عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 11:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُلفت الدكتور سفيان التل نظر قراء كتابه "الهيمنة الصهيونية على الأردن" إلى أن استخدام مصطلح "مشاريع اقليمية"، إنما يعني مشاريع تخدم الهيمنة الصهيونية على الأردن والمنطقة، ولكنها تُقام على أرض أردنية. وعندما يُقال "دول الجوار"، فالمقصود الكيان الصهيوني، ومن المؤسف أن هذا التعبير يساوي بين دول شقيقة والكيان العدو.
من المشاريع(الصحيح المشروعات) الاقليمية أو ما يُسمى زورًا وبهتانًا "السلام الاقتصادي"، مشاريع المطارات. يقول المؤلف، إن هذه المشاريع تدخل في مواد عدة من اتفاقية وادي عربة. في البداية، كان مُتفقًا على إقامة مطار مشترك مع الكيان في العقبة، لكن حصل تراجع عن ذلك وعُدَّ المطار الأردني في العقبة مشتركًا. وهناك حديث عن آخر في الأغوار، مُختلف على موقعه ويصرح مسؤولون رسميون أن الهدف منه خدمة المزارع الأردني، لكن الدكتور التل يشكك بهذا الكلام.
ويشير التل إلى ما يُعرف ب"طريق ابراهيم"، وقد وُضعت فكرته ودُرست في جامعة هارفارد، والهدف منه "تعزيز الاتصال بين الناس العاديين من أتباع الديانات الثلاث الكبرى". ولا ندري لماذا الإصرار على وصف الديانة اليهودية ب"الكبرى"، عِلمًا بأنها لا تؤمن بالتبشير وهي حكر على اليهود وعددهم لا يتجاوز 14 مليونًا. وهناك ديانات، مثل الهندوسية والبوذية، على سبيل المثال لا الحصر، عدد أتباعهما أكبر بكثير من أتباع اليهودية. أما أتباع كل من الديانتين الاسلامية والمسيحية، فإن عدد اليهود مقارنة معهم لا يعادل نقطة في بحر.
يقول وليم أوري، وهو خبير عالمي في التفاوض حول الأزمات، وصاحب كتاب "الوصول إلى نعم، ولديه خبرة في العمل على جمع الأطراف المتحاربة في منطقتنا:"نحن لا نقوم بخلق الطريق، إذ أن هذا الطريق موجود، وكل ما نقوم به هو إزالة الغبار عنه حتى تتمكنوا من رؤية آثار الأقدام". توظيف الأساطير التوراتية واضح هنا، والهدف من الطريق أوضح. ولا بأس في هذا السياق من استحضار حقيقة أن النبي ابراهيم حقيقة دينية وليس تاريخية. فعلى الرغم من المكانة الكبيرة التي يُشغلها في الإسلام والمسيحية واليهودية، فإن للعلم متمثلًا بعلمي التاريخ والأرخيولوجيا قولًا آخر. مقصود القول، العلم الحديث لا يعترف بوجود شخصية اسمهما النبي ابراهيم في التاريخ.
يبدأ الطريق، كما يبين التل، في حران بتركيا، ثم يمر في سوريا والأردن، ويجتاز النهر إلى فلسطين المحتلة وينتهي بالخليل، حيث دُفن ابراهيم هناك على ذمة كَتَبَة سفر التكوين التوراتي. ويمر الطريق بمصر حيث كان لإبراهيم إقامة هناك حسب مزاعم التوراة، ويطمح باحثون، كما يقول التل، بالتوصل إلى أن الطريق مر بالعراق، حيث مكان ولادة ابراهيم في أور حسب الرواية الدينية، ويتوقع أن يمر بمكة حيث ساعد ابراهيم في بناء الكعبة كما تقول الأديان وليس التاريخ. والهدف المعلن تطوير السياحة، وتحطيم حاجز الخوف بين الشرق والغرب. ونحن على ثقة أن الهدف الحقيقي لمشروع كهذا دمج العدو في المنطقة وتسييده عليها.
