أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ومقاومةٍ وحقّ في الحلم














المزيد.....

شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ومقاومةٍ وحقّ في الحلم


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 13:04
المحور: المجتمع المدني
    


ليس ثمة ما هو أوجع من الأيديولوجيا حين تصبح مهنة، لا رؤيا. ولا ما هو أبهى منها حين تتجسّد كأملٍ حار، وكموقف فنيّ، وكفعلٍ إنسانيّ مقاوم يخرج من الأحشاء لا من الأرشيف.
شتّان، نعم شتّان، بين من يعتاشون على الأيديولوجيا كبضاعة معلبة، يلوّحون بها في المناسبات الوطنية، الدينية، أو الفصائلية كأنها بطاقة عضوية في نادٍ منقرض، وبين أولئك الذين جعلوا منها نبضاً يُبدع، يُربّي، يُبني، ويُضمّد جراح الجماعة دون أن يطلب تصفيقاً.
في زمنٍ يكثر فيه المتحدثون باسم الحقيقة، باسم الوطن، باسم الربّ، باسم الهويّة، تصبح الأيديولوجيا فخّاً محكماً، خندقاً لغويًا يُختبأ فيه الخوف، وتُكمم فيه الأسئلة، ويُعدم فيه الإبداع. هؤلاء لا يملكون الجرأة على الحلم. لأن الحلم لا يخضع للنص الحزبي، ولا يسير ضمن أوامر التنظيم.
كم من مرة رأينا من "يؤدلجون" كل شهيق وزفير، ولكنهم حين يسقط طفلٌ على حاجزٍ، أو يُعتقل رسّامٌ شاب لأن ريشته رسمت جسدًا محتلًا، لا يتحرك فيهم شيء؟ لأن الأيديولوجيا لديهم ليست جسداً يرتجف، بل خطاباً يتصلّب. ليست رغبة في الشفاء، بل رغبة في السيطرة على الألم.
أما أولئك الذين حملوا الأيديولوجيا في دمهم لا في جيوبهم، فقد رأيناهم يكتبون القصيدة لا لأنهم شعراء، بل لأن الحرف يقيهم الجنون. رأيناهم يعزفون أوجاعهم في الزوايا المظلمة من الذاكرة، ويرسمون الوطن بأسنانهم حين تنكسر أقلامهم. لا يبحثون عن منصب، بل عن شمس. لا ينتظرون وساماً، بل وعداً بالكرامة.
شتّان بين شاعرٍ يغني لفلسطين لأن اسمه لن يُكتب دونها، وبين من يلوك اسمها في كل لقاء ليضمن نشر صورته في صدر الجريدة.
شتّان بين مَن يمارس الأيديولوجيا كفنّ أخلاقيّ مقاوم، فيه من الحنان أكثر مما فيه من الشعارات، ومن الصمت أكثر مما فيه من التصفيق، وبين مَن جرّدها من بعدها الإنساني، من بعدها الجماليّ، من بعدها النفسيّ.
تلك الفئة الأولى تؤمن أن الأيديولوجيا بلا شغفٍ هي أداة قمع جديدة، وبلا فنٍّ هي عقيدة عمياء، وبلا محبة هي كراهية بألوان مُجمّلة. أما الفئة الثانية، فتلبسها كدرع، تقي بها نفسها من النقد، وتخنق بها الاختلاف.
في مسارنا الثقافي الفلسطيني والعربي، رأينا من يخطّ بدمه فلسفة نضاله: فنانات خرجن من الملاجئ ليقدمن عروضًا تشبه الوجع لا البروتوكول، شعراء لم يعرفوا المسرح إلا كمنصة للشهادة، معلمين جعلوا من قاعة الصفّ حقلًا للتحرير الداخليّ قبل التحرير الخارجيّ.
هؤلاء لا يركضون نحو الميكروفون، بل نحو الطفل المرتبك، نحو اللاجئ المنسي، نحو الجدار الذي لم يسقط بعد.
وهؤلاء، وحدهم، من يستحقون أن تُصاغ أسماؤهم من عطر الذاكرة.
الأيديولوجيا الحقة هي تلك التي تمنحك صوتك، لا تلك التي تمليه عليك. هي تلك التي تزرعك في أرضك، لا تلك التي تقتلعك لتغرسك في لافتة. هي التي تُحرّرك من الخوف، لا التي تجعلك تخاف من حريتك.
شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا… وبين من جعلوا منها صلاةً بلا محراب، فعلًا بلا مكافأة، حبًا بلا قيد، وحلمًا لا يموت.
وكم نحن بحاجة اليوم، في زمن الخراب المعنوي، أن نعيد الأيديولوجيا إلى مكانها الطبيعي: فعل حبّ… وفنّ حرّ… ونبض لا يخاف من أن يكون هشًّا.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجعٌ يقاومهُ وجع
- العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها
- -نحنُ الملحُ الباقي... والجرحُ النّديّ-
- -الديك والانتخابات الديمقراطية-
- في حضرة الشراكة: أبطالٌ في قلب الوطن
- بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية
- “أطياف أم-
- في مهبِّ الجوع… غزةُ تصرخ
- -صليلُ الوشاةِ... ونحيبُ القلوب-
- -بسمة الصباح وظلّ خالد: حين يتحوّل الحزن إلى حارس-
- الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس
- عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي
- اتحبني؟
- دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،
- مدرستي... منارةُ القلبِ والعقل
- نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟


المزيد.....




- الأمم المتحدة: إسرائيل ترفض تجديد تأشيرات رؤساء الوكالات الت ...
- تجدد الاشتباكات في السويداء والأمم المتحدة تطلب فتح تحقيق
- أكثر مشجعي الأندية تعرضا للاعتقال في البريميرليغ
- أبو عبيدة: المقاومة تستنزف الاحتلال وتعرض صفقة شاملة.. ونتني ...
- ألمانيا تعيد فتح ملفات طالبي اللجوء من غزة بعد تجميد طويل
- حرمان ملايين اللاجئين من مساعدات الغذاء والدواء والسكن والتع ...
- ترامب، مطاردة المهاجرين
- العفو الدولية تنتقد دعم الاتحاد الأوروبي لـ-إسرائيل- ورفضه ت ...
- نحن نموت ببطء.. شهادات من غزة بشأن تفاقم المجاعة
- منظمات المساعدة: الآعانة المالية لطالبي اللجوء لا تكفي


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ومقاومةٍ وحقّ في الحلم