أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - جنود الإسرائيليين في ظلّ العدوان على غزة: انكشاف العطب الداخلي خلف آلة الحرب














المزيد.....

جنود الإسرائيليين في ظلّ العدوان على غزة: انكشاف العطب الداخلي خلف آلة الحرب


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 10:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ج
تمهيد: حين تتهاوى الجبهة من الداخل

في خضمّ الحرب، تسلط الكاميرات على الدبابات، على الضربات الجوية، على قادة الأركان، وعلى عدّاد القتلى في الجانب الآخر. لكن ما لا يُقال — أو بالأحرى، ما يُطمس عمدًا — هو صوت الجنود الصامتين الذين يختارون أن يطلقوا النار على أنفسهم لا على “العدو”. أولئك الذين، بينما تهتف الدولة باسم “النصر”، يتهاوَون بصمت داخل ثكناتهم، بعيدًا عن الأضواء، كأنهم يشكّلون إحراجًا لأسطورة “الجيش الأخلاقي الأقوى في المنطقة”.

نحن أمام ظاهرة تتجاوز “الانتحار” بالمعنى الفردي إلى “الانهيار” كعلامة جماعية: انتحار الجنود الإسرائيليين، لا كحالات نفسية معزولة، بل كأعراض لخلل وجودي في صلب المشروع الصهيوني ذاته.

الأرقام تتكلم… بصوت مكتوم

رغم محاولات الرقابة العسكرية الإسرائيلية التكتّم على الأرقام، تشير تسريبات من داخل المؤسسة الأمنية إلى أنّ عدد حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي شهد ارتفاعًا ملحوظًا منذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023 وحتى منتصف 2025، مع تسجيل عشرات الحالات المُعلنة ومثلها (أو أكثر) مما يُسجّل كـ “وفاة في ظروف غير قتالية”.

الأخطر من ذلك: بعض هذه الحالات جرت في قواعد محصّنة بعيدًا عن ساحة المعركة، ما يدلّ على عمق التصدّع الداخلي، لا بفعل الخوف من الموت، بل من عبث الحياة ذاتها ضمن ماكينة عنف لا هدف لها سوى التدمير.

من البندقية إلى العدم: لماذا ينتحر الجندي الإسرائيلي؟

1. الانهيار الأخلاقي أمام الحقيقة الحيّة

المشهد الفلسطيني، ولا سيما في غزة، يضع الجندي الإسرائيلي في مواجهة متكررة مع مدنيين عُزّل، أطفال وأمهات وأشلاء. لا توجد معركة شريفة هنا. هناك قصف عن بعد و”تحييد أهداف” تتحول فجأة إلى جثث لعائلات كاملة. أمام هذا التكرار، لا يستطيع بعض الجنود تحمل عبء “الأوامر الشرعية” التي يفرضها الزي العسكري، فتبدأ التصدعات النفسية، وتتحول إلى اكتئاب ثم إلى رغبة في الإفلات… بأي ثمن.

2. الاغتراب الوجودي

الجندي الإسرائيلي، القادم من خلفية علمانية أو دينية متشددة، لا يجد في الواقع المحتلّ ولا في العدوان الراهن ما يتّسق مع القيم التي تربّى عليها: “أرض الميعاد”، “الدفاع عن الديمقراطية”، أو “شعب الله المختار”. يجد نفسه أداة في مشروع استيطاني عسكري لا أخلاق له. هذا التناقض بين الإيديولوجيا والواقع يخلق فجوة وجودية عميقة.

3. الخوف من الموت بلا معنى

بعض الجنود الذين ينتحرون لم يواجهوا اشتباكًا واحدًا، بل قضوا فتراتهم في الملاجئ أو الثكنات. لكنهم، في لحظة وعي مفاجئة، يُدركون أنهم قد يُقتلون دون أن يفهموا لماذا. هذا الفراغ الوجودي هو جوهر ما يدفع بالمرء للبحث عن “خروج ذاتي” من لعبة لا يفهم قواعدها.

الصدمة النفسية كعدوى مؤسسية

الجيش الإسرائيلي يضم اليوم آلاف الجنود المصابين بصدمات ما بعد الصدمة (PTSD)، لكن المؤسسة العسكرية تتعامل معهم بوصفهم أضرارًا جانبية لا تستحق أن تُكتب في البلاغات الرسمية. لا يُسمح لهم بالبكاء، ولا بالاحتجاج. يُطلب منهم فقط “العودة للخدمة”. هنا يتكرس ما يمكن تسميته بـ “الاغتصاب النفسي الممنهج”: إذ تُجبر الذات على الانصياع لعقيدة العنف، رغم تهشم بنيتها الداخلية.