ويضئ المؤلف على ما يُسمى "طريق موسى" ويربط ذلك بالإهتمام الكبير الذي يوليه الكيان لمدينة مأدبا الأردنية، والأخطر من ذلك الدعم الأميركي لهذا الاهتمام. فقد سبق أن أوفدت أميركا إلى مأدبا فريقًا من الشباب والشابات ضمن البرنامج المسمى بيس كوربس السلام، أو فيلق السلام. ويشير التل إلى أن "فيالق السلام" توجد في دولتين عربيتين اليوم، هما الأردن والمغرب. وعملت هذه الفيالق في كل من تونس وليبيا واليمن وعُمان وايران وإريتريا وإثيوبيا. ويتدرب المتطوعون فيها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من وصولهم على تعلم اللغة العربية وكيفية التعايش مع المجتمع ومعرفة العادات والتقاليد. وقد أقاموا لفترة طويلة في مأدبا، كما يقول المؤلف، خلال الأعوام 1997- 2002، و2004- 2015. وانتشروا في مأدبا وما حولها، وخاصة مكاور وذيبان وماعين والفيصلية، وكان يرافقهم مدرسو لغة عربية. وكانوا يتفاعلون مع السكان، فيقيمون وينامون في بيوتهم. ولا تقل إقامة الواحد منهم في الأردن عن سنتين. في هذا الجانب، يشير المؤلف بذكاء إلى أن الدين لا يُذكر في جواز السفر الأميركي كون حامله مواطنًا في دولة عالمانية كما ينص دستورها، ولا شيء يمنع في حالة كهذه من أن يستفيد الإسرائيليون من ذلك لاختراق مجتمعنا.
ويشير التل أيضًا إلى ما يُعرف بمشروع سكة حديد حيفا- بغداد، واستملاك43 قرية أردنية تبدأ من الحدود مع فلسطين المحتلة وتمتد إلى الحدود العراقية لتنفيذه.
ويقول التل إن هذا المشروع الإقليمي صُمِّمَ خارج الأردن، وأُعلن عنه فجأة من دون مقدمات. ويضيف ما يدعو للأسى والأسف فعلًا. فما أن أُعلن عنه حتى انشغل الناس في الأردن بحسابات تقدير سعر الأرض، وقيمة الاستملاك، ونسوا أن سكة الحديد هذه، ستوصل الكيان الصهيوني إلى منابع النفط في العراق، وأن هذا المشروع يهدف إلى تأمين البنية الأساسية واللوجستية لإعادة تشغيل خط النفط حيفا- بغداد، أو أي خط آخر بديل. في السياق، يورد التل ما نصت عليه المادة 13 فقرة 2 من اتفاقية وادي عربة ومفاده:"سيقوم الطرفان بفتح وإقامة طرق ونقاط عبور بين بلديهما، وسيأخذان بالاعتبار إقامة اتصالات برية واتصالات بالسكك الحديدية بينهما".
ويستحضر التل أحاديث الصحافة الغربية قبل حوالي ربع قرن عن شبكة طرق سريعة، تربط شواطئ المتوسط بمنابع النفط. ويضئ على "سكة حديد وطرق سريعة من شواطئ المتوسط إلى الأحمر ومنابع النفط"، و "سكة حديد وطريق سريع أسدود- إيلات- العقبة". وبخصوص "تنمية أخدود وادي الأردن" يقول التل:"لقد وضع الكيان الصهيوني تصوره لتنمية أخدود وادي الأردن، ولخَّص هذا التصور في فيلم بالأبعاد الثلاثية. يوضح الفيلم الذي لا يتجاوز أربع دقائق، ربط اخدود وادي الأردن من البحر الميت حتى العقبة بخط سكة حديد وقطار سريع، وزراعة الأخدود من العقبة حتى البحر الميت (على جانبي القناة). ويتجول الفيلم بالمستوطنات والمشاريع السياحية والفنادق الكبرى والبحيرات والحدائق النباتية والحيوانية". ويقول تعقيبًا على ذلك:"هذا يعني أن كامل التنمية في أخدود وادي الأردن برؤيا وتخطيط "اسرائيلي" ولكن على أرض أردنية 100%". ويمكن مشاهدة الفيلم من خلال الرابط: Viewpoint- 3D Visualization- Movies.mhtA
ويتناول التل "المفاعلات النووية" بشئ من التفصيل، ولعل أكثر ما يعنينا تأكيده حقيقة باتت معروفة مفادها أن الدول المتقدمة تخلت عن هذه المفاعلات بعدما تسببت به من كوارث معروفة. ويقول أيضًا بهذا الخصوص:"من المخاطر التي تفوق الوصف النفايات النووية التي يفرزها أي مفاعل. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه النفايات المشعة تشكل الآن تجارة عالمية للبطون الجشعة والجرباء التي تتاجر بها وتنقلها من بلد إلى آخر، لتدفن في أراضي الغير لقاء دولارات تُدفع إلى المتنفذين في دول العالم الثالث(دول المدفن) حتى لو كان ذلك على حساب صحة وسلامة شعوبهم". بخصوص المفاعل النووي في الأردن، يشكك الدكتور التل ب"أردنيته" ويعطيه جنسية ثانية، يرجح أنها جنسيته الفعلية (ص200 و217). يستحضر الكاتب المادة 20 من اتفاقية وادي عربة، وقد جاء فيها ما نصه:"يولي الطرفان أهمية كبرى للتنمية المتكاملة لمنطقة اخدود وادي الأردن ليشمل ذلك مشاريع مشتركة في المجالات الاقتصادية والبيئية، والمشاريع المرتبطة بالطاقة". إذن، وبحسب نص هذه المادة فإن المفاعلات النووية من المشاريع المرتبطة بالطاقة.
