أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي














المزيد.....

حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 15:17
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الحلة، حيث تمتزج أطياف التاريخ بعبق الفرات، ولد حامد كعيد الجبوري في محلة الورديّة عام 1952، فكان كما الزهر ينهل من ماء الأرض ويصغي لصدى الذاكرة، لينشأ لاحقًا واحدًا من أبرز من أخلصوا للتراث الشعبي، وكرّسوا حياتهم للكتابة عن وجدان الناس، لا من وراء المكاتب المغلقة، بل من قلب الميدان الشعبي، حيث القصيدة نابعة من جرح، والمفردة مبلّلة بندى الحقيقة.
لم يكن حامد الجبوري شاعرًا شعبيًا فحسب، بل باحثًا ومؤرّخًا لتجربة الشعر الشعبي العراقي، وصوتًا لنبضه. إذ نذر قلمه للناس، فكتب عنهم، وكتب لهم، وأوفى للذاكرة العراقية بما استطاع إليه سبيلًا. لم يغره صخب الأضواء، بل كان يعمل بصبر الأنهار، يشقّ مجراه في وجدان الناس، ويترك أثره في كل من تتبع خطاه، أو أصغى لصوته.
بعد تخرّجه من الكلية العسكرية سنة 1969، اختار لنفسه مسارًا غير تقليدي، فالتحق بالدراسة المسائية للغة العربية في الجامعة المستنصرية، ليجمع بين انضباط المؤسسة العسكرية ورهافة اللغة، وهو ما انعكس في مشروعه الثقافي الذي جمع بين الرصانة في التوثيق، والعذوبة في التعبير.
نشر الجبوري العشرات من الدراسات في التراث الشعبي في مجلات وصحف مرموقة مثل التراث الشعبي والصباح وطريق الشعب، كما كان له حضور رقمي كثيف في أبرز المواقع الثقافية العراقية والعربية، مما جعله قريبًا من جمهور واسع من القراء، ومن النخبة الثقافية على حد سواء.
وقد تولّى إعداد صفحات الشعر الشعبي في صحف الدستور والفيحاء الحلية، وكان صوته مألوفًا عبر أثير إذاعة بابل في برنامجه الشهير بستان الشعر الشعبي، الذي استمر لعشر سنوات، كما قدّم برنامج أغاني للوطن والناس من اذاعة اتحاد الشعب في بابل، مستنهضًا الذاكرة الجمعية، وموثقًا محنة الوطن وتطلعاته.
يعدّه بعض النقّاد من الجيل الذي لم يكتب الشعر الشعبي بوصفه تسلية لغوية، بل بوصفه مشروعًا ثقافيًا توثيقيًا. كتب عنه الدكتور صباح نوري المرزوك في أكثر من موضع، معدّدًا إسهاماته الفكرية والتنظيمية، معتبرًا إياه من روافد النهضة الثقافية في الحلة، إذ جمع في شخصيته بين الشاعر والباحث والمنظّم الثقافي. كما ينظر إليه كثير من النقاد كواحد من الأصوات المخلصة للبيئة الشعبية، التي تمكّنت من أن تحوّل التراث من ذاكرة شفاهية إلى مادة مكتوبة ومؤرشفة.

ويرى البعض أن تجربة الجبوري تمثّل مثالًا حيًّا للكتابة التي لا تنفصل عن حياة الناس، فهو لم ينعزل في برجٍ ثقافي، بل ظلّ يكتب من عمق المكان، ومن نبض أهله، مستشهدًا بمؤلفه المواكب الحلية الذي يعد دراسة ميدانية متميزة لوظيفة المواكب الحسينية في مدينة الحلة، بعيدًا عن الخطاب التقليدي، ومقتربًا من السوسيولوجيا الشعبية في أفضل تجلياتها.
ويشير آخرون إلى أن شعره في ديوانيه الخلود وضمير أبيض يتسم بوضوح العاطفة ونبل الموقف، وأنه لا يتورّع عن مناجاة الوطن في أحلك ظروفه، حيث تظهر مفرداته كأنها خيوط من حرير منسوج على منوال الوجع العراقي المزمن.
أسهم الجبوري بفعالية في الحياة الثقافية، من خلال مشاركاته في مهرجانات عراقية وعربية، وتنظيمه لمهرجانات نوعية بالشراكة مع وزارة الثقافة، كما تولّى أدوارًا قيادية في المؤسسات الثقافية، فكان عضوًا في اتحاد أدباء وكتاب بابل، ونائبًا لرئيس اتحاد الشعراء الشعبيين، ورئيسًا لجمعية البيت العراقي للشعر الشعبي.
كما أصدر مذكراته عن حرب تشرين 1973، متناولًا تجربته كضابط عراقي، كاشفًا عن جانب آخر من شخصيته التي شهدت التحولات العاصفة في تاريخ البلاد، دون أن تنكفئ عن واجبها التوثيقي.
ولا تزال كتبه القادمة مثل شخصيات وأماكن المنتظر صدورها، توحي بأن الجبوري لم ينهِ مهمته بعد، بل لا يزال حاملًا لمسؤولية كتابة التاريخ الشعبي للعراق، من نسيجه الحقيقي، لا من زيف الرواية الرسمية.
في زمنٍ تشوّشت فيه الأصوات، ظلّ حامد كعيد الجبوري وفيًا لصوت الناس، لذا بَقِيَ حاضرًا، لا بالشهرة العارضة، بل ببصمة الروح العميقة. وهو أحد أولئك الذين كلّما تقادمت أعمارهم، ازدادوا شبابًا في ذاكرة الناس، لأنه كتب من أجلهم، لا من أجل المديح العابر.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود


المزيد.....




- ظبي بأنف غريب.. ما حكاية السايغا الذي نجا بأعجوبة من الانقرا ...
- مصدر إسرائيلي يكشف لـCNN تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غ ...
- حسام أبو صفية لمحاميته: هل ما زال أحد يذكرني؟
- -إكس- و-واتساب- في قلب جدل جديد: تحقيق يرصد حسابات يمنية ترو ...
- الوحدة الشعبية: استهداف سورية العربية حلقة لاستكمال مشروع ال ...
- مبادرة -صنع في ألمانيا-: أكثر من 60 شركة ألمانية تتعهد باستث ...
- لماذا لم تكشف بغداد عن هوية المتورطين بهجمات المسيرات؟
- بدء خروج العائلات المحتجزة من السويداء -حتى ضمان عودتها-
- عاجل| وسائل إعلام إسرائيلية: سلاح الجو يهاجم أهدافا للحوثيين ...
- شاهد.. مطاردة مثيرة وثقتها كاميرا من داخل دورية الشرطة تعبر ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي