صلة بهذا الحقل، ينبغي أن تعمل على توفير رعاية دائمة، تليق بمقام الفن لا أن تنتظر حتى يُصبح صوت الاستغاثة مدوّياً في الصحف أو وسائل التواصل، لتبدأ حملات موسمية تعكس خللاً أعمق في البنية الاجتماعية.
في النهاية، يبقى المرض اختباراً للإنسانية، وتكون الكرامة آخر ما يتمسك به المبدع الذي عاش واقفاً بقلبه، فلا يجب أن يُترك وهو ينهار دون سند، لأن الكلمة التي كتبها، أو اللحن الذي أبدعه، أو اللون الذي رسم به الحلم، لم يكن يوماً تجارة، بل كان صرخة وجود ومحبة، ومثلما أحبنا في لحظة الإبداع، حريّ بنا أن نحبه في لحظة الوجع، لا شفقة في غياب الوفاء



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهرجان ابن عريف
- أخلاقيات العلاقة الزوجية
- رد بآشارة يغني عن السؤال والإثارة
- الجميل (صبرا ،هجرا.. )
- شبه قرين
- من كتابي رواد من شروق (مراكش والقلعة عملة واحدة)
- من كتابي أفئدة من ذهب(الفلكي حماد عاشور)
- سر الجمال
- خاتمة كتاب (رواد من شروق)
- مقدمة كتاب (رواد من شروق)
- سيرة ادباء وشعراء (رشيد أيلال)
- سوق الغزل ( من مغرب الثقافات)
- سيرة ادباء وشعراء (أحمد حيدة )
- سيرة الشاعر الناقد (حميد بركي )
- الشاعرة أمينة حسيم
- الشاعر رشيد سحيت
- الشاعرالمغربي محمد بودلاعة
- في حضرة الشعر
- حين تغرك الدنيا
- الفرق بين المن والامتنان


المزيد.....




- منها مدينة عربية.. قائمة بأكثر المدن كلفة بأسعار السلع والخد ...
- وقف إطلاق النار في السويداء.. العشائر تنسحب وتُحذّر وباراك ي ...
- من -الأم اليائسة- إلى الجواسيس الإسرائيليين.. حضانة طفلتين ت ...
- عمان بين مشهدين
- انتخابات مجلس الشيوخ في اليابان تهدد سلطة رئيس الوزراء وسط ا ...
- انتخابات يابانية اليوم تنذر برحيل رئيس الوزراء
- السلطات في شرق ليبيا ترحل 700 مهاجر سوداني
- مسؤول أميركي: انتقاد إسرائيل قد يحرم الأجانب من الدراسة بالو ...
- أسكتلندا تحث لندن على التعاون لإنقاذ أطفال غزة
- متظاهرون في برلين يطالبون الحكومة الألمانية بوقف توريد الأسل ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - عندما يصبح السؤال تساؤلا