(صير زلمه) تعليق على رواية -خبز على طاولة الخال ميلاد-

طارق فتحي

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 18:47
المحور: قضايا ثقافية
    

"جذبني والدي إليه وأخبرني بأنني أحتاج إلى أن أسترجل وأترك رفقة أخواتي... رافقهن كحارس أو أب فقط".

محمد النعاس كاتب ليبي شاب، كتب روايته أعلاه وحصل على جائزة البوكر العربية للرواية للعام 2022، واحدة من الروايات الجميلة بموضوعها وحبكتها، عالج فيها قضية شائكة ومعقدة، قضية لم تقتصر على البلد الذي يعيش فيه "ليبيا"، بل نراها في اغلب بلدان هذه المنطقة، انها جزء من ثقافة مجتمعات ذكورية.

يولد ميلاد لأب صاحب مخبز، له ثلاث بنات وجاء الرابع ولدا، ميلاد يتربى مع اخواته "صالحة وصفاء وصباح"، يلعبن معه، ينظف سيقانهن من الشعر، يغسل الاواني معهن، لم يكن يعي المجتمع وتقاليده وعاداته، كانت امه تملك "عقلية العجائز القديمة، تلك التي تقول ان على المرأة تحمل كل شيء وان عليها الاهتمام بزوجها، حتى عندما تراني اغسل الاواني-قبل الزواج- في مطبخها كانت تطردني من المطبخ، وتقول لي انني رجل، والرجل لا يجدر به ان يمسك سوى المسحاة او الخباشة، والرجل يزرع ويحصد والمرأة تطبخ، الرجل يبني ويعمر والمرأة تنظف ما بناه، هذا هو الاتفاق الضمني بين الجنسين".

معاناة ميلاد هو انه لا يعرف هويته، او لنقل هوية يريد المجتمع وفقا لفهمه ان يلصقها به، يعاني في كل تفاصيل حياته، فحتى اسمه نابع من مثل شعبي ليبي "عيلة وخالها ميلاد"، وهو مثل يعبرون به عن الرجل الذي لا يملك سلطة على النساء. كان ابيه يحثه على "الاسترجال"، كان دائما ينهره ويصفعه إذا ما وجده مع اخواته البنات في البيت.

في مسعاه ان يجد هويته ويثبت لنفسه وللمجتمع انه رجل يدخل وهو في سن صغيرة الى الجيش، لكنه يصطدم بالضابط الذي يردد عليه كلمة "لدينا فتاة في المعسكر" او "امتأكد أنك رجل".

حواراته مع زوجته "زينب"، تكشف الكثير من جوانب شخصيته:

-هل يمكنني ان ادخن معك؟ سألتني زينب
-ولماذا تريدين ان تدخني؟
لا اعلم، لكن لطالما انجذبت اليه
-سيجارة واحدة فقط، بعدها لا للتدخين؟
-لماذا؟
-انه مضر بالصحة والشرف
-ها انت تدخنه، هل أضر بشرفك؟

"المرأة في طرابلس تمر بفترة عصيبة في تاريخها، لا يمكن ان يستمر الوضع هكذا الى الابد، العالم كله يتقدم ونحن الليبيين نتأخر"؛ هكذا وصف له أحد الأصدقاء أوضاع المرأة في ليبيا.

تصل معاناة ميلاد حتى من زوجته زينب، التي كانت تقول له "لم اهتم للرجال الأقوياء، احببتك لأنك انت، حنون ولطيف ولأنك تعد لي البيتزا وتنصت لكل ما أقوله"، تحولت الى انسانة أخرى، بدأت تردد تلك الاقوال "كن رجلا ولو لمرة واحدة في حياتك"، او "انت لست رجلا، ولم تكن كذلك مطلقا، كنت أشفق عليك عندما اراك تغسل الصحون، او تغسل الملابس، او تتصرف كطفل هروبا من مشاكل حياتك وخوفا منها، اما الان فأنا احتقرك".

محمد النعاس خاض في تفاصيل كثيرة في شخصية ميلاد، عزز من فهم هذه الشخصية الامثال والاقوال في بدايات الفصول "تعيش يوم ديك ولا عشرة دجاجة" "الفرس على راكبها" "البنات زريعة ابليس" "اضرب القطوسة تتربى العروسة".

انها العلاقة بين الرجل والمرأة، انها مسألة ماذا يفعل هو وماذا تفعل هي؟ انها قضية أدوار اجتماعية ربطها المجتمع بالجنسين، أي جنس يأخذ دورا ما يعرف ما هي هويته؛ ومحمد النعاس طرق لنا هذا الموضوع بشكل رائع في روايته "خبز على طاولة الخال ميلاد".

#طارق_فتحي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل