أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلامية الكبرى














المزيد.....

المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلامية الكبرى


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 12:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يُعد الخلاف بين المعتزلة وباقي الفرق الكلامية الأخرى من أبرز المحاور التي شكّلت ملامح الفكر العقدي في الحضارة الإسلامية، وأثرت تأثيرًا بالغًا في مسار الجدل اللاهوتي والفلسفي داخل التراث الإسلامي. نشأت فرقة المعتزلة في بيئة كانت فيها الأسئلة الفلسفية الكبرى حول الله، والعقل، والعدل، والحرية، قد بدأت تتفاعل بقوة، نتيجة انفتاح العالم الإسلامي على التيارات الفكرية اليونانية والفارسية، ونتيجة تعاظم الحاجة إلى إنتاج نسق معرفي قادر على الدفاع عن العقيدة الإسلامية باستخدام أدوات عقلانية ومنطقية. وقد تميزت المعتزلة بتغليبها للعقل وتأكيدها على ضرورة إخضاع النصوص الدينية لموازين العقل الصريح، مما جعلها في مواجهة مباشرة مع العديد من الفرق الكلامية التي كانت تميل إلى التسليم المطلق للنصوص دون خوض في التأويل أو الجدل العقلي.

اعتبر المعتزلة أن العقل هو المصدر الأعلى للمعرفة، وأن بإمكان الإنسان إدراك الخير والشر من خلال عقله وحده، دون الحاجة إلى وحي أو نص. وهذا الموقف أسّس لبنية عقلانية متكاملة جعلتهم يقولون إن التكليف الإلهي لا يكون عادلًا إلا إذا كان الإنسان قادرًا بعقله على التمييز بين الحسن والقبيح، وهو ما جعلهم يربطون بين الحرية الإنسانية والمسؤولية الأخلاقية والجزاء الأخروي. وهنا برز خلافهم مع الأشاعرة الذين رأوا أن العقل تابع للنقل، وأن الإنسان "يكسب" أفعاله ولكن لا يخلقها، بل إن الله هو الخالق لكل شيء، بما في ذلك أفعال العباد. ومن هذا المنطلق تبنت المعتزلة القول بحرية الإرادة البشرية الكاملة، ورفضوا كل أشكال الجبر التي تسلب الإنسان حريته وتجعل من العدالة الإلهية موضع تساؤل، في حين تبنّت بعض الفرق الأخرى، مثل الجبرية، تصورًا متطرفًا للجبر، يجعل الإنسان مجرد أداة في يد القدر.

أما في ما يخص الصفات الإلهية، فقد خاض المعتزلة معركة فكرية كبرى ضد التصورات التي رأوا أنها تؤدي إلى التشبيه والتجسيم، فأنكروا الصفات الزائدة على الذات الإلهية، وقالوا إن الله عليم بذاته، قادر بذاته، ولا يجوز أن تكون له صفات قائمة بذاته لأن ذلك يفضي إلى تعدد القدماء، وهو شرك خفي في نظرهم. وفي هذا السياق، كان خلافهم مع أهل السنة والأشاعرة واضحًا، حيث رأى هؤلاء أن الصفات الإلهية ثابتة وأزلية، وأنه لا مانع من القول بأن لله سمعًا وبصرًا وكلامًا، شريطة تنزيه هذه الصفات عن التشبيه بالمخلوقات. ولكن المعتزلة اعتبروا أن هذا التصور يؤدي إلى الوقوع في التجسيم ولو من حيث لا يشعر أصحابه، ولذلك سعوا إلى تأويل الآيات التي تفيد الصفات الحسية كـ"الاستواء على العرش" و"اليد" و"العين"، تأويلًا مجازيًا ينسجم مع التنزيه العقلي المطلق.

ومن المسائل التي أثارت فتنة فكرية كبرى في التاريخ الإسلامي مسألة "خلق القرآن"، إذ ذهب المعتزلة إلى أن كلام الله – بما فيه القرآن – مخلوق، لأن القول بأزليته يؤدي إلى القول بوجود قديمين: الله والقرآن، وهو ما لا يقبله التوحيد الخالص. وقد دعم الخلفاء العباسيون هذا الرأي لفترة من الزمن، خاصة في عهد المأمون والمعتصم والواثق، وفرضوه على الفقهاء والعلماء، مما أدى إلى "محنة خلق القرآن" الشهيرة التي تعرض فيها الإمام أحمد بن حنبل وغيره من علماء الحديث للاضطهاد بسبب رفضهم لهذا القول. وبذلك تجلّى الصدام ليس فقط على مستوى الأفكار، بل على مستوى السلطة والسياسة أيضًا، حيث تداخلت المذاهب العقدية مع الصراعات السياسية، وهو ما جعل الفكر الكلامي المعتزلي محاطًا بمزيج من الاحترام والتوجس في آنٍ واحد.

