أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - حين تُكتب الخيانة بخطٍّ كوردي














المزيد.....

حين تُكتب الخيانة بخطٍّ كوردي


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 22:08
المحور: القضية الكردية
    


الريح التي هبّت من جبال قنديل لم تكن مجرد نسمة عابرة، بل صوت أرض تئن تحت وطأة اتفاقية ماتت على الورق لكنها ما زالت تحكم بالسجون والمنافي. لوزان، تلك الوثيقة التي وُقّعت في ظل غياب الكورد عن طاولة القرار، لم تكن نهاية المطاف، بل كانت بداية طويلة من النسيان المتعمد، من التقطيع الجغرافي والنفسي للجسد الكوردي الواحد. لكن اليوم، وكأن التاريخ يعيد نفسه بحلقة جديدة، تبدأ خطوط خريطة الشرق الأوسط بالتغير، لا بفعل القبائل أو السلاطين، بل برسم دقيق من قوى لم تكن يومًا صديقة، لكنها اليوم، وربما لأول مرة، تجد في انهيار الخريطة القديمة فرصة لإعادة تعريف المنطقة. الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وإسرائيل، كلٌّ بحساباته، تتحرك نحو ترتيب جديد، حيث لم تعد حدود 1923 قابلة للبقاء كما هي. ولأن تركيا تعرف جيدًا أن هذه الخريطة الجديدة قد تهدد كيانها الاستراتيجي، بدأت تهرع، ليس بالدبابات، بل بالكلمات، بالهمس، بالوعود التي تشبه العسل المسموم.

في الزاوية الأخرى، هناك رجل يقبع في سجن إمرالي، اسمه عبدالله أوجلان، مؤسس وقائد حزب العمال الكوردستاني (PKK). وها هو النظام التركي، الذي اعتقله، وأدانه، وحول حياته إلى حصار مديد، يرسل الآن رسائل خفيفة، مواعيد غير مباشرة، عروض "مصالحة"، شروط: فقط أعلن حل الحزب، ضع السلاح، قل كلمتك، وسنطلق سراحك. كأن الحرية يمكن أن تُشترى بكلمة واحدة، كأن الكفاح الطويل عبر عقود يمكن أن يُختزل في بيان صحفي. لكن خلف هذا العرض، ليست النوايا الحسنة، بل حسابات أكثر قسوة. تركيا لا تخشى السلاح فقط، بل تخشى المشروع البديل، تخشى الإدارة الذاتية في غرب كوردستان، تلك التجربة التي حوّلت المدن المحطمة إلى نموذج للعيش المشترك، حيث المرأة تقود، والعرقيات المختلفة تتشاور، والديمقراطية تُمارس بدم حقيقي. لهذا، فإن الإفراج عن أوجلان ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتبرير إنهاء هذه التجربة، لأنها إذا استمرت، فقد تصبح عدوى لا يمكن احتواؤها.

وهنا، يعود الشبح القديم من قبره، شبح حسن خيري، النائب الكوردي الذي وقف يومًا في البرلمان التركي بزيّه الكوردي الأصيل، ليس طلبًا للتميّز، بل اعترافًا بالهوية. طلب منه أتاتورك أن يرسل برقية إلى لوزان يقول فيها إن الكورد يقبلون بالعيش مع الترك، وأن لا مطالبة لهم بدولة مستقلة. فعلها خيري، ووقع الأوروبيون، وانتهى الحديث عن كوردستان. وبعد أيام، أُعدم. وعلى حبل المشنقة، قال: "احفروا قبري على طريق يمر به الكورد، ليُبصقوا عليّ كلما مروا". كلامٌ لا يُقال إلا من قلبٍ يحترق بالنار، من رجل عرف أنه باع اللحظة الفاصلة بين الاستعباد والحرية. لم يكن خائنًا بنيّة، بل كان ضحية وهمٍ صنعه نظامٌ يعرف تمامًا كيف يستخدم الكلمة بدل الرصاص حين يلزم ذلك.

