أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - الرجولة والذكورية والفرق بينهما














المزيد.....

الرجولة والذكورية والفرق بينهما


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 22:54
المحور: قضايا ثقافية
    


في زمن تشوشت فيه المفاهيم واختلطت القيم، بات من الضروري أن نعيد النظر في بعض المصطلحات التي تُتداول بكثرة في مجتمعاتنا، لكن دون تمحيص في جذورها أو آثارها. ومن أبرز هذه المفاهيم وأكثرها تعرضًا للتشويه، مفهوما "الرجولة" و"الذكورية". فكثيرون يظنون أن المصطلحين مترادفان أو متداخلان، بينما هما في الواقع يقفان على طرفي نقيض: أحدهما يعبّر عن نُبل، والآخر عن تسلط، أحدهما يعكس مسؤولية، والثاني يخفي ضعفًا خلف ستار القوة.

الرجولة ليست صفةً تُمنح لمجرد بلوغ سنٍّ أو لاكتمال البنية الجسدية، بل هي منظومة أخلاقية عميقة تتجلى في السلوك والتفكير والموقف. إنها التزام داخلي بالعدل، واستعداد دائم لتحمل المسؤولية، وقدرة على التوازن بين القوة والرحمة، وبين الحزم واللين. الرجولة أن تحمي لا أن تؤذي، أن تعين لا أن تُهين، أن ترفع من حولك لا أن تدوسهم باسم القوامة أو العُرف أو "الهيبة".

أما الذكورية، فهي نموذج ذهني وسلوكي قائم على اعتبار الذكر مركز القوة والقرار والهيمنة، والمرأة كائنًا تابعًا بالضرورة، ناقصًا في قدرته، محدودًا في أدواره. الذكورية تنظر إلى الأنوثة من زاوية الخطر أو الضعف أو الدونية، وترى في المساواة تهديدًا، وفي نجاح المرأة وقوفًا ضد "الطبيعة". إنها لا تبحث عن التفاهم، بل عن الهيمنة، ولا تُقيم العلاقة على الشراكة، بل على السلطة الأحادية. الذكورية تسلب الرجل إنسانيته قبل أن تظلم المرأة، لأنها تحوّله إلى متسلط قلق دائمًا من فقدان السيطرة، ومهووس بإثبات نفسه على حساب غيره.

وفي خضم هذا الخلط، لا بد أن نعود إلى النموذج النبوي، حيث تجلّت الرجولة في أبهى صورها. لقد كان النبي محمد ﷺ في قمة الرجولة وهو يقول عن خديجة رضي الله عنها: "إني رُزقت حبها"، وكان في خدمة أهله، يخصف نعله، ويبتسم لزوجاته، ويسابق عائشة، ويأمر بالرفق ويحثّ على الرحمة، ويقول: "خيركم خيركم لأهله". هذه ليست لحظات ضعف، بل ذروة القوة التي تتجاوز الجسد لتصل إلى الروح، وتترجم القيم إلى سلوك يومي راقٍ وعادل.

إن ما نعيشه اليوم من ممارسات ذكورية مغلفة بلبوس الرجولة، من قمع المرأة، وإلغاء صوتها، والتحكم بمصيرها، وحرمانها من التعليم أو العمل أو الاختيار، ليس إلا انحرافًا عن جوهر الرجولة الأصيل، وتشويهًا لصورتها النقية. بل إن الذكورية باتت تُمارس في كثير من البيوت والمؤسسات، ويُعاد إنتاجها في الخطاب الإعلامي، وفي بعض التفسيرات الدينية القاصرة التي تخلط بين النص وسياقه، وبين الحكم ومقاصده.

وعليه، فإن التمييز بين الرجولة والذكورية ليس رفاهًا فكريًا، بل ضرورة تربوية ومجتمعية. لأن بقاء الذكورية المتسلطة يعني استمرار الظلم الأسري، وتفشي العنف الرمزي والجسدي، وتكريس الأنماط المختلة في العلاقات الإنسانية. في المقابل، ترسيخ مفهوم الرجولة الحقيقية يفتح الباب أمام توازن صحي في الأدوار، وشراكة قائمة على الاحترام والعدل، ويعيد للرجل إنسانيته التي لا تكتمل إلا حين يكون قوته في رحمته، ومكانته في إنصافه، وقيادته في خدمته.

فلنُربّي أبناءنا على أن الرجولة ليست امتيازًا يُنتزع بالقوة، بل أمانة تُصان بالخلق. وأن صوت المرأة ليس تهديدًا، بل جزء من صوت المجتمع. وأن الاحترام لا يُفرض، بل يُكتسب. وأننا حين نعيد بناء المفاهيم على أسسها الأخلاقية العميقة، نكون قد خطونا خطوة باتجاه مجتمع أكثر عدلًا، وإنسانية، واتزانًا



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المذهبيه وأثرها السلبي على وحدة الشعوب الاسلامية
- التدخل الأسرائلي في السويداء
- الاقتتال الشيعي المحتمل في العراق
- العلمانية والمجتمع الأسلامي
- المودة سبيل النجاة والصلح منهج العقلاء
- الكرد.ماذا بعد تسليم السلاح؟
- السلاح المنفلت بين الارادة الداخلية والأوامر الخارجية(لبنان. ...
- أمي ثم أمي
- بريكس والدولار
- الشرق الأوسط بين المطرقة والسندان
- العقيدة الشخصية. بين الحرية الفردية وأحترام الأخرين والمجتمع
- الضابطة التي ودعت الحلم على الأسفلت
- هل تتخلى إيران عن اذرعها في العراق ضمن صفقة مع أمريكا؟
- هل تتخلى إيران عن أذرعها في العراق مقابل صفقة مع أمريكا؟
- ترامب والحرب الإسرائيلية الإيرانية: حرب إعلامية بغطاء ناري و ...
- أزدواجية المصالح عند ترامب
- أيران تكشر عن أنيابها عندما ضربت في الصميم وتفرجت عندما قتل ...
- -ما بعد الصواريخ: الشرق الأوسط بين نار الحرب وصمت الهزيمة-
- بين العناد الفارسي والخبث الأسرائلي كيف تنتهي الحرب بينهما؟
- بين الشراكة والخذلان الموقف الروسي أتجاه ايران


المزيد.....




- تحطم طائرة عسكرية في مدرسة ببنغلاديش
- خبيرة تغذية جزائرية تتهم شركة غذائية باستخدام مواد مسرطنة وم ...
- عطل تقني يتسبّب بتوقّف رحلات -ألاسكا إيرلاينز- لثلاث ساعات ...
- أردوغان يتّهم إسرائيل بعرقلة -مشروع الإستقرار- في سوريا: -لن ...
- البرهان يجدد رفض التدخلات الخارجية ويؤكد: قادرون على دحر -مل ...
- زمن الكريبتو في أمريكا.. سياسات ترامب خلقت 15 ألف مليونير جد ...
- روسيا تستبعد إجراء محادثات قريبة مع أوكرانيا وبارو يقول أن ف ...
- بين أنتيغون وإيدن في مهرجان أفينيون... الفرنسية العراقية تما ...
- محلل إسرائيلي: حماس لن ترفع الراية البيضاء وجيشنا يهدم ولا ي ...
- لماذا حصر عدد قتلى الكوارث أمر صعب على الصحفيين؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - الرجولة والذكورية والفرق بينهما