ويورد المؤلف من وثائق ويكيليكس وثيقة صادرة عن السفارة الأميركية في الكيان، جاء فيها إن رئيس لجنة الطاقة النووية الاسرائيلية شاؤول غوريف تحدث عن تعاون مع الأردن بشأن مفاعله النووي. وجاء في الوثيقة: إن غوريف أبلغ مسؤولين أميركيين، أن اسرائيل قررت ألا تعارض إنشاء المفاعل. وبحسب الوثيقة فإن غوريف كشف عن تشكيل ثلاث لجان ضمت خبراء أردنيين واسرائيليين بحثت قضايا السلامة والمسوحات الجيولوجية، وقضايا المياه، وأن أول هذه الاجتماعات عُقدت في عمان في حزيران 2009.
ونختم هذه الحلقة بما ذكره التل بخصوص إعلان الأردن إعفاء 2500 سلعة اسرائيلية من الرسوم والضرائب الجمركية، كما جاء في بلاغ أصدرته دائرة الجمارك يوم الثالث من كانون الثاني 2010، وذلك بموجب البروتوكول الملحق باتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي بين الأردن واسرائيل. ويؤكد التل أن من بين قوائم السلع الاسرائيلية المعفاة، التي جاءت في 58 صفحة شملت أجزاء من مفاعلات نووية وخامات يورانيوم وماءً ثقيلًا، إضافة إلى مُدخلات انتاج خامي، مثل خامات النحاس والنيكل والألمنيوم والرصاص والزنك والكروم والفضة.
وليس يفوت الدكتور التل الإضاءة على دور الكيان الصهيوني في تلويث البيئة الأردنية، وامتداده على مساحات واسعة تشمل مياه الشرب، ومياه نهري الأردن واليرموك، وتلويث مياه البحر في خليج العقبة، وتلويث البيئة الزراعية والأسمدة. يضاف إلى ذلك، التسرب الإشعاعي من مفاعل ديمونا، وتهريب النفايات المشعة والخطرة السامة إلى الأردن، ناهيك بسرقة التربة الزراعية من مواقع مختلفة، وسرقة طينة البحر الميت العلاجية، وإشعال الحرائق الحدودية وغيرها. ويضرب التل مثالًا على ذلك باستخدام الكيان العدو مياه نهر الأردن كمصرف لمجاري المستوطنات الاسرائيلية، كما يتعرض نهر اليرموك للتلويث الصهيوني بمجاري الصناعات. وما يزال سكان العقبة يتذكرون تسريب ستمائة متر مكعب من مياه الصرف الصحي إلى البحر، مما أدى إلى منع السباحة، وقام الكيان العدو من جانبه بإغلاق منطقة الشاطئ مدة يومين بتاريخ 30 أيلول 2007، بعد أن نشرت الصحف تقارير عن روائح كريهة وبقايا براز يطفو على السطح. وأفاد صيادون أردنيون بأن لون البحر قد تغير، وأن بقايا البراز على السطح تسببت بنفوق الأسماك. هؤلاء هم "شركاؤنا في السلام" الذين ابتلانا بهم الأنجلوساكسون...يتبع.
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