والآن، بعد مئة عام، تُعاد نفس اللعبة. نفس الأدوات، نفس السيناريو، نفس الشخصيات بوجوه مختلفة. أردوغان يلعب دور أتاتورك، وأوجلان هو خيري الجديد، والسجن هو المكان، والبرقية هي الطلب. الفرق الوحيد أن العالم اليوم ليس كما كان في 1923. لا يمكن إخفاء الحقيقة وراء ستار الدبلوماسية، فالكاميرات تسجل، والرأي العام يُسمع، والشعوب تعرف أن الحرية لا تُمنح بالصفقات، ولا تُبنى على الخدع. المجتمع الدولي، بقيادة أمريكا وإسرائيل، قد لا يكون صديقًا دائمًا، لكنه اليوم، وفي هذه اللحظة بالذات، يرى في إنهاء هيمنة تركيا على شمال سوريا فرصة استراتيجية. وهذا لا يعني أن الثقة يجب أن تُمنح، بل أن الفرصة يجب أن تُستثمر.

على الشعب الكوردي، وعلى إدارة غرب كوردستان، وعلى أوجلان نفسه، أن يقرأوا التاريخ لا كدراما مؤلمة، بل كتحذير حي. لا يمكن أن تُكرر الخطيئة نفسها باسم السلام، ولا يمكن أن يُقدَّم المشروع الوطني على طبق من ذهب مقابل وعودٍ لا تملك من الحقيقة سوى الصدى. التعاون مع القوى الدولية لا مانع منه، بل هو ضرورة، لكن بشرط ألا يكون على حساب الجوهر. لا تنازل عن حق تقرير المصير، لا تنازل عن التجربة الديمقراطية، لا تنازل عن الدم الذي سُكب من أجل أن تبقى روجآفا حية.

الخيانة لا تأتي دائمًا بوجه عدو، أحيانًا تأتي بثوب صديق، بابتسامة، بصفقة، ببرقية. وحين يُكتب التاريخ، لن يُسأل الناس عما فعلوا، بل عما صمتوا عنه. لذا، فليكن موقف الكورد واضحًا: نحن لا نبحث عن مغفرة من أحد، ولا ننتظر إذنًا للوجود. نحن هنا، منذ الأزل، وسنبقى، لا بسلاح وحده، بل بإرادة، وبذاكرة لا تُمحى، وبدروس من الماضي لا تُتجاهل. لأن من ينسى حسن خيري، يستحق أن يُبصق عليه، ليس على قبره فقط، بل في كل خطوة يمشيها نحو المستقبل.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا.. بين جثةٍ تُقسَّم وقلبٍ لا يزال ينبض
- السويداء: صدى الدم في وحدةٍ مكسورة
- بين الثورة والتجديد: من خُميني إلى الشرع السنيّ
- دمٌ على جدران التاريخ: سردية الكورد بين المذابح والانتفاضات
- هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟
- أزمنة النبع الكوردي: من أطلال التشتت إلى ضياء السياسة
- رسائل لم تُسلَّم... وذاكرة لا تموت
- كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق
- الشرق الأوسط يُعيد تشكيل خارطته.. فهل من يقظة كوردية تُعيد ل ...
- التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظ ...
- لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد ...
- الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية
- سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...
- ملحمة الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتصدعات الشرق المكسور
- صراع الوجود وأسئلة المصير: الهجوم الإسرائيلي على إيران بين ا ...
- سقوط الأقنعة: حين يصبح الفساد سلاحاً للانهيار والهيمنة
- تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...


المزيد.....




- إسرائيل.. اعتقال سيدة سبعينية خططت لاغتيال نتنياهو
- فنزويلا تفتح تحقيقا بأعمال تعذيب تعرض لها 252 مهاجرا رحلتهم ...
- -ليست حمية ولا رياضة-.. غزيون يوثقون أثر المجاعة على أجسادهم ...
- الداخلية السورية تنفي مزاعم بإعدام أسرى وتؤكد الالتزام باتفا ...
- مستشفيات غزة تسجل 10 وفيات جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية
- المجاعة تحصد أرواح 10 فلسطينيين في يوم واحد وارتفاع مقلق في ...
- في غضون 24 ساعة: وفاة 10 أشخاص بسبب المجاعة وسوء التغذية في ...
- حقوقية فلسطينية: الأسرى داخل معتقل راكيفت بإسرائيل في رعب شد ...
- فيديو.. مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: قتل الأبرياء لم يع ...
- أكثر من 100 منظمة إغاثة ومنظمة حقوقية تحذر من انتشار مجاعة ج ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - حين تُكتب الخيانة بخطٍّ كوردي