كما خالف المعتزلة الفرق الأخرى في موقفهم من مرتكب الكبيرة، إذ رأوا أن مرتكب الكبيرة لا يُعد مؤمنًا ولا كافرًا، بل هو في منزلة بين المنزلتين، وإذا مات من غير توبة خُلد في النار، لأن العدالة الإلهية لا تقبل أن يتساوى من ارتكب الكبائر مع من عاش مستقيمًا صالحًا. وقد هاجمهم الخوارج من جهة، لأنهم كفّروا مرتكب الكبيرة واعتبروه مخلدًا في النار، كما هاجمتهم المرجئة من الجهة الأخرى، لأنهم رأوا أن الإيمان لا يزول بالمعصية، ولا يدخل الإنسان النار بمجرد ارتكاب الكبيرة. وبذلك سلكت المعتزلة مسارًا وسطًا ولكنه صارم، ربط بين العمل والإيمان بشكل لا يقبل التجاوز، وهو ما يعبّر عن رؤيتهم الأخلاقية الصارمة التي تشكل نواة فلسفتهم العقدية.

أما في الرؤية يوم القيامة، فقد أنكرت المعتزلة إمكان رؤية الله بالبصر، لأنهم رأوا أن ذلك يقتضي الجهة والمكان، وهما مستحيلان على الله. بينما قال الأشاعرة والسلفية بإثبات الرؤية بلا كيف، مستندين إلى ظاهر النصوص القرآنية والحديثية. وقد اعتبر المعتزلة أن الرؤية من المحالات العقلية، لأن الله لا تدركه الأبصار، وهذا من أركان تنزيههم الصارم.

إن خلافات المعتزلة مع الفرق الأخرى لم تكن خلافات هامشية، بل كانت تعبيرًا عن صراع أعمق بين عقلانية تنشد تأسيس إيمان يقوم على البرهان، وتقليدية تؤمن بالتسليم للنصوص دون تأويل. وقد خلّف هذا الصراع تراثًا غنيًا ومعقدًا، لا يزال يُقرأ ويُستعاد إلى يومنا هذا، في محاولات دؤوبة لإعادة بناء خطاب ديني عقلاني يتجاوز الانغلاق النصي دون أن يفقد روحه الإيمانية العميقة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...
- القرآن الناطق بالعقل: الجذور التأسيسية لعلم الكلام الإسلامي
- غرس الانقسام : كيف أعاق الكيان الصهيوني وحدة الأمة العربية
- في رحاب الوعي: من ديكارت إلى هايدغر، ومن سبينوزا إلى هوسرل
- من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الا ...
- العقل الأداتي في الفكر المعاصر: قراءة نقدية في أطروحة يورغن ...
- برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات
- العقل في مواجهة المادة: رؤية كانط الأخلاقية في زمن النزعة ال ...
- الظلال النووية : الصراع الأمريكي الإسرائيلي ضد طموحات إيران ...
- الاقتصاد الخوارزمي : حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قوانين ...
- تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معنا ...
- الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...
- باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...


المزيد.....




- السعودية.. ضجة وفاة -الأمير النائم- بين تداول تصريح سابق لوا ...
- مصر.. رد علاء مبارك على تعليق ساويرس عن عمر سليمان نائب حسني ...
- سوريا.. السفارة الأمريكية بعد لقاء مع مظلوم عبدي: الوقت قد ح ...
- أسرار الحياة المزدوجة لـ-السلطان- زعيم المخدرات المولع بالبو ...
- هجوم على النائب العربي أيمن عودة.. كسروا زجاج سيارته وبصقوا ...
- بالفيديو.. الجزيرة نت داخل سفينة حنظلة المتجهة لكسر حصار غزة ...
- إسرائيل تستهدف صيادين حاولوا دخول بحر غزة
- تداول فيديو لـ-الشرع بين أنصاره على تخوم السويداء-.. ما صحة ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشيد بعملية -مطرقة منتصف الليل-
- العشائر السورية تعلن إخراج كافة مقاتليها من السويداء


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلامية الكبرى