ما الذي تكشفه هذه الظاهرة؟

انتحار الجنود الإسرائيليين ليس خللًا فرديًا في الصحة النفسية، بل مؤشر على تصدّع عميق في بنية العقيدة العسكرية الإسرائيلية نفسها. إنه صوت داخلي يصرخ في وجه المشروع الذي يدّعي أنه “يمنح الأمن”، بينما هو في الواقع ينتج الخوف، العدوان، والانفصال عن الذات.

بل يمكن القول إنّ هؤلاء المنتحرين هم – بشكل من الأشكال – أولى ضحايا هذه الحرب، لأنهم لم يُقتلوا بأيدي “العدو”، بل انتحروا في مواجهة عدوانيتهم الذاتية.

ما بعد السلاح: أيّ مستقبل لجيش تآكلت روحه؟

عندما يصبح الانتحار وسيلة الجندي لمقاومة ما أُمِر به، فهذا لا يعني فقط أن الجندي مريض… بل أن “المهمة” نفسها مريضة. وإذا لم يستفق المجتمع الإسرائيلي من وهم “جيش الحماية”، ويواجه الحقيقة القاتمة التي تقول إنّ العنف الممنهج لا يخلق الأمن بل يقتل الروح، فإنّ مزيدًا من الجنود سيتحولون إلى ضحايا على يد أنفسهم.

خاتمة: رصاصة نحو الداخل

الجندي الذي يضغط على الزناد ليقتل ذاته، لا يفرّ من المعركة… بل يعلن، في أكثر صور الاحتجاج صمتًا، أن هذه المعركة ليست له، وأن البندقية التي بين يديه لم تُخلق للدفاع، بل لتحطيم إنسانيته.

وهكذا، يتحوّل الانتحار من “نهاية فردية” إلى صرخة كونية تقول: لا أحد يربح في حرب كهذه… حتى القاتل يموت



#خالد_خليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سماء تسعل مرآة
- من “أمير الجهاد” إلى “رئيس الدولة”
- معركة الانفجار العظيم: قراءة نقدية في ضوء نظرية التذبذب المع ...
- نواة الوعي: كيف يتشكل الشعور من تذبذب المعلومة؟ والذكاء الذي ...
- نواة الوعي: كيف يتشكل الشعور من تذبذب المعلومة؟
- قصيدة عارية
- السياسة حين تتفسخ… والأخلاق حين تُخنق
- ما بعد التطبيع: سيادة مُفرّغة، ووعيٌ قيد التدوير
- الذي رأى الصوت وهو ينزف (تتمة لقصيدة أغنية)
- أغنية
- قراءة نقدية مقارنة: الزمن في فكر هيرتوغ وفي إطار مشروعنا الع ...
- من رماد النار إلى ولادة الشرق: قراءة في نتائج الحرب واستشراف ...
- ما بين تل أبيب وطهران: حين تُطلق الصواريخ وتسقط العروش
- نتنياهو في قلب الإعصار: حرب إيران وحدود المناورة الصفرية
- نحو قراءة استراتيجية للحظة الشرق الأوسط: جدلية الانفجار الجي ...
- أشعر…
- لماذا يتراجع ترامب؟ ولماذا بدأت إسرائيل بالانكفاء؟
- أريد…
- معمارية الرد السيادي المتعدد المحاور: تجسيد للرؤية الإيرانية ...
- الخوف من التطور والذكاء الاصطناعي: انكفاء في أدوات المعرفة أ ...


المزيد.....




- هذا ما قاله أبو عبيدة.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بعر ...
- في أول ظهور منذ مارس.. أبو عبيدة يتحدّث عن -معركة استنزاف طو ...
- البرازيل: المحكمة العليا تفرض على الرئيس السابق بولسونارو وض ...
- أكسيوس: إسرائيل تطلب من واشنطن إقناع دول باستقبال مهجّرين من ...
- هل تستحق مشدات الخصر كل هذا العناء؟ إليك 8 آثار جانبية محتمل ...
- روسيا تحكم بالسجن على 135 متظاهرا ضد إسرائيل بداغستان
- واشنطن بوست: الديمقراطيون يجرّبون الشتائم لمواجهة تأثير ترام ...
- أردوغان لبوتين: الاشتباكات في السويداء تشكل تهديدا للمنطقة ك ...
- غاليبولي الإيطالية تستضيف -حنظلة- قبل إبحارها لكسر الحصار عن ...
- صحفي يواجه نائبا جمهوريا بتصريحاته حول إبادة وتجويع المدنيين ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - جنود الإسرائيليين في ظلّ العدوان على غزة: انكشاف العطب الداخلي خلف آلة الحرب