مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 08:18
المحور:
المجتمع المدني
استيقظت أحلامي على فزعٍ، لهيبٌ التهم السلام والحياة، ليفجع العراق والإنسانية في محرقةٍ سوداء اقتادت أبرياءها إلى موتٍ حارق، بكت على ضحاياه السماء قبل الأرض؛ أطفالًا كانوا يحلمون بلعبةٍ، نساءً أنهكتهنّ السنين، ورجالًا خرجوا يطلبون الرزق، فعادوا رمادًا يئن في ذاكرة الكوت.
لم يكن ذلك السوقُ سوى مرآةٍ لحياةٍ بسيطة، لناسٍ سُحقوا تحت أنقاض الحروب والفقر، فتعلّقوا بفتات الأمل، بشمعةِ عيدٍ صغيرة… فأطفأتها نيرانُ الإهمال والفوضى وانعدام الرحمة.
أيُّ جُرحٍ هذا الذي يعيدنا إلى مواسمِ الألم التي لم تبرأ؟ وأيُّ قدرٍ غادرٍ هذا الذي يُصرُّ أن يجعل من وطننا نعشًا مفتوحًا على الدموع؟ لم يكن ما جرى مجرد حريق، بل لحظةٌ انفجر فيها الحزنُ جمعيًا، وانكشفت فيها هشاشة العمر وقسوة الإهمال.
في الكوت، المدينة الطيبة، التي طالما حملت أهازيج الجنوب وصبر الأمهات، احترق كل شيء: الأجساد، والقلوب، والذاكرة. الكوت التي كانت تُعرف بالسكينة والأمومة، صارت فجأة مسرحًا للحريق الكبير، وصار الرماد حديثَ وطنٍ منهك، يستصرخ الإنسانية والسماء.
لنتذكر تلك الأم العراقية… التي احتضنت طفلها في أتون الجحيم، فنامت فوقه لتحجبه عن النار، فلم يبقَ منهما سوى رمادٍ واحدٍ، تفحمت فيه الشفقة، وذاب فيه الحنان. وتبخرت صرخاتهما في الهواء، بينما ماتت دموعنا خجلًا في أجفاننا، عاجزةً عن إنقاذ الحياة.
(إنها أمُّ العراق)…
ماذا عسانا أن نفعل لنداوي هذا الحزن الثقيل؟
هل يكفي أن نقيم تمثالًا وقبرًا رمزيًا لأم العراق في قلب الكوت، ليصبح مزارًا مقدّسًا لأمهات الأرض؟
هل تكفي ألف دمعة تُسكب عليه كل صباح، من كل من فقد ومن كل من يشعر؟
هل نبني طريقًا معبّدًا بالحزن، بين أم العراق وكربلاء، نعبره كل محرم، لا لنبكي الماضي فقط، بل لنُذكّر الأحياء بأن الحياة مسؤولية، وأن الإهمال جريمة؟!
أيها الوطن، احنِ رأسك اليوم لأم العراق…
وامسح على جراحك بيدٍ من حنين.
فلعلنا يومًا ما… نستحق الحياة.
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